شددت مجلة "
فورين أفيرز" على أهمية دور المملكة العربية
السعودية كعنصر محوري في تشكيل مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن سياسات الرياض تجاه كل من
الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تخفيف التوترات الإقليمية.
وأكدت المجلة في تقرير مطول، أن السعودية تتبع نهجا استراتيجيا متوازنا يهدف إلى تحقيق مصالحها الوطنية، مع الحفاظ على دعمها التاريخي للقضية
الفلسطينية.
واستهل التقرير بالحديث عن الموقف الإسرائيلي بعد اتفاقيات التطبيع التي عرفت بـ"اتفاقيات إبراهيم" في عام 2020، حيث افترضت دولة
الاحتلال الإسرائيلي أن قوتها العسكرية والاستخباراتية ستكسبها تحالفات أوسع بين دول الخليج، وخاصة السعودية.
كما اعتقد القادة الإسرائيليون، وفقا للمجلة، أن التصعيد الإقليمي، بما في ذلك مواجهة إيران ووكلائها، سيدفع الدول العربية للانضمام إليهم بشكل كامل، خاصة في ظل التحديات الأمنية المشتركة.
وأشارت المجلة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد هذه الرؤية خلال خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، حين دعا المملكة العربية السعودية للتحالف مع إسرائيل لمواجهة "المخططات الإيرانية الشريرة".
لكن المجلة أوضحت أن هذه الافتراضات أثبتت خطأها؛ إذ دفعت الحرب الإسرائيلية في غزة، والتصعيد الإقليمي الأوسع، السعودية وإيران إلى التقارب بدلا من التباعد.
اظهار أخبار متعلقة
وعلى عكس الافتراضات الإسرائيلية، انتهجت المملكة استراتيجية متوازنة تضمنت تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة، والانخراط مع إيران والصين من جهة أخرى. ورغم أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران أثار قلقا إقليميا، إلا أن الرياض استغلت الفرصة لتكثيف محادثاتها الأمنية مع طهران، مما قد يؤدي إلى تقديم ضمانات أمنية أكثر شمولًا لدول الخليج، حسب المجلة.
وأشار التقرير إلى أن السعودية أعادت تأكيد التزامها بقضية الدولة الفلسطينية، وهو ما تجلى في ربط أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما واصلت المملكة العمل على تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، بما في ذلك التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي والصين.
دور متوازن بين الأطراف المتنازعة
رأت المجلة أن الرياض يمكن أن تلعب دورا وسيطا جديدا في الشرق الأوسط من خلال بناء علاقات متوازنة مع إيران وإسرائيل على حد سواء. وإذا نجحت السعودية في تعزيز هذه العلاقات، فقد تسهم في الحد من التوترات الإقليمية، وتوفير إطار دبلوماسي أكثر استقرارا لحل النزاعات.
ولفت التقرير إلى أن التصعيد الإسرائيلي قد أجبر الرياض على تغيير استراتيجيتها من الدبلوماسية الهادئة إلى اتخاذ مواقف أكثر صراحة لدعم القضية الفلسطينية. ففي خطاب رئيسي ألقاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمام مجلس الشورى في سبتمبر/أيلول الماضي، أكد أن التطبيع مع الاحتلال سيكون مشروطا بإقامة دولة فلسطينية.
وفي الأشهر الأخيرة، أطلقت السعودية مجموعة من المبادرات لدعم القضية الفلسطينية، بما في ذلك استضافة قمة عربية إسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي جمعت ممثلين من أكثر من 50 دولة، ودعت إلى إنشاء دولة فلسطينية. كما أطلقت الرياض التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، وهو مبادرة متعددة الأطراف تهدف إلى تحقيق توافق دولي حول القضية الفلسطينية.
وأوضح التقرير أن هذه الجهود تأتي في سياق سعي المملكة لتعزيز دورها كقوة إقليمية فاعلة. من خلال التوفيق بين دعمها للقضية الفلسطينية وبين حماية مصالحها الوطنية، تعمل السعودية على بناء توازن جديد في المنطقة، يمكن أن يدفع الأطراف المتنازعة نحو الحوار بدلا من التصعيد.
دور الخليج في تحقيق التوازن الإقليمي
بالإضافة إلى جهود السعودية، استعرض التقرير دور بقية دول الخليج في تخفيف التوترات الإقليمية. فقد قامت قطر بدور الوسيط بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، بينما استمرت عُمان في جهودها للتوسط بين الحوثيين وأطراف أخرى.
أما الإمارات، فقد استخدمت عضويتها في مجلس الأمن الدولي للدفع نحو قرارات إنسانية بشأن قطاع غزة، مستغلة علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل تعزيز المساعدات الإنسانية والتفاوض حول "خطة اليوم التالي" لإعادة إعمار القطاع، على حد قول المجلة.
اظهار أخبار متعلقة
ومع توسع الصراع في المنطقة، وفقا للمجلة، فقد أصبحت السياسة السعودية معرضة لمخاطر جديدة، خاصة مع تصعيد العمليات الإسرائيلية في غزة ولبنان. وأظهر التصعيد الإسرائيلي أن الولايات المتحدة قد تكون غير قادرة أو غير راغبة في كبح جماح إسرائيل، وهو ما دفع الرياض إلى تكثيف جهودها لدعم الفلسطينيين، مع توسيع خياراتها الاستراتيجية بعيدًا عن الاعتماد الكامل على واشنطن.
وأشارت المجلة إلى أن الرياض انتقلت من الدبلوماسية الهادئة خلف الكواليس إلى اتخاذ مواقف أكثر حزما على الصعيد الدولي. ففي أكتوبر/تشرين الأول، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مقال رأي نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" أن أي تطبيع مع إسرائيل لن يتحقق دون إقامة دولة فلسطينية.
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن السعودية تعمل على تشكيل نظام إقليمي جديد، يعتمد على مزيج من القوة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية. ومن خلال بناء تحالفات واسعة مع دول الخليج وإيران ودول أخرى مثل
الصين وروسيا، تسعى المملكة إلى تحقيق توازن إقليمي يحول دون التصعيد، ويدفع الأطراف المتنازعة نحو الحلول السلمية.
وشدد التقرير على أن واشنطن يجب أن تدرك أن السعودية الأقوى تصب في مصلحة الجميع، لأنها قادرة على تقليل نفوذ إيران من جهة، ودفع إسرائيل إلى التوصل لحل مع الفلسطينيين من جهة أخرى.
هذه الديناميكية الجديدة، وفقا للتقرير، تجعل المملكة في وضع فريد لمساعدة الشرق الأوسط على تجاوز صراعاته الحالية نحو مستقبل أكثر استقرارا.