مدونات

الدوري المصري والملايين المهدرة

محمد حسن
"على الصعيد العالمي، يحتل الدوري المصري مركزا متأخرا"
"على الصعيد العالمي، يحتل الدوري المصري مركزا متأخرا"
مع بداية الموسم الرياضي الجديد في الدوري المصري، تتصاعد مشاهد مدهشة تتمثل في تضخم الرواتب بصورة غير مسبوقة. ما يثير الدهشة أن بعض اللاعبين يتقاضون ملايين الجنيهات، رغم ضعف أدائهم وعدم تحقيقهم الإنجازات المطلوبة، سواء على مستوى الأندية أو المنتخب الوطني.

تتفاقم المشكلة ليس فقط في الرواتب العالية عند التعاقد الأول، بل تمتد أيضا إلى عقود التجديد، حيث يطلب اللاعبون مبالغ ضخمة لتجديد عقودهم. كذلك، نرى أسعارا غير منطقية لانتقالات اللاعبين بين الأندية واستقدام محترفين أجانب دون تحقيق الفائدة المتوقعة، ورغم النداءات المستمرة لضبط هذه الأسعار، إلا أن الأسعار تستمر في الارتفاع الجنوني دون مردود حقيقي يبررها.

في الأيام الأخيرة، كانت وسائل الإعلام مشغولة بتداول الأرقام والعروض المقدمة لأحمد سيد، الشهير بـ"زيزو"، لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر. كان العرض المقدم من الأندية السعودية مغريا، حيث صرّح الإعلامي سيف زاهر خلال برنامجه "ملعب ON" على قناة "ON TIME SPORT"، نقلا عن أحمد سليمان، عضو مجلس إدارة نادي الزمالك، أن النادي متمسك بالتجديد للاعب. وقد عرضوا عليه 60 مليون جنيه في الموسم للتجديد، دون أي مقدم عقد، وإذا أراد زيزو مقدم عقد، سيكون ذلك من ضمن الـ60 مليون جنيه.

أثرت هذه الأرقام سلبا على العديد من الأندية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لمواكبة الأسعار الخيالية، ونتيجة لذلك، اختفت العديد من الأندية الجماهيرية من الدوري الممتاز، وهبطت إلى الدرجات الأدنى، مما جعل الدوري يتحول إلى "دوري للشركات"، حيث أصبح رأس المال هو العامل الحاسم في تحقيق النجاح.

ولم يكن زيزو هو الحالة الوحيدة، فقد شهد الدوري المصري حالات أخرى مثل أنتوني مودريست، الذي تلقّى راتبا قدره 1.75 مليون دولار سنويا مع الأهلي، ورغم ذلك، لم تكن مساهماته توازي تلك الأرقام. فقد شارك مودريست في 31 مباراة بقميص النادي الأهلي في جميع المسابقات، وسجل خلالها 5 أهداف وصنع 4 أهداف.

الأرقام الفلكية التي ذكرناها، بالإضافة إلى تلك التي لم نذكرها، أسفرت عن نتائج مخيبة للآمال في الدوري المصري، فقد أثرت هذه الأرقام سلبا على العديد من الأندية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لمواكبة الأسعار الخيالية، ونتيجة لذلك، اختفى العديد من الأندية الجماهيرية من الدوري الممتاز، وهبطت إلى الدرجات الأدنى، مما جعل الدوري يتحول إلى "دوري للشركات"، حيث أصبح رأس المال هو العامل الحاسم في تحقيق النجاح.

ورغم المبالغ الضخمة التي تُنفق على اللاعبين ومنظومة كرة القدم بشكل عام، تظل هناك أسئلة جوهرية تحتاج إلى إجابة: ما هو ترتيب الدوري المصري بين الدوريات العالمية؟ هذا السؤال يتطلب تحقيقا دقيقا لفهم الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي والنتائج السلبية التي نراها. من الضروري أيضا معرفة عدد الأندية الشعبية في الدوري المصري، وأسباب اختفاء الأندية ذات التاريخ الكبير والنتائج المميزة.

كما يجب علينا أن نبحث في مدى تطبيق مصر لنموذج الاحتراف كما هو مطلوب عالميا، أم إن الاحتراف في مصر له طابع مختلف؟ هذه الأسئلة تستدعي تحقيقا معمقا لفهم الوضع الحالي، والعمل على إيجاد حلول لتعزيز مكانة الدوري المصري على الصعيدين المحلي والعالمي.

ترتيب الدوري المصري عالميا

على الصعيد العالمي، يحتل الدوري المصري مركزا متأخرا. ففي تصنيف موقع "Teamform" لعام 2023، جاء الدوري في المركز 116 عالميا والرابع على مستوى أفريقيا. ورغم تقدمه في بعض الفترات السابقة، إلا أن أداء الأندية المصرية في المسابقات القارية لم يكن كافيا لتحسين ترتيبه. ورغم الأرقام الكبيرة التي تُنفق على اللاعبين، لا يعكس ذلك تحسنا في مستوى الدوري، حيث تظل الأندية المصرية متأخرة مقارنة بالدوريات الكبرى عالميا مثل الدوري الإنجليزي أو الإسباني.

تختلف تجربة الاحتراف في مصر عن مثيلاتها في الدوريات العالمية، بينما تعتمد الأندية الكبرى عالميا على استثمارات ضخمة وحقوق بث ورعاية متطورة، تعتمد الأندية المصرية على دعم الدولة أو الشركات المالكة. هذا النقص في التمويل الاحترافي جعل الأندية المصرية تعاني من ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمار في تسويق العلامة التجارية للأندية، مما يدفع العديد من اللاعبين للانتقال إلى الدوريات الخليجية أو الأوروبية.

ومن الجدير بالذكر أن الدوري المصري كان قد تصدر قائمة أقوى الدوريات العربية والأفريقية لعام 2020، وحل في المركز الـ15 ضمن قائمة أفضل دوريات العالم في العام نفسه، وفقا للاتحاد الدولي للتاريخ والإحصاء، بعد أن كان يحتل المركز الـ30 عام 2019.

أزمة الأندية الشعبية وتفوق الشركات

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تتراجع الأندية الجماهيرية أمام أندية الشركات والقطاع الخاص؟ الإجابة تعود إلى تأثير التمويل الكبير الذي تمتلكه هذه الأندية. فبينما تعاني الأندية الجماهيرية مثل الإسماعيلي والاتحاد السكندري من ضعف الموارد، تتفوق الأندية التي تديرها الشركات بفضل رأس المال الكبير الذي يسمح لها بالتعاقد مع أفضل اللاعبين.

الأندية الجماهيرية باتت محدودة في الدوري المصري، حيث لم يتبقَّ سوى 6 أندية شعبية من أصل 18 ناديا في موسم 2023-2024. اختفى العديد من الأندية التاريخية نتيجة لمشاكل مالية وإدارية، وهو ما دفع بالدوري للتحول إلى دوري تسيطر عليه أندية الشركات.

الاحتراف في مصر نموذج مختلف

تختلف تجربة الاحتراف في مصر عن مثيلاتها في الدوريات العالمية، بينما تعتمد الأندية الكبرى عالميا على استثمارات ضخمة وحقوق بث ورعاية متطورة، تعتمد الأندية المصرية على دعم الدولة أو الشركات المالكة. هذا النقص في التمويل الاحترافي جعل الأندية المصرية تعاني من ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمار في تسويق العلامة التجارية للأندية، مما يدفع العديد من اللاعبين للانتقال إلى الدوريات الخليجية أو الأوروبية بحثا عن فرص أفضل. ورغم محاولات بعض الأندية المصرية لتبني بعض جوانب الاحتراف العالمي، إلا أن غياب الهيكل الإداري والتمويلي القوي يقف عائقا أمام تحقيق ذلك.

ختاما

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، يبقى السؤال: هل هذه المبالغ الضخمة تُعد إهدارا للمال؟ الدوري المصري بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة، يجب وضع قوانين رياضية صارمة وتطبيق معايير احترافية حقيقية لرفع مستوى الدوري وإعادته إلى مكانته المرموقة.
التعليقات (0)