شدد تقرير نشرته صحيفة "
الغارديان" البريطانية، على
العزلة الدولية التي تعيشها دولة
الاحتلال الإسرائيلي بعد عام من عدوانها المتواصل على قطاع
غزة، مشيرا إلى أن بعض الدول الآن تنظر إلى "إسرائيل على أنها دولة منبوذة".
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، قال ذات يوم، إن "مستقبلنا لا يعتمد على ما سيقوله غير اليهود، بل على ما سيفعله اليهود".
وأضاف التقرير، أن حجة بن غوريون كانت أن الشعب اليهودي لم يعد بإمكانه الاعتماد على الآخرين كما كان الحال منذ 2000 عام. وبدلا من ذلك، أصبحوا مستقلين، ويعتمدون على أنفسهم، ويتحكمون بمصيرهم.
واليوم، في مواجهة العزلة الدبلوماسية المتزايدة بسبب حربها في غزة - إلى الحد الذي ينظر فيه بعض الدول إلى إسرائيل الآن على أنها دولة منبوذة - اكتسبت مقولة بن غوريون قوة دفع متجددة لدى العديد من الإسرائيليين، وفقا للمقال.
اظهار أخبار متعلقة
ومن بين هؤلاء، وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي استشهد بها لدحض حكم محكمة العدل الدولية الذي أمر إسرائيل بوقف عمليتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
ونقلت الصحيفة، عن مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، قوله إن كل ما تتحدث عنه إسرائيل من دبلوماسية عامة أو "هاسبارا" هو أن الغريزة داخل جيشها كانت دائما تعتمد على نفسها، وليس النضال من أجل الرأي العام العالمي.
وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي لا يهتم بما يعتقده الناس عنه. هذه دولة أمنية. إنه لا يريد أن يكون محبوبا. إنه يريد أن يكون موضع خوف واحترام".
ووفقا للتقرير، فإن هذا لم يكن أكثر وضوحا من الأيام الأخيرة مع هدم إسرائيل لقيادة حزب الله، والتي نفذت دون دعم سياسي من الولايات المتحدة والتي يصورها الآن بنيامين
نتنياهو كجزء من هدف معلن حديثا "لتغيير توازن القوى في المنطقة لسنوات".
بالنسبة لبعضهم مثل جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب،، فإن "هذه هي فجأة لحظة من الاحتمالات اللانهائية"، وقد كتب على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن "الشرق الأوسط غالبا ما يكون صلبا حيث لا يتغير إلا القليل. اليوم، أصبح سائلا والقدرة على إعادة التشكيل غير محدودة. لا تضيعوا هذه اللحظة".
ومع ذلك، يعترف العديد من الإسرائيليين بشعور بعدم الارتياح ويعترفون بأنهم أصيبوا بصدمة بسبب السرعة التي فقدت بها إسرائيل التعاطف العالمي، والعواقب المترتبة على مستقبل البلاد.
بدأ الأمر بوضوح كبير. في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، أضيئت العديد من المعالم الأكثر شهرة في العالم، من برج إيفل إلى داونينغ ستريت، باللونين الأزرق والأبيض لعلم "إسرائيل".
وسافر الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى القدس لاحتضان دولة في حالة صدمة وقال: "لقد أتيت إلى إسرائيل برسالة واحدة: أنتم لستم وحدكم. أنتم لستم وحدكم".
كما زار أولاف شولتز، مستشار ألمانيا، إسرائيل وقدم وعدا مماثلا بالتضامن غير المشروط: "في الأوقات الصعبة، لا يوجد لألمانيا سوى مكان واحد وهو إلى جانب إسرائيل".
بعد ستة أشهر من الحرب الانتقامية التي شنتها إسرائيل على غزة، وجدت أعلى محكمة في العالم، محكمة العدل الدولية، في حكم مؤقت أن هناك خطر انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في الحماية من الإبادة الجماعية. لقد جفت بئر التعاطف. والآن، بعد مرور عام كامل، فإن السؤال الرئيسي هو كيف تتعامل قيادة إسرائيل ومجتمعها مع حقيقة أن الكثير من العالم تبنى القضية الفلسطينية المهملة، حسب تعبير التقرير.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه من المؤكد أن قائمة الإدانة من حلفائها السابقين تبدو ضارة. حذر تشاك شومر، وهو ديمقراطي من نيويورك وأعلى مسؤول يهودي منتخب في الولايات المتحدة، من أن النسيج السياسي والأخلاقي لإسرائيل يتآكل بسبب قيادة نتنياهو.
وقال شومر إنه "لا يمكن لإسرائيل البقاء إذا أصبحت منبوذة". حتى ترامب، حليف نتنياهو، قال إن إسرائيل "تخسر الكثير من الدعم". وفي تموز/ يوليو، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن ألمانيا لا تدعم سياسة الاحتلال الإسرائيلية، وفي رفض لأولويات نتنياهو، قالت إن الاعتماد على الضغط العسكري البحت يعرض حياة الرهائن للخطر.
ولفتت الصحيفة، إلى أن إشارات نبذ إسرائيل، ثقافيا واقتصاديا، كثيرة. فقد واجهت البعثة الإسرائيلية في مسابقة الأغنية الأوروبية موجة من الانتقادات والنبذ من دول أخرى. وأدار مشجعو كرة القدم الإيطاليون ظهورهم للنشيد الوطني الإسرائيلي. ومنعت إندونيسيا وجزر المالديف حاملي جوازات السفر الإسرائيلية. وقطعت تركيا جميع الروابط التجارية.
وفي النصف الأول من هذا العام، انخفضت السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة 76% مقارنة بالعام السابق. في توقعاتها لشهر تموز/ يوليو 2024، قام بنك إسرائيل بمراجعة توقعات النمو إلى 1.5% لعام 2024، من توقعاته السابقة البالغة 2.8%. وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني التصنيف الائتماني لإسرائيل بمقدار درجتين.
اظهار أخبار متعلقة
حركات سحب الاستثمارات، التي كان من المقرر أن تحظرها حكومة المحافظين السابقة في المملكة المتحدة، منتشرة في الجامعات. الاحتجاجات في جميع أنحاء أوروبا عملت على تسييس جيل جديد، حسب التقرير.
ويعزي بعض الإسرائيليين أنفسهم بالاعتقاد بأن الأغلبية الصامتة لا تزال تعتقد أن إسرائيل لا تزال الضحية، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى خلاف ذلك.
فقد وجد استطلاع أجرته شركة مورنينغ كونسلت على الناس في 43 دولة انخفاضا متوسطا في صافي التأييد لإسرائيل بنسبة 18.5 نقطة مئوية بين أيلول/ سبتمبر وكانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. ووجد استطلاع أجرته شركة إبسوس ومعهد السياسة في كينغز كوليدج لندن في حزيران/ يونيو شمل 23800 شخص في 31 دولة أن إسرائيل كانت الدولة التي قال معظم الناس إنها "استخدمت نفوذها في الشر".
كما وجد استطلاع أجرته مجموعة السياسة الخارجية البريطانية ونُشر هذا الشهر أن 62% من البريطانيين لا يثقون في إسرائيل للتصرف بمسؤولية في العالم، وهو ما يقل بنسبة تسع نقاط مئوية فقط عن نسبة البريطانيين الذين لا يثقون في الصين (71%).
ووجد مركز بيو للأبحاث في أيار/ مايو أنه على الرغم من أن معظم الأمريكيين ما زالوا يتعاطفون مع إسرائيل، فإن أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما لا يتعاطفون، وأن سبعة من كل 10 ديمقراطيين ومستقلين ذوي ميول ديمقراطية (71%) لا يثقون في نتنياهو أو يثقون به قليلا.
ونقل التقرير عن جوناثان كونريكوس، المتحدث الدولي باسم الجيش الإسرائيلي خلال المراحل الافتتاحية للصراع، قوله لبودكاست State of a Nation، الذي يقدمه إيلون ليفي، المتحدث الإسرائيلي السابق المولود في بريطانيا، إن "معركة السردية مهمة للغاية، ولكن لا يبدو أن البلاد تدرك حقا مدى أهمية هذه المعركة، وإذا كانت تدرك ذلك، فإن لديها طريقة غريبة جدا لإظهار ذلك".
وقال إن "إسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجيا بعدم إلقاء اللوم على إيران، باعتبارها الداعم الرئيسي لحماس، في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر منذ البداية، والتركيز على رسالتها الاتصالية بشكل مفرط على الجمهور الإسرائيلي".
وأضاف أنه اقترح في جلسات الاستراتيجية الداخلية أن الجيش يحتاج إلى رسالة إنسانية حول الكيفية التي تنوي بها إسرائيل انتشال المدنيين الفلسطينيين من ساحة المعركة، لافتا إلى أن اقتراحه رُفض لأن الجيش "يسير في الأساس على مسار واحد فقط، وهو المسار الإسرائيلي. ومن المفهوم جدا أن الجمهور الإسرائيلي لم يرغب في سماع أي شيء عن رعاية إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين. كان هناك غضب هائل ورغبة في الانتقام".
ولم يكن من الممكن أيضا، حسب التقرير، توجيه رسالتين مختلفتين بالتوازي إلى الجمهور المحلي والدولي. وقال كونريكوس: "ستتعارض هذه الرسائل لأن اليوم، على عكس ما كان عليه الحال قبل ثلاثة عقود، يقرأ الجميع ويسمعون ويشاهدون كل شيء، لذا فقد ولت الأيام التي كان بإمكانك فيها تقسيم الجمهور إلى فئات مختلفة، وعندما يمكنك أن تقول شيئا واحدا باللغة العبرية وتعتقد أن وسائل الإعلام الدولية لن تلتقطه".
وقال عامي أيالون، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق، إن "الخطأ الاستراتيجي الرئيسي كان أكثر سياسية، وتحديدا رفض مجلس الوزراء مناقشة ما يحدث في غزة بعد انتهاء الحرب".
وأضاف، حسب الصحيفة، أنه "بمجرد أن لا نعرف كيف نَصِف اليوم التالي، فلن يكون لدينا أي مفهوم للنصر، ولن يكون لدينا أي هدف سياسي. نميل إلى نسيان أن الحرب ليست سوى وسيلة لتحقيق واقع سياسي أفضل. هذا هو تعريف النصر".
وتابع أن "زعماءنا لا يفهمون أننا عندما نخوض حربا ضد منظمة إرهابية أيديولوجية أو لاهوتية أو متطرفة، فإننا نقاتل في بعدين. البعد الأول هو ساحة المعركة، ولكن من أجل هزيمة حماس يتعين علينا الفوز في حرب الأفكار. ولا يمكننا أن نفعل ذلك باستخدام القوة العسكرية. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي خلق أو تقديم فكرة أفضل".
وشددت الصحيفة على أن عواقب عزلة إسرائيل محل نزاع. ويقول ليفي إن "مكانة إسرائيل العالمية مهمة للغاية، وهو يناضل باستمرار لإقناع الإسرائيليين بأن الرواية مهمة ويمكن تغييرها".
وذكرت أن الحساب القانوني، على سبيل المثال، ربما بدأ للتو. ففي تموز/ يوليو، حكمت محكمة العدل الدولية بأن احتلال إسرائيل لفلسطين غير قانوني، ولكن هناك خلاف حول الالتزامات التي يفرضها هذا على الدول الأخرى لتطبيق هذا الرأي. ولا يزال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ينتظر الموافقة القضائية التي تسمح له بالسعي إلى اعتقال الزعيم الإسرائيلي المنتخب بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تُترَك إسرائيل بانتظام في أقلية تتألف من حوالي 14 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة وبعض الدول الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ، حيث تصطف ما بين 130 و150 دولة لرفض ادعائها بأنها تتصرف دفاعا عن النفس. ولكن مع تمرير كل قرار وتجاهله، فإن تأثيرها الحقيقي غير واضح.
وحسب التقرير، فإن أحد المخاوف بالنسبة لإسرائيل هو أن الولايات المتحدة، حليفتها الأكثر أهمية، قد تلجأ في المستقبل إلى دول الخليج كبديل. من المؤكد أن الملكيات الخليجية، التي تعامل معها بايدن ببرود في البداية، تُرى الآن كمصدر للأمن. إنها تدين تصرفات إسرائيل ولكن على عكس تركيا أو إيران، ليس بالقدر الكافي لتحدي تفوق الولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة. تُرحب قطر كوسيط نزيه. بالنسبة لمحمد بن سلمان، كان سلوك إسرائيل في غزة بمثابة جواز سفر لعودة الاحترام للسعودية. وكان رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، هو الذي حصل على مقابلة في البيت الأبيض مع بايدن خلال أسبوع الأمم المتحدة.
اظهار أخبار متعلقة
ولكن في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على حزب الله، قد ينظر نتنياهو إلى هذه الخسارة في المكانة على أنها مقبولة، حيث يشعر بأنه استولى على زمام المبادرة، ونقل الحوار من غزة، ويعتقد أن دول الخليج سوف تكون مسرورة بشكل خاص بإضعافه للمجموعة اللبنانية.
ونقل التقرير عن الدكتور ألون ليل، الذي خدم في الخدمة الدبلوماسية الإسرائيلية لمدة ثلاثة عقود، قوله إن "أكبر نقاط ضعف إسرائيل ربما تكون أنها لم تعد تتمتع بالمصداقية لمجرد تجاهل الشعب الفلسطيني".
وأضاف: "لقد انهار المفهوم الذي سوقته الحكومة الإسرائيلية بأن حماس تم احتواؤها وردعها، وأن إسرائيل يمكن دمجها في منطقة الشرق الأوسط دون معالجة القضية الفلسطينية - وهي الفكرة التي تبناها القادة الغربيون - يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".
لكنه حذر من أن هذا ليس الرأي المتفق عليه داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن "الدعوة واسعة النطاق للإفراج عن الرهائن ليست بالضرورة دعوة لإنهاء الحرب بشكل كامل وبالتأكيد ليست دعوة لإنهاء الاحتلال".