سياسة عربية

إخضاع الدبلوماسيين المصريين لبرامج في الجيش.. هل يسعى النظام لعسكرة البلاد؟

جانب من تخريج الدبلوماسيين من الكلية الحربية- الجيش المصري
جانب من تخريج الدبلوماسيين من الكلية الحربية- الجيش المصري
حالة من الغضب انتابت سياسيين ودبلوماسيين مصريين بعد الإعلان عن تخرج دفعة ‏من الدبلوماسيين في الأكاديمية العسكرية المصرية، وظهور مقاطع مصورة لتسليمهم شهادات تخرج من مؤسسة الجيش، وسط اتهامات البعض لها ‏بالسعي لعسكرة البلاد وتغيير عقيدة المصريين وإخضاع مؤسسات الدولة لسيطرتها.‏

ونظمت الأكاديمية العسكرية المصرية مراسم تخريج الدورة رقم (56) للملحقين ‏الدبلوماسيين بوزارة الخارجية والهجرة، الأحد الماضي، وذلك بعد إتمام دورتهم ‏التدريبية بالكلية الحربية بالتعاون مع الجهات المعنية بالقوات المسلحة.‏

اظهار أخبار متعلقة


مساعد وزير الخارجية السفير علاء حجازي، أعرب عن تقديره لدور الأكاديمية ‏العسكرية المصرية فى تأهيل العاملين بالوزارة، لاستكمال مسيرة الدفاع عن مصالح ‏مصر بالخارج.‏

وأكد مدير الأكاديمية العسكرية المصرية الفريق أشرف سالم زاهر، على أهمية تلك ‏الدورات التدريبية لبناء كوادر من العاملين بمؤسسات الدولة مسلحين بالخبرات ‏العلمية والعملية وفقا لأحدث نظم التدريب والتأهيل الحديثة.‏

‏"ظهور صادم"‏
وكان إعلان الأكاديمية العسكرية عن تخرج دفعة من المعلمين، والدعاة، والقضاة، ‏والموظفين الحكوميين الجدد في وزارة النقل وغيرها، منذ العام الماضي بدعم وتوجيه ‏وحضور رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وتصدره المشهد في بعض المرات، قد أثار ‏حالة من الجدل، حول سبب خضوع الموظفين المدنيين لمثل تلك البرامج العسكرية.‏

لكنه يظل صادما لدى البعض إلزام الدبلوماسية المصرية بالخضوع لبرامج ودورات ‏عسكرية رغم ما لوزارة الخارجية من مؤسسات تعليمية وخبرات كبيرة عبر كبار ‏دبلوماسييها وسفرائها، وبينها "المعهد الدبلوماسي" بالقاهرة الذي يستقبل دبلوماسيين ‏للتدريب من كافة الدول العربية والإفريقية، إلى جانب المصريين.‏

كذلك يتخوف البعض من سيطرة وزارة الدفاع على وزارات والخارجية والعدل رغم ‏أنهما إلى جانب وزارة الداخلية من الوزارات السيادية الأربعة في البلاد، تماما كوزارة ‏الدفاع، ولهما خصوصية وسياسات وتوجهات وتعاملات مع الخارج والداخل.‏

ما جعل بعض المراقبين يرون في تدخل وزارة الدفاع كوزارة سيادية في تدريب الموظفين ‏الجدد بوزارتي الخارجية والعدل السياديتين أيضا، ليس له منطق مبرر غير عسكرة ‏عقول العاملين فيهما والسيطرة على مؤسسة القضاء والتحكم في العلاقات الخارجية ‏بل والتغول على الصلاحيات والمهام.‏

ولفت مراقبون إلى أن تدريب الدبلوماسيين المصريين بطرق عسكرية غير مناسب، ‏ويتزامن مع ما تمر به مصر، والمنطقة العربية، وإقليم الشرق الأوسط، من أزمات، ‏حيث تشتعل حدود مصر الشرقية بعدوان الاحتلال على قطاع غزة، وتواجه الحدود ‏الجنوبية أزمة الحرب الداخلية بالسودان.‏

ولاقى ظهور شباب الدبلوماسية المصرية وصناع علاقات مصر الخارجية بالمستقبل ‏داخل الأكاديمية العسكرية انتقادات حادة، من المعارضة المصرية، وعبر فضائياتها.‏


‏"عسكرة التعليم والأوقاف والنقل"‏
ومنذ العام الماضي، ويثار الجدل حول تدريب المعينين الجدد بمختلف قطاعات الدولة ‏في الأكاديمية العسكرية، مدة 6 أشهر، يتم فيها إعداد الطالب بأساسيات الحياة ‏العسكرية والانضباط العسكري ورفع الكفاءة البدنية، والتركيز على المهارات الأساسية ‏لوظيفته المقبلة ورفع قدرته على التحمل، بحسب بيانات المتحدث العسكري المصري.‏

وأثيرت العديد من الأزمات بعد رفض الأكاديمية العسكرية عدد من المتقدمين لوظائف ‏المعلمين والأئمة والعاملين بقطاع النقل وحتى الجهات القضائية والنيابية بدعوى ‏الوزن الزائد وعدم اللياقة البدنية والصحية.‏

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قامت الأكاديمية العسكرية المصرية بتخريج الدورة ‏الأولى للمعلمين المرشحين لشغل وظيفة مديري مدارس بمسابقة الـ"30 ألف معلم"، ‏بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية، ما أثار جدلا حول علاقة المعلم ومديري ‏المدارس بالتدريبات والبرامج والعلوم العسكرية.‏

حينها جرى استبعاد مئات المعلمين والمعلمات بسبب عدم اللياقة البدنية وزيادة الوزن، ‏ما دفع مئات المستبعدين للتظاهر أمام مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، ‏والذين طاردتهم قوات الأمن في موقف مهين للمعلم المصري.‏


وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن المتحدث باسم الجيش المصري تخرج أول ‏دفعة من الأئمة المرشحين للعمل بوزارة الأوقاف، بعد إتمامهم دورة تدريبية بكلية ‏الضباط الاحتياط، بمدينة الإسماعيلية شرق القاهرة، ما لاقى انتقادات واسعة حينها، ‏ومخاوف من تغيير في توجهات وأفكار وعقيدة أئمة المساجد في مصر. ‏


وفي شباط/ فبراير الماضي، جرى تخريج دفعة من المتقدمين الجدد للالتحاق بوظائف ‏وأعمال الهيئات التابعة لوزارة النقل، من الأكاديمية العسكرية المصرية، وهو الأمر ‏الذي تم بحضور السيسي، الذي شارك بنفسه في حفل التخرج.‏

وفي نيسان/ أبريل الماضي، وحرصا منه على استمرار ذلك المسلك وتعزيز ذلك التوجه ‏حضر السيسي، اختبارات المعلمين المتقدمين للالتحاق بوظائف وزارة التعليم.‏



"إلزام السيسي.. ورفض القضاة"‏
وكان لافتا أيضا، إعلان المتحدث العسكري المصري بـ"فيسبوك"، تخريج الأكاديمية ‏العسكرية المصرية دفعة من المعينين بالجهات القضائية -الدفعة الأولى (ب)- بعد ‏إتمام دورتهم التدريبية في الكلية الحربية، 13 حزيران/ يونيو الماضي، حيث شملت ‏المتقدمين لوظائف معاون نيابة عامة، دفعة 2021، ومندوب مساعد بمجلس الدولة، ‏دفعة 2020.‏

وهو ما مثل صدمة كبيرة بين بعض القضاة، وسط تساؤلات حول علاقة القضاء ‏بالمؤسسة العسكرية، ومخاوف من سلب استقلالية القضاء المصري وإخضاعه ‏للمؤسسة العسكرية، خاصة مع رفض رئيس نادي القضاة ذلك التوجه.‏

وفي نيسان/ أبريل 2023، صدر توجيه رئاسي يلزم الراغبين في التعيين بالحكومة ‏بالحصول على دورة تأهيل بالكلية الحربية لمدة 6 أشهر كشرط أساسي للتعيين، وهو ما ‏رد عليه نادي القضاة عبر خطاب لمجلس القضاء الأعلى، في أيار/ مايو 2023، مؤكدا ‏أنه "أمر غير متصور بالنسبة للمرشحين للعمل في القضاء".‏

وأكد أنه "يجب ألا يشارك مجلس القضاء الأعلى أو ينازعه أحد في هذا الاختصاص"، ‏منعا لـ"الماس باستقلال القضاء"، فيما دشن معارضون وبينهم "الاشتراكيين الثوريين"، ‏حملة ضد "عسكرة القضاء والوظائف المدنية".‏

ويتعدى هذا الإجراء بكثير ما كانت قد فرضته حكومة السيسي، على المعينين ‏بالوظائف الحكومية منذ تموز/ يوليو 2017، من اجتياز التحريات الأمنية التي يجريها ‏الأمن الوطني، لقياس درجة الولاء، والميول السياسية والدينية والجنسية للمتقدمين.‏

وكانت حركة الاشتراكيين الثوريين قد أكدت "على ضرورة مواجهة عسكرة الوظائف ‏المدنية، التي طالت من قبل المعلمين وأئمة الأوقاف والدبلوماسيين، بإطلاق حملة ‏منسقة تشترك فيها القوى السياسية والحقوقية والنقابية تحت شعار لا للعسكرة".‏

‏"عسكرة وتغيير جينات"‏
وفي قراءته لدلالات إخضاع الدبلوماسيين الجدد لبرامج تعليم وتدريب بالمؤسسة ‏العسكرية، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير الدكتور عبدالله ‏الأشعل: "إذا كان الهدف هو عسكرة مصر فإن مصر لن تتعسكر أبدا، وإذا كان ‏الهدف هو تدمير مصر وتدمير السلك الدبلوماسي، فالداخلين الجدد إلى وزارة ‏الخارجية منتبهون جيدا لهذا الأمر".‏

وبشأن خطورة ذلك على تعامل الدبلوماسيين المصريين في الخارج  وفقا للقواعد ‏الدبلوماسية، أضاف الأشعل لـ"عربي21": "نحن في وزارة الخارجية من كان يدرب ‏العسكريين، وأبدا لم يكن يدرب العسكريون الدبلوماسيين، بل نحن من كان يحضر ‏العسكريين لمهامهم".‏

اظهار أخبار متعلقة


ولفت إلى أن "أكاديمة ناصر العسكرية أنشأت قسما للماجستير والدكتوراه والعلوم ‏العسكرية، لأجل أن يقال إن العسكري دارس للعلوم السياسية، لكن الأمر لا يستوي ‏بهذه الطريقة نظرا لكبر سن أغلب العسكريين الدارسين".‏

ومضى يقول: "لاحظت من خلال عملي في وزارة الخارجية أن القادمين للوزارة من ‏خلفيات شرطية وعسكرية حتى ولو كان عمره 25 سنة، من الصعب أن يكون ‏دبلوماسيا كما يجب أن يكون، لأن الدبلوماسي ينشأ داخل الوزارة ويدرس موادّ وعلوما ‏مدنية متخصصة من سن الـ21 سنة".‏

واستدرك :"لكن الآخر؛ تم تكوينه في سنوات التكوين كضابط شرطة أو ضابط جيش، ‏حتى الذي يعمل في سلك القضاء يصعب أن يكون دبلوماسيا ،حيث واجهت هذا ‏الموضوع، أثناء عملي كمدير للمعهد الدبلوماسي التابع للخارجية المصرية".‏

وعن هدف إخضاع الدبلوماسيين المصريين الجدد لبرامج تعليم وتدريب بالمؤسسة ‏العسكرية المصرية، وهل هو تغيير العقيدة الدبلوماسية كما تغيرت العقيدة العسكرية ‏للجيش المصري في عهد السيسي؟، أشار إلى أن "العسكرة قائمة في الدولة، ومنها ‏عسكرة المحافظين والوزراء".‏

وبين أن "هذا ليس معقولا"، موضحا أن "الهدف من العسكرة هو تغيير عقيدة ‏المصريين، أساسا".‏

ولفت إلى أن "السفير الإسرائيلي، قال في حديث مطول مع صحيفة (المصري اليوم)، ‏المحلية، إن علاقتنا ممتازة بالسلطة السياسية، ولكن مهمتي هي تطويع الشعب ‏المصري نحو قبول إسرائيل".‏

وقال في نهاية حديثه، إن "النظام الحالي يحاول تغيير جينات المصريين، وهذا لا يصح"، ‏محملا "المسؤولين المصريين تبعات تلك الحالة".‏

‏"على النمط العسكري"‏
من جانبه قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، إن "طريقة نمط تفكير ‏العسكريين المختلفة عن المجتمع المدني بأكمله نظرا لطبيعة المنظومة العسكرية، ‏تجعل من الصعب جدا التعامل بينهم".‏
‏ ‏
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، أضاف لـ"عربي21": "ويصبح ‏من الضروري إخضاع أحدهما للآخر"، مشيرا إلى أن "الطبيعي أن تكون المؤسسة ‏العسكرية تحت تصرف القيادة السياسية".‏
‏ ‏
ولفت إلى أنه "عندما يحدث العكس؛ وتصبح المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة ولها ‏السيطرة على كافة مؤسسات المجتمع المدني، تحاول تنميط المؤسسات المدنية علي ‏النمط العسكري في التفكير والإدارة".‏
‏ ‏
ضابط الجيش المصري السابق، أكد أنه "كلما زادت سيطرة المؤسسة العسكرية تزداد ‏رغبتها في التنميط"... "ورأينا قبل الدبلوماسيين الكثير من القطاعات يحدث ‏معها ذلك".‏

وأوضح أنه "كانت الوسيلة سابقا هي تجنيد الأفراد كجنود أو ضباط احتياط؛ ولكن ‏لم تعد كافية من رغبتهم في التنميط التام، فدخلوا مرحلة جديدة الآن من العسكرة".‏
‏ ‏
ويعتقد عادل، أن "القضية ليست الدبلوماسيين، القضية في عدم قدرة العسكر على ‏تحمل أي اختلاف في أنماط التفكير".‏
‏ ‏
ومضى في نهاية حديثه للقول: "الخطورة أن الدبلوماسية هي أحد أهم الأدوات ‏السياسية بالمجتمع، والتعامل معها بهذه الطريقة يدمر واحدة من أهم مؤسسات ‏المجتمع".‏
التعليقات (0)