قررت جماعة
الحوثي اليمنية تشكيل
حكومة جديدة بمسمى "حكومة التغيير والبناء" برئاسة أحمد الرهوي، وذلك بعد أقل من عام على إقامة الحكومة السابقة، ومنحها تصريف الأعمال في المناطق الخاضعة تحت السيطرة الحوثية.
وتعد هذه الحكومة هي الثانية التي يتم تشكيلها بدلا
عن حكومة ما تعرف" الإنقاذ" التي شكلت بالشراكة مع حليفهم السابق، علي
عبدالله صالح، زعيم حزب المؤتمر الشعبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
وكان مهدي المشاط أصدر قرارا بتشكيل ما أسماها
"حكومة التغيير والبناء"، وتسمية 22 وزيرا بينهم رئيس الحكومة الجديد
أحمد الرهوي، كما تم دمج العديد من الوزارات السابقة بموجب القرار.
وضمت التشكيلة تعيين "محمد أحمد مفتاح" في
منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، وهو رجل دين زيدي، سبق أن اتهم بالتخابر مع
إيران وحكم عليه بالإعدام من المحكمة الجزائية في صنعاء 2005.
كما عين محمد حسن المداني، نائبا ثالثا لرئيس
الحكومة، إضافة إلى منصب وزير الإدارة والتنمية المحلية والريفية. فيما تم الإبقاء
على اللواء جلال الرويشان، في منصب كنائب لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن.
كما بقي اللواء محمد ناصر العاطفي في منصبه وزيرا
للدفاع، وزعيم الحوثيين عبد الكريم الحوثي في منصبه وزيرا للداخلية في الحكومة
الجديدة التابعة للجماعة.
إظهار أخبار متعلقة
كما شملت التشكيلة تعيين حسن عبدالله الصعدي وزيرا
للتربية والتعليم والبحث العلمي، ليحل بديلا عن شقيق زعيم الجماعة، يحيى الحوثي
الذي كان يتولى وزارة التربية والتعليم، وعن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام
(الجناح الموالي للحوثي) حسين حازب، الذي تولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
كما عُين الإعلامي هاشم شرف الدين وزيرا للإعلام،
خلفا للقيادي الحوثي ضيف الله الشامي، الذي كان أيضا ناطقا رسميا باسم حكومة
صنعاء. بينما تم إسناد وزارة الخارجية والمغتربين، التي تولاها سابقا القيادي في
حزب المؤتمر الشعبي هشام شرف، إلى الصحفي جمال عامر، رئيس تحرير صحيفة الوسط
الأسبوعية والمتوقفة منذ 10 سنوات.
السخط الشعبي
وفي السياق، قال الكاتب والصحفي اليمني، علي الفقيه؛ إن فكرة تغيير الحكومة من الأساس هي محاولة من الحوثيين لامتصاص حالة السخط الشعبي، وتخدير الشارع الذي وصل حدّا لا يطاق من المعاناة؛ جراء تدهور الوضع المعيشي
وانعدام الخدمات واتساع مساحة النهب وسرقة المال العام، التي أثرت منها فئة محدودة
من النافذين والمشرفين والمنتفعين من شغل المناصب الحكومية، خاصة أن وعد زعيم
المليشيا بالتغييرات الجذرية مضى عليه أكثر من عام"، على حد قوله.
وأضاف الفقيه في حديثه لـ"
عربي21"، أن هذه
التغييرات لن ينبني عليها أي تغيير فعلي على أرض الواقع، حيث إن هذه الحكومات أصلا هي دون صلاحيات، مشيرا إلى أن الصلاحيات الحقيقية هي بيد المشرفين ومسؤولي اللجان، الذين يعدون هم الحكومة الحقيقية أو اليد الخفية للمليشيا.
وأكد الكاتب اليمني أن "تخدير المجتمع"
كهدف لهذه الحكومة، أعتقد أن فرص تحققه ضئيلة؛ لأن الشعب انقطعت أمامه سبل العيش، وفقد
مصادر الدخل، ووصل لحالة من السأم والضيق، لافتا إلى أنه "يصعب خداعه (أي
الشعب) بتغيير أشخاص لم يلمس لهم وجود في حياته اليومية بآخرين لن يراهم ولن
يلمس وجودهم".
وبحسب الصحفي الفقيه، فإن اليمنيين في مناطق سيطرة
الجماعة، يدركون أن معظمهم مجرد أراجوزات لتلقي السخط نيابة عن هوامير الجماعة، والتغطية على جريمتهم الكبرى المتمثلة بتدمير البلد، وتحويله إلى عزبة تابعة لنظام
الملالي في طهران".
أول حضور
من جانبه، قال الباحث المتخصص في تاريخ جماعة
الحوثيين، يحيى الثلايا؛ إن التشكيلة المزعومة التي أتت نتيجة لقرار عبدالملك
الحوثي، يمكن الإشارة إلى أبرز النقاط بشأنها، منها أنها "أول حضور مباشر وشخصي
لعبدالملك الحوثي في ممارسة السلطة بشكل مباشر".
وتابع الثلايا حديثه لـ"
عربي21"، بأن
الإعلان ابتداء عن هذا التوجه نحو التشكيل والتغيير الجذري، أطلقه عبدالملك شخصيا
ولم يحتج لإخراجها عبر مؤسسات سلطته أو بلافتة تحالفه الهش مع حزب المؤتمر، إذ
جاءت إقالة عبدالعزيز بن حبتور من رئاسة الحكومة السابقة في 25 أيلول/سبتمبر 2023م، وتحويلها إلى تصريف أعمال بعد ساعتين فقط من خطاب عبدالملك الحوثي، وتنفيذا للخطاب".
ومن ثم، وفقا للباحث اليمني، فإن الحوثي هو
"من اختار كل شخصياتها وقام بإعادة تعريف الوزارات والدمج والإلغاء، وهو ما
يجعله يتحمل كامل المسؤولية وحده".
وأشار الثلايا إلى أن تأخر التشكيل حوالي عام منذ
إقالة حكومة بن حبتور، دليل استفحال الأزمة التي يعاني منها الحوثي، فإعلانه إقالة
حكومته كان اعترافا صارخا بأزمة عميقة في بنية نظامه ومجتمعه.
إظهار أخبار متعلقة
وقال: "ولذلك، حاول الهروب منها بإقالة الحكومة
وإعلان الرغبة في تغيير جذري، وسط اعترافه غير المسبوق بسطوة
الفساد وحصاد الفشل
الذريع، وعزمه على اتخاذ المعالجات الحاسمة".
الباحث اليمني في تأريخ الحوثيين، أكد أنه بعد
إقالة الحكومة الهزيلة، تبين لعبدالملك الحوثي أن الفساد في عمق نظامه وفي فكرته
للدولة، إلا أن "أحداث غزة وفرت له مهربا استمر عاما، قبل أن يعود ليواجه الضغط
والصراع، فخرج بهذه الصيغة الميتة".
وأوضح أن هذه التشكيلة ستزيد من الاحتقان، ولن تقدم
أي معالجات لرواتب الناس (الموظفين العموميين)، وتوسع الفقر والفساد والجريمة
والتذمر وتصاعد الرفض، بل ستخلق تركيبتها الهجينة صدامات داخلية جديدة"، فيما
لم يستبعد أن "يلجأ زعيم الجماعة لاستحداث أجهزة موازية على شكل هيئات ولجان
عليا، تعطل ما تبقى من نشاط المؤسسات لصالح النافذين في منظومته".
وحول نصيب حزب المؤتمر الجناح المتحالف مع الحوثيين
في التشكيلة الجديدة، قال الثلايا؛ إن مؤتمر صنعاء أعلن ترحيبه بالقرار
والتشكيلة وباركها في بيان رسمي نشره الموقع الرسمي للحزب، في وقت دعاها إلى
الالتزام بالدستور ومنحها كامل الصلاحيات التي يعيقها المشرفون (قيادات حوثية
تشرف على أعمال المؤسسات في مناطق سيطرة الجماعة).
وقال أيضا؛ إن رئيس الحكومة ونائبه لشؤون الدفاع
والأمن ووزير الدفاع، ينتمون لحزب المؤتمر وشخصيات أخرى يفترض أنهم أعضاء بحزب
المؤتمر، لكن من اختارهم هو الحوثي.
وأرجع موقف الحزب الذي بارك التشكيلة الجديدة إلى
حرصه في سياق الترحيب والمباركة، أن يؤكد عدم علاقته باختيار الأسماء؛ كونهم منحوا
عبدالملك الحوثي تفويضا مطلقا في تشكيلها، وهو ما يعني أنهم يحملونه وحده مسؤولية
الاختيار والنتيجة والأداء.
فضلا عن ذلك، أن أعضاء المؤتمر ممثلون بصفة شخصية
وليست حزبية، وبهذا سيكون مؤتمر "صادق أبو راس" (زعيم جناح المؤتمر
المتحالف مع الحوثيين) داخلا في تقاسم الربح، وبعيدا عن تحمل الخسارة والمسؤولية،
معتبرا أن "موقفه ذكي وسياسي للغاية".
كما لفت الباحث اليمني إلى أن تشكيلة حكومة الحوثيين
(غير المعترف بها)، تشير إلى مستوى الأزمة التي تشهدها الجماعة في إدارة
سلطة الأمر الواقع التي تحت قبضته، وتعكس طبيعة رؤيته للدولة، موضحا أن الشخصيات
التي تضمنتها التشكيلة "تعبر عن مصالح النافذين وأجنحة الصراع داخل سلالة
زعيم الجماعة، بينما استعان بشخصيات ديكورية لما يتوهم أنه تمثيل لبعض المناطق
والمكونات، مشددا على أن هذه الحكومة التابعة للجماعة لن تكون أقدر من سابقتها على
تقديم أي شيء يخدم المواطن.
وكان زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي قد
أعلن قبل نحو عام، ما وصفه بـ"مرحلة التغيير الجذري"، من خلال تشكيل
حكومة كفاءات جديدة، وأعقب ذلك إقالة حكومة بن حبتور، وشدد الحوثي حينها على أن
الحكومة الجديدة التي تأخر تشكيلها، "ستجسد الشراكة الوطنية، بما يحقق الهدف
في خدمة الشعب، ويحقق التكامل الرسمي والشعبي في النهوض بالبلد ومعالجة المشاكل
الاقتصادية".