قضايا وآراء

العراق: تناقضات إحصائيات الإعدام.. وإعدام قانون العفو العامّ!

جاسم الشمري
"حكم الإعدام ليس حكما بسيطا يمكن تدارك نتائجه"- الأناضول
"حكم الإعدام ليس حكما بسيطا يمكن تدارك نتائجه"- الأناضول
الإعدام هو النهاية اللائقة بكلّ مجرم وسفّاح وقاتل ومخرّب لا يحبّ الخير للوطن والناس، وهذا ممّا لا خلاف عليه بين الحكماء والعقلاء. فعقوبة الإعدام تُطبّق على جرائم القتل والمخدّرات والجرائم الكبرى الضاربة للأمن والمجتمع!

ويشترط في عقوبة الإعدام المتعلّقة بالقتل أن تكون عن عَمْد مع سبق الإصرار والترصّد وليس عن طريق الخطأ!

وعقوبة الإعدام أُقرّت في الشرائع السماويّة وغالبيّة القوانين الأرضيّة؛ إلا تلك التي تحاول تجميل الجريمة ومجاملة السفّاحين والمجرمين! وهنالك دول طبّقت عقوبة الإعدام بشَكْل تعسّفي، بحيث صارت بوّابة لتصفية الحسابات السياسيّة والشخصيّة.

وقد عانى العراق من مآسي عقوبة الإعدام، وكلامنا دفاع عن الأبرياء الذين انتزعت منهم الاعترافات في ظلمات الليل ودهاليز الخوف، ومراحل غياب العدالة وضياع الضمير، وليس دفاعا عن القتلة والإرهابيّين!

وعند محاولة متابعة إحصائيات الإعدام الرسميّة العراقيّة تجد نفسك في دوّامة من الإحصائيات المتناقضة! وسبق لوزير العدل خالد شواني أن أكّد في نيسان/ أبريل 2024 وجود ثمانية آلاف محكوم بالإعدام، من مجموع 20 ألفا من المدانين بقضايا تتعلّق "بالإرهاب" داخل سجون وزارته!

بعيدا عن مصداقيّة المعلومات الرسميّة، نلفت الانتباه إلى أنّ التناقض في الإحصائيات الرسمية يُثير القلق، ويفتح الباب على مصراعيه لضرورة التدقيق في أعداد المحكومين بالإعدام، ومصير الأحياء منهم!

وقبلها أعلنت وزارته في أيلول/ سبتمبر 2021 أنّ عدد الإرهابيين المحكومين لديها "أكثر من 50 ألف سجين تقريبا، ونصفهم محكومون بالإعدام"! وهذا يعني أن هنالك 25 ألف محكوم بالإعدام، ويعني كذلك أنّ الفرق بين تصريح وزير العدل ووزارته أكثر من 17 ألف شخص خلال عامين، ربّما نُفّذت فيهم أحكام الإعدام!

وحينما نحاول الدخول للبوّابات الرسميّة لأعداد الذين نُفّذت بحقّهم أحكام الإعدام نجد أنّهم بالعشرات سنويّا، وهذا يعني أنّ الكثير من الإعدامات نُفّذت دون الإعلان عنها!

ومع الساعات الأولى لعيد الأضحى المبارك قبل أسبوعين نشرت حسابات شخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ قوائم بأسماء "وجبة من الذين نفّذت بهم عقوبة الإعدام"، وقد أحدثت ضجّة كبيرة في الشارع العراقيّ! وأعلنت وزارة العدل، يوم 20 حزيران/ يونيو 2024، أنّه لا صحّة للأخبار حول تنفيذ أحكام الإعدام بحقّ مدانين!

وبعيدا عن مصداقيّة المعلومات الرسميّة، نلفت الانتباه إلى أنّ التناقض في الإحصائيات الرسمية يُثير القلق، ويفتح الباب على مصراعيه لضرورة التدقيق في أعداد المحكومين بالإعدام، ومصير الأحياء منهم!

وطالبت منظّمة العفو الدوليّة يوم 25 نيسان/ أبريل 2024 السلطات العراقيّة بأنّ توقف "جميع عمليّات الإعدام فورا، وربّما هنالك العديد من الأشخاص أُعدموا سرّا"!

وقالت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق جينين بلاسخارت، يوم 16 أيار/ مايو 2024، إنّ "زيادة عمليّات الإعدام الجماعيّة غير المعلنة تُثير قلقا كبيرا"!

وآخر حملات الإعدام المعلنة رسميّا نفّذت في 31 أيار/ مايو 2024 بحقّ ثمانية "مدانين بالإرهاب"!

وأكّدت أكثر من (16) منظّمة حقوقيّة عراقيّة وأجنبيّة، يوم 22 حزيران/ يونيو 2024، أنّها "ستتوجّه بشكاوى إلى الأجهزة الدوليّة المعنية، والمقرّر الخاصّ المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، وسلوك كلّ الإجراءات القانونيّة والحقوقيّة لوقف عمليّات الإعدام التعسّفيّة والانتقائيّة"!

وقال خبراء الأمم المتّحدة الدوليّون المتخصّصون في مجال حقوق الإنسان في جنيف، يوم 27 حزيران/ يونيو 2024، إنّ "عمليّات الإعدام التي تُنفّذها الحكومة العراقيّة ضدّ السجناء المحكومين بالإعدام بناء على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسّفي من الحياة بموجب القانون الدوليّ وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضدّ الإنسانيّة"!

وتطبيقا للعدالة يفترض إيقاف تنفيذ عقوبات الإعدام لحين إقرار قانون العفو العامّ، وفسح المجال لإعادة محاكمة كلّ مَن يدّعي أنّ الاعترافات نُزِعت منه بالإكراه! وعليه، فإنّ تنفيذ عقوبات الإعدام بوتيرة متسارعة ستكون تداعياتها خطيرة لحاضر العراق ومستقبله!

ومعلوم أنّ حكم الإعدام ليس حكما بسيطا يمكن تدارك نتائجه، وهو حكم مفصليّ بين الحياة والموت، ولهذا يفترض التدقيق والتروّي في جملة من القضايا المفصليّة قبل لحظة التنفيذ ومنها: هل الاتّهامات حقيقيّة أم كيديّة؟ وهل كانت التحقيقات والمحاكمات سريعة وعاجلة؟ وهل حصل المتّهمون على تمثيل قانونيّ حقيقي؟ وهل تعرّض المتّهمون للتعذيب، وغيرها من صور الأساليب والضغوطات غير القانونية؟

المماطلة في إقرار قانون العفو العامّ والمسارعة في تنفيذ أحكام الإعدام تؤكّدان حالة التناقض الرسميّ في إدارة ملفّات المصالحة الوطنيّة، وتجفيف منابع الكراهية المجتمعيّة، وإعادة بناء المجتمع!

وبعد أن يُتأكد بأن المتّهم قد حصل على حقوقه القانونيّة، وثبوت ارتكابه للجريمة المتّهم بها، حينها يمكن تنفيذ الحكم بعدالة تامّة.

ثمّ هل يصح تنفيذ الإعدام في الذين لم يباشروا القتل، وربّما كانوا من المغرّر بهم في تنظيمات سقيمة؟

ولتطبيق العدالة يفترض، أيضا، محاكمة كافّة المخبرين السرّيّين، وملاحقة أيّ موظّف رسميّ انتزع الاعترافات بالإكراه والتعذيب.

وينبغي التذكير بدور القوى السياسيّة السّنّيّة في ضرورة العمل على إقرار قانون العفو قبل إعدامه واقعيّا وعمليّا، وحينها لا يُنْتَفَع بالقانون!

المماطلة في إقرار قانون العفو العامّ والمسارعة في تنفيذ أحكام الإعدام تؤكّدان حالة التناقض الرسميّ في إدارة ملفّات المصالحة الوطنيّة، وتجفيف منابع الكراهية المجتمعيّة، وإعادة بناء المجتمع!

العدالة هي الركن الركين لبناء المجتمع العراقيّ! طَبّقوا القانون على القتلة والإرهابيين، وأطلقوا سراح الأبرياء وعوّضوهم عن سنوات الضياع والموت البطيء!

x.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)