صحافة دولية

تقرير مثير لـ"الغارديان" عن مخيم "نور شمس".. شبان غيّروا الواقع

أبو شجاع قائد كتيبة طولكرم في مخيم نور شمس لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره- إكس
أبو شجاع قائد كتيبة طولكرم في مخيم نور شمس لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره- إكس
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا مثيرا من مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم شمالي الضفة الغربية، حيث يغرق المخيم بالظلام ليلا ما عدا ضوء القمر الذي لا ينفذ إلى متاهة الأزقة الضيقة، التي قام السكان بتغطيتها بقطع القماش المشمع الأسود، لحجب رؤية المسيّرات الهجومية الإسرائيلية.

في ممر مكشوف لا يزيد عرضه عن متر واحد بين منازل المخيم المبنية بشكل رديء، استقبل محمد جابر، المعروف باسم "أبو شجاع"، البالغ من العمر 25 عاما، قائد كتيبة طولركم في مخيم نور شمس عشرات الشباب الذين خرجوا من الظلام.

ومثله، كانوا يرتدون ملابس سوداء ويحملون مسدسات وبنادق. وقال أبو شجاع؛ إن المسلحين تجنبوا نقاط التفتيش الإسرائيلية والمسيرات وتكنولوجيا تتبع الموقع في رحلتهم التي امتدت 60 كيلومترا من جنين؛ لأن هناك عملا يجب مناقشته.

هذا هو الواقع الجديد في نور شمس، على بعد أربعة كيلومترات فقط من الخط الأخضر والجدار الفاصل الذي يفصل الضفة الغربية المحتلة عن إسرائيل. لقد دمرت الغارات الجوية ومعارك الشوارع الشرسة مع القوات الإسرائيلية المخيم، مما أكسبه لقب "غزة الصغيرة".

هناك مبان مدمرة في كل مكان، بما في ذلك مركز الشباب، في حين تم تحطيم الطرق بواسطة الدبابات. وغالبا ما يتم قطع المياه والكهرباء. أكوام من الإطارات ملقاة في الساحة المركزية، جاهزة لإشعال النار فيها لعرقلة الغارة الإسرائيلية التالية. عند كل مدخل، ينقل رجال بأجهزة اتصال لاسلكية حركة الذهاب والإياب للمخيم، في حالة تأهب لعملاء إسرائيليين سريين أو أي شيء غير عادي. لا يتم إخفاء عبوات الغاز التي تُستخدم في صنع العبوات الناسفة البدائية.

قال سعيد الجابر، أحد القادة، خلال زيارة لصحيفة الغارديان للمخيم الشهر الماضي: "انظروا إلى حياتنا هنا.. البحر الأبيض المتوسط يبعد عنا 10 كيلومترات، ويمكنك رؤيته من التل، لكنني لم أصل إليه قط. يطلق الإسرائيليون علينا لقب الإرهابيين؛ لأننا لا نريد أن نعيش في سجن". وبعد بضعة أسابيع، قُتل في هجوم بمسيّرة.

على مدى الأشهر التسعة الماضية، هيمن الموت والدمار الناجم عن العدوان الإسرائيلي في غزة، لكن الأراضي الفلسطينية الأخرى - الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة-، تواجه أيضا إراقة دماء متصاعدة.

إن الغارات التي تشنها القوات الإسرائيلية على المسلحين في مخيمات اللاجئين مثل نور شمس ليست جديدة. هناك 19 مخيما في جميع أنحاء الضفة الغربية، أقيمت للفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم بعد احتلال إسرائيل لفلسطين، وقد عملت العديد منها منذ فترة طويلة كمراكز للمقاومة ضد الاحتلال الذي دام 57 عاما. اليوم، تشبه هذه المخيمات الأحياء الفقيرة، ولا تزال تعاني من معدلات عالية من الفقر والبطالة.

في آذار/ مارس 2022، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية كاسر الأمواج، وهي غارات شبه ليلية، تركز في الغالب على مخيمات الضفة الغربية؛ ردا على أعنف موجة من العمليات الفلسطينية على الإسرائيليين منذ 20 عاما.

ومنذ ذلك الحين، تدهور الوضع في الضفة الغربية بسرعة؛ يقول الشباب في المخيمات؛ إنهم ليس لديهم خيار سوى حمل السلاح للدفاع عن مجتمعاتهم ضد التوغلات الإسرائيلية. السلطة الفلسطينية، التي تسيطر اسميا على البلدات والمدن في الضفة الغربية وتنسق في الأمور الأمنية مع إسرائيل، ليس لها أي نفوذ في المخيمات.

حتى قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان عاما 2022 و2023 أكثر الأعوام دموية على الإطلاق منذ الانتفاضة الثانية، أو الانتفاضة الفلسطينية،في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. استأنفت إسرائيل استخدام طائرات الهليكوبتر الحربية والهجمات المستهدفة بمسيّرات في المنطقة، الصيف الماضي، ومنذ اندلاع الحرب في غزة، بدأت في استخدام القوة الجوية المكثفة.

إن حصيلة الشهداء في تزايد مطرد، فوفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد قُتل في الفترة من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 24 حزيران/ يونيو 2024، 536 فلسطينيا، بينهم 130 طفلا، في الضفة الغربية، معظمهم في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية والمستوطنين.

وتشير العديد من الحوادث التي يوجد أدلة فيديو لها إلى أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على رجال وفتيان عُزّل؛ كما وقع مدنيون آخرون في غارات وهجمات مستهدفة على مسلحين.

إظهار أخبار متعلقة


في نور شمس هذا الأسبوع، داست مركبة مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي عبوة ناسفة وانفجرت، مما أسفر عن مقتل جندي؛ وأسفرت غارة إسرائيلية بمسيرة على المخيم في الليلة التالية عن استشهاد أربعة أشخاص على الأقل، حددهم جيش الاحتلال الإسرائيلي على أنهم أعضاء في حركة الجهاد الإسلامي، على الرغم من أن تقارير إعلامية محلية ذكرت أن أحد الشهداء كانت امرأة.

لقد أصيبت سارة محاميد، 20 عاما، بصدمة نفسية عندما شاهدت شقيقها طه البالغ من العمر 15 عاما يموت بعد أن أطلق عليه قناص إسرائيلي النار أمام منزلهما في تشرين الثاني/ نوفمبر.

كما تم إطلاق النار على أي شخص حاول مساعدته. توفي والدها، استشهد متأثرا بجراحه في المستشفى بعد ثلاثة أشهر.

وقالت: "لم تعد هناك قواعد. إنهم يريدون الانتقام فقط".

ويقول الجيش الإسرائيلي؛ إنه يعمل في المخيمات وأماكن أخرى في الضفة الغربية لمكافحة الإرهاب.

ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كانت هناك زيادة كبيرة في محاولات الهجمات، ويقدر الجيش العدد بأكثر من 2000.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي؛ "إن مهمة جيش الدفاع الإسرائيلي، الحفاظ على أمن جميع سكان المنطقة، والعمل على منع الإرهاب والأنشطة التي تعرض مواطني دولة إسرائيل للخطر".

وقال العديد من سكان نور شمس؛ إن العنف المتصاعد يغذي كل من المقاومة الفلسطينية المسلحة والدعم الشعبي لجماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي.

إن الجيل الجديد من المقاتلين في الضفة الغربية ينتمون في الغالب إلى الفصائل الفلسطينية التقليدية، مثل حماس والجهاد الإسلامي وفتح العلمانية. وقال أبو شجاع، قائد الجهاد الإسلامي؛ إنه كان عضوا في حركة فتح، لكنه غير ولاءه إلى الجهاد الإسلامي بعد تكثيف الغارات على المخيم في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وقال أبو شجاع: "نحن نقاتل من أجل فلسطين ضد الاحتلال، وسنقاتل تحت راية أي شخص يساعدنا في الدفاع عن أنفسنا".

وتتكرر مواقف مماثلة في جميع أنحاء الضفة الغربية: فإلى جانب نور شمس، تحمل طولكرم وجنين ونابلس وقلقيلية المجاورة العديد من الندوب الجديدة، التي سيستغرق شفاؤها جيلا كاملا. ويُبجل أطفال نور شمس أبو شجاع ورجاله، ويطلبون منهم حمل بنادقهم والتقاط الصور معهم. لا يسكن هنا سوى نحو سبعة آلاف شخص، والعديد من المقاتلين القتلى، الذين خلدت ذكراهم الآن في ملصقات الشهداء، هم إخوتهم وآباؤهم وأبناء عمومتهم.

وفي مقبرة نور شمس، كان على القائم على المقبرة أن يبدأ في إعداد قطعة أرض جديدة في تشرين الأول/ أكتوبر.

وقد استشهد ودُفن هنا نحو سبعين شخصا منذ ذلك الحين. وبكت أم سليمان، 67 عاما، على قبر ابنها وأظهرت لصحيفة الغارديان صورا وفيديو له: وقالت؛ إن الأب لطفلين البالغ من العمر 30 عاما لم يكن له أي علاقة بالقتال، وقُتل في هجوم بمسيّرة كانت تستهدف شخصا آخر، وهي خائفة للغاية على مستقبل أسرتها.

"ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ أريد لأطفالي وأحفادي أن يحظوا بالأمل وأن يعيشوا حياة أفضل. وبدلا من ذلك، أقوم بدفنهم!".

التعليقات (0)