أعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة
المصرية منذ
يومين أن بلاده على وشك إعلان ما يعرف باقتصاد الحرب لمواجهة التحديات الإقليمية
التي ستنتج عن اتساع دائرة الحرب في المنطقة.
مدبولي بشر المصريين بإجراءات
اقتصادية
قاسية تحت عنوان اقتصاد الحرب، وعلل ذلك بأن الظروف ستكون خارجة عن إرادة النظام
الحالي فيما يتعلق بإمدادات الغاز والوقود واحتياطي النقد الأجنبي في البلاد.
ما هو اقتصاد الحرب وما هي إجراءاته؟
عرف العالم هذا المصطلح في الحرب الأمريكية
الأولى ثم اعتاد على التأقلم معه إبان الحرب العالمية الأولى ثم الثانية.. وظهر ذلك
جليا في خطاب للرئيس الأمريكي آنذاك فرانلكين روزفلت الذي قال إن قوات التحالف حال
انتصارها يجب أن تتحول لقوة عسكرية تعتمد على استراتيجية اقتصادية أسماها اقتصاد
الحرب.
الفكرة باختصار أن تتحول الدولة بموازناتها
ومواردها وكل ما تملك إلى بناء الجيش ودعمه بالمال والسلاح والعتاد لمواجهة الخطر
المحدق بالبلاد ولا يعلن هذا الأمر إلا في حالة دخول البلاد في حالة حرب أو تأثرها
بحروب في محيطها الإقليمي بشكل مباشر.
رفعت الحكومة أسعار الخدمات الأساسية من كهرباء ووقود ومواصلات، كما قلصت الدعم الحكومي لملايين المصريين، أغلقت المصانع وطرحتها للبيع ما قلل من إمكانية اعتمادها على الإنتاج المحلي وتقليص الاستيراد لتوفير عملة صعبة.
الدولة التي تعلن اقتصاد الحرب تتخذ خطوات
تقشف لضبط الإنفاق مثل فرض قيود داخلية وتقنين السلع الأساسية وتشديد العقوبات على
مخالفتها كما تفرض الدولة حزمة جديدة من الضرائب بهدف زيادة الحصيلة الضريبية
المفروضة على الشعب وفرض أسعار جبرية استثنائية على بعض السلع وتقنين توزيع المواد
البترولية وتقليص النفقات المدنية وفرض إجراءات تقشفية وتوجيه الأولوية لزيادة
الإنتاج المحلي ووقف التصدير قدر المستطاع لتوفير ما يكفي من احتياطي نقدي من
العملة الأجنبية.
عرف الشعب المصري اقتصاد الحرب وعايشه بعد
نكسة الخامس من يونيو عام 1967، فقد دمرت إسرائيل وقتها ما يقارب 80% من البنية
الأساسية للجيش المصري وأضرت بقناة السويس بشكل كبير ما تطلب إعادة بناء القوات
المسلحة المصرية من الصفر وإعلان اقتصاد الحرب بهدف توجيه الموازنة العامة للدولة
المصرية باتجاه دعم الجيش وشراء أسلحة جديدة وتشجيع الشعب على دعم ومساعدة جيشه
عبر تبرعات شعبية على نطاق واسع.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
شعار وطني رفعته الحكومة المصرية بعد نكسة
يونيو 1967، فاتخذت إجراءات تقشفية كبيرة وشجعت المصريين على التبرع لدعم المجهود
الحربي، ثم أعلن رئيس الوزراء المصري عزيز صدقي في فبراير 1973 قبل حرب أكتوبر
بعدة أشهر ما أطلق عليه ميزانية المعركة لدعم تسليح الجيش المصري.
عند نشوب حرب أكتوبر 1973 طبقت الحكومة تلك
الخطة مع إطلاق "سندات الجهاد"، وهي شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة
والقوات المسلحة خلال الحرب وتم طرحها للمواطنين في جميع البنوك، بلغت حصيلة تلك
السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه وفي وقت لاحق من العام نفسه
أعلنت الحكومة أن الاكتتاب في "سندات الجهاد" إجباري، باستثناء محدودي الدخل من
المواطنين.
الواقع الحالي وما تريد الحكومة المصرية
تطبيقه لا يتناسب مع مفهوم اقتصاد الحرب، فالنظام الحالي لن يحارب أحدا ولن يخوض
حربا لا دفاعا عن أرض أو حماية لحدود وقد أثبتت سنوات السيسي العجاف صحة هذه
الرؤية من تنازل عن مياه النيل لإثيوبيا وبيع تيران وصنافير للسعودية والدور
السلبي في السودان حتى وصل الأمر لتهديدات مباشرة من قائد مليشيا الدعم السريع
للجيش المصري.
لم يختلف الأمر كثيرا مع إسرائيل التي احتلت
محور فلادلفيا وخالفت اتفاقية السلام وسيطرت على معبر رفح وقتلت الجنود المصريين
على الحدود الشرقية ولم يتحرك السيسي تجاه ما يحدث بل اكتفى بتوجيه نداء ومناشدة
لقادة الاحتلال لنبذ الكراهية والعودة إلى السلام مرة أخرى.
اقتصاديا، لا حاجة لتطبيق اقتصاد الحرب في
مصر الآن، لأن القوات المسلحة المصرية لا تحتاج إلى دعم من موازنة الدولة العامة
فما شهدناه في عهد السيسي هو العكس تماما فالجيش هو من يعم موازنة الدولة وهو من
ينفذ مشروعات عجزت عنها موازنة الدولة وهو من يسيطر على أراضي الدولة وهو من يحتكر
أكثر من 60% من اقتصاد الدولة.
عسكريا، لا يحتاج الجيش المصري أيضا لفكرة
اقتصاد الحرب، ـ شهدت سنوات حكم السيسي زيادة كبيرة في نسبة الإنفاق على صفقات
تسليح للجيش المصري، ارتفعت واردات مصر من الأسلحة بنسبة 136٪ لتسجل 4.5 % من تجارة السلاح بالعالم، كما جاءت
مصر كسابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة 2019 ـ 2023.
ـ الأرقام المعلنة لمشتريات مصر من الأسلحة تتراوح بين 45
و52 مليار دولار على أقل تقدير حيث أشار موقع ورلد بيبوليشن ريفيو المختص برصد
نفقات الجيوش إلى أن ميزانية الجيش المصري للعام الماضي تقدر بنحو 11.3 مليار دولار محتلا
المرتبة الثالثة عربيا في الإنفاق العسكري.
إن الشعب المصري يعيش حالة اقتصاد الحرب منذ نوفمبر 2016 عندما نفذت الحكومة التعويم الأول للجنيه وذهبت لتقترض من صندوق النقد الدولي.
داخليا وعلى مستوى الإجراءات الاقتصادية
فيمكننا القول إن الشعب المصري يعيش حالة اقتصاد الحرب منذ نوفمبر 2016 عندما نفذت
الحكومة التعويم الأول للجنيه وذهبت لتقترض من صندوق النقد الدولي.
ثماني سنوات من الإجراءات التقشفية وزيادة
الحصيلة الضريبية التي وصلت في العام الأخير إلى 2.2 تريليون جنيه وهناك خطة
لزيادتها بنسبة 50% في العام القادم.
رفعت الحكومة أسعار الخدمات الأساسية من
كهرباء ووقود ومواصلات، كما قلصت الدعم الحكومي لملايين المصريين، أغلقت المصانع
وطرحتها للبيع ما قلل من إمكانية اعتمادها على الإنتاج المحلي وتقليص الاستيراد
لتوفير عملة صعبة.
إن أرادت الحكومة المصرية أن تعلن اقتصاد الحرب فلديها ما يكفي من صناديق سيادية يشرف عليها السيسي بنفسه فلتفتح تلك الصناديق
ولتأخذ منها ما يكفيها من أموال للإنفاق العسكري إن احتاج الجيش أن يشتري سلاحا
غير الذي صدأ في مخازنه طيلة عشر سنوات.