قالت صحيفة
"
واشنطن بوست" إن الأنظار تتركز الآن، على النظام الجديد الذي يتشكل في
دمشق، بعد السقوط المذهل لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والجهات الفاعلة
الإقليمية القوية التي قد تؤثر عليه.
وأوضحت الصحيفة في
تقرير ترجمته "عربي21"، أن المحللين سارعوا وأعلنوا من الآن الفائزين
والخاسرين على المستوى الجيوسياسي، إيران وروسيا، داعمو الأسد منذ فترة طويلة،
يلعقون جراحهم؛ تركيا والملكيات العربية التي دعمت المعارضين السوريين بدرجات
متفاوتة في صعود.
من الواضح أن دولة الاحتلال،
التي نفذت حملة قصف لا هوادة فيها على أهداف عسكرية سورية ونقلت قوات برية عبر
مرتفعات الجولان المتنازع عليها إلى الأراضي السورية، تشعر بالجرأة أيضا.
وأضافت: "مع تولي
جماعة من الثوار الإسلاميين التي أطاحت بالأسد زمام الأمور في توجيه عملية
الانتقال السياسي في البلاد، بدأت الحكومات الغربية في إعادة الانخراط في بلد ظل
لفترة طويلة في حالة من البرودة الدبلوماسية. فرفع العلم الفرنسي فوق سفارة فرنسا
في دمشق يوم الثلاثاء لأول مرة منذ 12 عاما. ويوم الجمعة، زار وفد أمريكي
سوريا،
في أول زيارة دبلوماسية أمريكية إلى دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان".
اظهار أخبار متعلقة
ويظل الكثير غير مؤكد.
فيوم الخميس، تظاهر عشرات الأشخاص في قلب دمشق، مطالبين السلطات الجديدة المرتبطة
بالإسلاميين بالحفاظ على دولة علمانية شاملة. وتستعد الوحدات الكردية المسلحة، في
شمال شرق سوريا لمعارك محتملة مع الفصائل السورية.
وقالت الصحيفة: "لقد
كشف سقوط الأسد عن بعض الديناميات. لقد كان زوال النظام متوقعا من خلال
القضاء التكتيكي الإسرائيلي على جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وهي الوكيل
الإيراني الذي كان حيويا لتأمين
نظام الأسد على مدى عقد من الحرب الأهلية. وعلاوة
على ذلك، بعد الدفاع عنه لسنوات، كانت كل من إيران وروسيا غير قادرتين أو حتى غير
راغبتين في إبقاء الأسد في السلطة. ويمثل الإطاحة به تغييرا سياسيا كبيرا في الشرق
الأوسط".
ونقلت عن لينا الخطيب،
محللة شؤون الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث قولها: "كما
كان عام 1989 بمثابة نهاية الشيوعية في أوروبا، فإن هروب الأسد إلى موسكو يشير إلى
زوال أيديولوجية المقاومة المناهضة للغرب والمعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط.
لأكثر من نصف قرن، كانت عائلة الأسد العمود الفقري للنظام السياسي في الشرق الأوسط
حيث أطلقت كتلة من الدول على نفسها اسم المقاومة لما أسمته الإمبريالية الغربية
والصهيونية".
في مقال في مجلة
"فورين أفيرز"، حدد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين
عاموس يادلين وأفنير غولوف استراتيجية من شأنها أن تنشئ "نظاما إسرائيليا في
الشرق الأوسط". ودعوا إلى بذل جهد دبلوماسي لربط إسرائيل بشكل أكبر بالملكيات
العربية في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات وهو جهد معقد يتطلب شراكة أمريكية
وتنازلات إسرائيلية في نهاية المطاف لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت
الاحتلال الفعلي. لكن هذا يتطلب أيضا من نتنياهو تحدي أعضاء اليمين المتطرف
الرئيسيين في ائتلافه الحاكم، الذين يتصورون أن إسرائيل ستضم قريبا أجزاء من الضفة
الغربية وحتى إنشاء مستوطنات في غزة.
كتب يادلين وغولوف:
"على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل
السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن بدون قيادة شجاعة، قد تفلت فرصة إسرائيل. إن
تطلعات الأعضاء المتطرفين في ائتلاف نتنياهو لضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو
فرض الحكم العسكري في غزة، أو متابعة أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات
الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة".
اظهار أخبار متعلقة
ولكن هناك لاعب إقليمي
آخر يشعر بلحظته أيضا. كان نظام الأسد بمثابة محور لما أطلق عليه المحللون منذ
فترة طويلة "الهلال الشيعي" الإيراني، وهو قوس من النفوذ والجماعات
الوكيلة التي تربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط. ومع رحيل الأسد فقد نشهد
"نهاية الهلال الشيعي الذي طالما خشيته إيران وصعود البدر التركي، وإعادة
تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان".
إن وكلاء تركيا في وضع
مهيمن في دمشق وعلى استعداد للاستيلاء على المزيد من السيطرة في شمال شرق سوريا.
لقد دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة إلى الإطاحة بالأسد، ويبدو
الآن أنه أثبت صحة نهجه. كما لعب دورا أكبر كرجل دولة إقليمي، حيث توسط مؤخرا في
اتفاقيات السلام بين إثيوبيا والصومال، في حين عزز تحالف تركيا مع أذربيجان،
الدولة النفطية المسلحة جيدا على عتبة إيران.
حتى أن ترامب وصف ما
جرى بأنه "استيلاء غير ودي" من قبل تركيا، وهو السرد الذي رفضته أنقرة.
وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مقابلة: "لن نسميه استيلاء، لأنه سيكون
خطأ فادحا تقديم ما يحدث في سوريا" بهذه المصطلحات، مضيفا أن الإطاحة بالأسد
تعكس "إرادة الشعب السوري" وأنه من المهم للشرق الأوسط أن يتجاوز
"ثقافة الهيمنة".
وقال فيدان: "لا
الهيمنة التركية، ولا الهيمنة الإيرانية، ولا الهيمنة العربية، بل يجب أن يكون
التعاون هو الأساس".
وأشارت الصحيفة إلى أن
"الود التركي للجماعات الإسلامية ودعمه التاريخي للأحزاب التابعة لجماعة
الإخوان المسلمين يشكلان مصدر قلق لكل من الدول العربية مثل الإمارات ومصر، وكذلك
إسرائيل، التي تدهورت علاقاتها مع تركيا منذ بداية الحرب في غزة. وقد تكتسب الصراعات
السياسية في دمشق بسرعة طابعا جيوسياسيا. كتب جدعون رحمان، كاتب العمود في صحيفة
فاينانشال تايمز: "قد تصطدم الطموحات المتنافسة لأردوغان ونتنياهو بسهولة في
سوريا. إنها تخاطر بأن تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة لأن السعودية
ودول الخليج لديها أيضا مصالح على المحك هناك".
وأشار بول سالم من
معهد الشرق الأوسط إلى أنه ومع ذلك، ورغم أن النظام في طهران قد يضعف، فسوف يتعين على
منافسيه أن يكونوا حذرين بشأن الضغط على ميزتهم. "إن المخاطر تكمن في أن
التصعيد العسكري من جانب إسرائيل ضد إيران قد يخرج عن نطاق السيطرة، مع رد الأخيرة
بهجمات على شحن النفط ومرافق الإنتاج في الخليج، مما قد يؤدي إلى أزمة طاقة
واقتصاد عالمية". وأضاف أن إيران قد "تقرر أيضا إعادة بناء ردعها
المفقود من خلال التسرع في تطوير سلاح نووي، مما قد يؤدي أيضا إلى اندلاع حرب مع
إسرائيل - والولايات المتحدة".
ويزعم آخرون أن السبب
وراء استغلال إدارة ترامب لضعف إيران هو من خلال الدبلوماسية التي تحد من الاندفاع
نحو سلاح نووي. قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس العلاقات الخارجية في
نيويورك يوم الأربعاء: "لا أعتقد أن السلاح النووي أمر لا مفر منه"،
مضيفا أنه يرى "احتمال المفاوضات".
في سوريا، يعتقد
المحللون أن إيران قد تحاول بعناية شق طريقها للعودة، واستغلال الفراغ الأمني
والاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية. وقال الصحافي السوري إبراهيم حميدي
لواشنطن بوست: "نحن جميعا نعلم أن إيران خسرت بشكل كبير بسقوط الأسد. ونعلم
أيضا أن إيران لديها صبر. في الوقت الحالي، يتعين علينا اتخاذ بضع خطوات إلى
الوراء لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر".