مساء الثلاثاء الماضي، وفي احتفالية كبرى أعلن النادي
الأهلي المصري، وبعد موافقة القوات المسلحة، عن إنشاء استاد رياضي يسع 44 ألف متفرج، وذلك ضمن مدينة رياضية تُبنى وفق طراز عالمي على مساحة 43 فدانا في 4 سنوات وبتكلفة 12 مليار جنيه، وتضم متحفا، ومدرسة، وجامعة، وفندقا، ومستشفى، بحي الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة).
حتى هنا الخبر مبهج وسعيد لكل عشاق النادي المصري العريق؛ ولكن، بالحديث عن التمويل المقدر بـ12 مليار جنيه، يظهر هنا تحالف يضم 15 شركة إماراتية وأمريكية ومصرية، وتبرز أسماء 6 وزراء مصريين سابقين، وشخصية إعلامية إماراتية؛ فيما يلفت النظر وجود شخصيات عليها الكثير من علامات الاستفهام وترتبط بملفات فساد، وتربح، وأعمال خارج إطار القانون.
بين تلك الأسماء، الوزيرة السابقة للاستثمار داليا خورشيد، زوجة رئيس البنك المركزي المصري السابق، وصاحبة الارتباطات بدولة
الإمارات والتي برز اسمها بقضايا فساد مالي وإداري.
ففي أيار/ مايو 2019، تفجرت فضيحة خورشيد عندما منعت مؤسسة "الأهرام" المصرية طباعة صحيفة "الأهالي"؛ بسبب تحقيق صحفي عن شركة "إيجل كابيتال" للاستثمارات المالية المملوكة لجهاز المخابرات، التي تسيطر على سوق الإعلام والدراما بمصر، وتديرها خورشيد.
التحقيق الممنوع من النشر، كشف عن عمليات فساد تقوم بها الوزيرة السابقة ومتورط بها زوجها المسؤول المصرفي الأكبر بالبلاد، حيث استغلت نفوذه للضغط على البنوك لمنع الحجز على إحدى شركات الكيماويات المتعثرة، والتابعة لنجل أسامة الباز السياسي الأشهر بعهد حسني مبارك.
أيضا، برز من ضمن التحالف اسم شركة سيناء التابعة لرجل الأعمال المقرب من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، إبراهيم
العرجاني، الذي يتعاظم دوره بالبلاد منذ رئاسته لاتحاد القبائل والعائلات العربية، مطلع أيار/ مايو الماضي، ما دفع البعض لوصفه بأنه "دولة داخل الدولة".
كما أنه وخلال سنوات انتقل من وصف مجرم خارج عن القانون ويتاجر في الممنوعات وشارك بقتل جنود مصريين في سيناء بعهد حسني مبارك، إلى شخصية وطنية قام الجيش المصري بتسليحه عام 2017، لقيادة مليشيات قبائل سيناء للمشاركة في القضاء على الإرهاب، ليتحول إلى رجل أعمال صاحب إمبراطورية اقتصادية بجميع المجالات.
وتعمل "العرجاني جروب" بمجالات البناء، والخدمات الأمنية، والتطوير العقاري، والسياحة، والصرافة، والزراعة، والاستيراد والتصدير، والإعلان والتسويق، فيما حصل على حق رعاية النادي الأهلي والمشاركة في بناء منشآته الرياضية العام الماضي.
"ملامح التحالف"
وبالنظر إلى التحالف الوليد لبناء مدينة النادي الأهلي، فإنه يحمل اسم شركة "القلعة الحمراء لإدارة المنشآت"، ووقع اتفاقية إطارية مدتها 25 عاما مع شركة الأهلي للمنشآت الرياضية، على أن يقوم بأعمال الإنشاءات بالمدينة، فيما يحتفظ النادي بالملكية الكاملة للأرض.
ويرأس مجلس إدارة شركة "
القلعة الحمراء"، محمد كامل، وبعضوية وزراء التعليم والتخطيط، والاتصالات، والثقافة، والنقل السابقين، طارق شوقي، وأشرف العربي، وياسر القاضي، وإيناس عبدالدايم، ووائل الجيوشي، بجانب رئيس قنوات أبوظبي الرياضية الإماراتي يعقوب السعدي.
ويضم التحالف العالمي لبناء مدينة الأهلي الرياضية، 15 شركة دولية وعربية ومصرية منها: "بلتون" لترويج وتغطية الاكتتاب، و"بالم سبورت" الإماراتية، و"هيلتون الدولية"، والخبير العالمي "ستيفن ويبرينك"، و"الإسكندرية للخدمات الطبية"، و"محرم باخوم للاستشارات الهندسية"، و"أبناء سيناء للتشييد والبناء"، و"المصرية للإنشاءات"، و"ديستانس ستوديو للاستشارات"، ومجموعة "الاستشارات الهندسية"، ومجموعة "تروجان للمقاولات العامة" الإماراتية، و"بوجيرتمان"، و"كابيتال بلو" للتسويق.
"أعمال التحالف"
وفي قراءة لأعمال بعض شركات التحالف، فإن "بالم سبورتس" الإماراتية، تتبع الشركة العالمية القابضة (IHC: ADX)، وتعمل بقطاع الفنادق والمرافق الترفيهية والرياضية ورياضة الجوجيتسو، وتأسست عام 2010 بأبوظبي، ويرأسها الإماراتي عبد المنعم الهاشمي، أحد المقربين من العائلة الإماراتية الحاكمة.
وعبر صفحتها الرسمية نشرت الشركة الخميس، خبرا يعلن اختيارها كمشغل رسمي لمجمع "القلعة الحمراء" أو "مشروع القرن" الرياضي الضخم، فيما بدا من تفاصيل الخبر أنها تضع عينيها على قطاع الرياضة المصري والإفريقي إذ وصفت الخطوة بالاستراتيجية التي تفتح أمامها فرصا تضعها في طليعة صناعة إدارة الرياضة.
اظهار أخبار متعلقة
كما يبرز من بين شركات التحالف اسم "هيلتون العالمية"، شركة الضيافة الأمريكية التي تأسست عام 1919، وتدير وتملك حق الامتياز لمحفظة واسعة من الفنادق والمنتجعات، من بينها في مصر، فيما يثار الحديث عن دورها في الصفقة ببناء فندق 5 نجوم يحمل اسم "هيلتون".
وأيضا "هيل إنترناشونال" الأمريكية المتخصصة بمجال الإنشاءات، والتي تأسست عام 1976، في فيلادلفيا، وبنسلفانيا، وتمتلك 42 فرعا في 100 دولة، ويرأسها في مصر رؤوف غالي، ومن أعمالها في مصر إدارة البناء والبرامج في المتحف المصري الكبير بقيمة 800 مليون دولار.
أما شركة الإسكندرية للخدمات الطبية، أو "المركز الطبي الجديد"، فيقوم بعمليات التشغيل الطبي لمستشفى مدينة الأهلي، وتأسس عام 1988 وفي الوقت الذي يشغل إحدى أكبر مستشفيات الإسكندرية، أشارت صفحة الإعلامي أسامة جاويش عبر موقع "إكس"، إلى أن للمركز علاقة وثيقة بجهات أمنية، ويتعاقد معه مجلس الدفاع الوطني، ومديرية أمن الإسكندرية.
وعن "محرم باخوم للاستشارات الهندسية"، فهي شركة مصرية تأسست عام 1950، ولها فرع منذ العام 2008 في الإمارات، وبمحفظتها الكثير من الأعمال السابقة مع شركات الجيش المصري، وخاصة ازدواج قناة السويس، والمتحف الكبير، وحديقة العاصمة الإدارية، وتصميم مبنى وزارتي الدفاع والداخلية.
وبشأن "ديستانس ستوديو كونسلتنتس"، فتعمل بمجال الهندسة المعمارية والاستشارات منذ عام 2000، بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ولها مكاتب بالقاهرة، وجدة، وأبوظبي، والدوحة، شاركت ببناء "ديستينو تاور" بالعاصمة الإدارية.
أما "إي سي جي" (جماعة المهندسين الاستشاريين)، فهي شركة استشارات هندسية تأسست بمصر عام 1969، وتوسعت أعمالها أفريقيا إلى ليبيا، والمغرب، وتنزانيا، وأوغندا، وآسيويا إلى الكويت، والسعودية، والإمارات، فيما شاركت بتدشين مبنى "الركاب رقم 2" بمطار القاهرة، وفندق "سانت ريجيس"، و"مول العرب"، و"بورتو أكتوبر"، في مصر.
وحول "أبناء سيناء للمقاولات"، فتدور الكثير من علامات الاستفهام حول مصادر تمويل مجموعة العرجاني وشركاته المتعددة وسط حديث عن أعمال خارج إطار القانون كتجارة المخدرات والسلاح والذهب وفرض الإتاوات على الفلسطينيين بمعبر رفح البري، في قضية رصدتها وسائل الإعلام العالمية.
كما أن لشركة أبناء سيناء التي تقول إنها تأسست بالعام 2010، وتعمل في الإنشاءات، والاستيراد والتصدير، وإدارة المحاجر، والتوسعات العمرانية، وتأجير المعدات واستصلاح الأراضي، ارتباط بالإمارات إذ يوجد لها فرع بدبي.
أما شركة "بوجيرتمان"، الموكل لها تصميم استاد النادي الأهلي، فتأسست عام 1982، في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، ولها سابقا أعمال كبيرة في إنشاء الاستادات بينها استاد للكرة الشاطئية بجزيرة سيشل.
أما مجموعة "تروجان للمقاولات"، فتأسست كشركة للتطوير العقاري بأبوظبي عام 2012، وتتبع "ألفاظبي القابضة"، التي تمتلك أبوظبي القابضة 49 بالمئة من حصتها، فيما تتبع الأخيرة للصندوق السيادي الإماراتي وتشارك بمشروع تنمية "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي لمصر.
" هل تمهد الصفقة لبيع الأهلي؟"
مراقبون وناقدون رياضيون أعربوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن تكون تلك الخطوة لبيع الأهلي.
وكتب الناقد الرياضي أحمد سعد، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "تم تدشين عملية بيع النادي الأهلي للإمارات"، مضيفا: "الكابتن محمود الخطيب أدى المهمة بنجاح".
وهو ما حاول شرحه وتفصيله الناقد الرياضي وليد الفيل، حيث قال مخاطبا رئيس الأهلي: "نخشى أن يدفعك شغفك بحلم الاستاد إلى التعجل باتخاذ خطوات قد تؤدي للندم بدلا من الإنجاز"، فيما وجه تساؤلاته حول المقابل الذي ستحصل عليه الشركات الممولة من النادي، مؤكدا أن عمل اكتتاب لمحبي النادي ينهي الكثير من المخاوف.
وقبل عام وفي أيار/ مايو 2023، قدم الإعلامي الرياضي المصري مهيب عبد الهادي، دعوة عبر فضائية "إم بي سي مصر" السعودية، طالب فيها بطرح الأندية المصرية الحكومية للبيع وخاصة النادي الأهلي، صاحب التاريخ والبطولات والقيمة التسويقية العالية، مقابل رقم ملياري دولار، بدعوى مساعدة البلاد في أزمتها مع العملات الصعبة.
وتأسس الأهلي عام 1907، وله 4 فروع بالقاهرة الكبرى، أقدمها التاريخي بمنطقة الجزيرة، ومدينة نصر، والسادس من أكتوبر، والتجمع الخامس.
وهو، الأعرق بين أندية القارة الأفريقية والعربية والمصرية، حيث حصل على بطولات دوري وكأس مصر، ودوري وكأس أبطال أفريقيا، وكأس العرب، والأفروآسيوية، وله 9 مشاركات تاريخية ببطولة كأس العالم للأندية، التي حصل على مركزها الثالث 3 مرات.
وللأهلي 43 لقبا للدوري العام المصري، أولها بموسم (1949/1948) وآخرها في 2023، و39 لقبا ببطولة الكأس، وبطولة كأس السوبر المحلي بـ14 مرة، ليبقى أكثر الفرق تتويجا بالبطولات المحلية.
وقاريا، يتزعم الأهلي فرق أفريقيا ويحمل لقب "نادي القرن"، كونه الأكثر تتويجا بلقب دوري أبطال أفريقيا بـ12 بطولة، وببطولة السوبر الأفريقي 9 مرات، وبكأس الكؤوس الأفريقية 4 مرات، وبكأس الاتحاد الأفريقي التي تندر مشاركته بها مرة واحدة عام 2014.
ويرى مراقبون أن دولة السيسي، تسيطر بشكل كبير على النادي الأهلي، وأن إدارته لم تعد صاحبة قرار في توقيع تعاقد أو فسخ آخر.
وأشاروا إلى أن ذلك بدا لافتا منذ آب/ أغسطس 2022، عندما استحوذت الشركة "المتحدة للرياضة" على حقوق تسويق رعاية النادي الأهلي بشكل حصري لمدة 4 مواسم اعتبارا من (2022/2023 وحتى 2025/2026)، وبمنح شركات العرجاني، حق رعاية النادي وعقود الإنشاءات فيه في كانون الثاني/ يناير 2023.
"مقلق ويثير التخوف"
وفي قراءته للأمر، قال البرلماني المصري السابق طلعت خليل: "كسياسي مصري عاشق للنادي الأهلي، مبدئيا فهذا التحالف شيء مقلق ويثير التخوف على تاريخ ومستقبل النادي الأهلي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن مخاوفه تلك تتشكل خاصة وأن "هذا التحالف ومكوناته تأتي في ظل توجه فيه الرياضة تصادر وتصبح بيزنس، ورغم أن التوجه العالمي في مجال الرياضة هو تحولها إلى بيزنس، والقادم في مصر كذلك، لكن لدينا تساؤلات ومخاوف".
اظهار أخبار متعلقة
وختم متسائلا: "ما أبعاد هذا البيزنس في مصر؟، وهل يريدون أن يتحكموا في مفاصل الرياضة المصرية، والبداية من الأهلي؟"، ملمحا إلى أن "حضور أسماء مثل داليا خورشيد والعرجاني وغيرهما يثير تلك التساؤلات وهذا القلق".
"تحرٍ أمني"
من جانبه أعرب خبير اقتصادي مصري، عن أسفه قائلا لـ"عربي21": "الوضع سيئ جدا، والأسماء المذكورة من شخصيات وشركات تحتاج لمن يعمل عليهم تحريات أمنية لنعرف كيف خرجوا بشركاتهم وحصلوا على أصولها ودخلوا السوق وطلعوا على وجه الدنيا".
وبينما فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر له، أكد أن "الأهلي قلعة وطنية عريقة؛ لكن ملف الكرة والرياضة والفن عموما يتم التلاعب بها، منذ أيام وزير الحرية المصري عبدالحكيم عامر، وكذلك على يد نجلي حسني مبارك علاء وجمال".
"تحت رحمة النظام"
من جانبه، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري، إنه "من الشبهات وعلامات الاستفهام التي يطرحها عقد الشراكة محل النقاش أن تكلفة المنشآت بمدينة الأهلي 12 مليار جنيه، وكان من المتاح أن يتحملها النادي ويقوم هو بالإنشاءات وجني الأرباح من اليوم الأول".
فخري، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولو وافق النادي على عقد رعاية الشركة القطرية والتي بلغت في عرضها المبدئي 200 مليون دولار في 4 سنوات، وهو ما يقترب من 10 مليارات جنيه".
وأكد أن "الأهلي منذ سنوات خضع ضمن عشرات المؤسسات المصرية التي خضعت تحت رحمة النظام القائم"، لذا فإنه يرى أن "اتفاقا كهذا يأتي في إطار امتثال الأهلي المتواصل لأوامر النظام".
وأوضح الكاتب المصري أن "هذا ما حدث من قبل في عشرات القرارات، ومنها سيطرة المخابرات على قناة الأهلي والعبث بها، ثم إجبار إدارة النادي على رفض عروض الرعاية المبهرة واستبدال ذلك بالتعاقد مع شركة المتحدة للرياضة والتسويق، والتي صنعت على عجل ليحصل الأهلي على الفتات المتبقي من تعاقدات الشركة".
ولفت إلى أن "سيطرة النظام على الأهلي وإدارته استمرت بإسناد الرعاية وتنفيذ مشروعات النادي من خلال رجل النظام الأقوى والواجهة الاقتصادية الأضخم إبراهيم العرجاني"، ملمحا إلى أن "محمود الخطيب استسلم لذلك منذ فترة وتعايش مع الأمر، وما يحدث الآن هو استمرار وتطور طبيعي".
وخلص للقول: "إذا انضواء الأهلي وتحالفه مع الشخصيات والمؤسسات والجهات (داخليا وخارجيا) التي لا تلقى اتفاقا ولا قبولا شعبيا هو أمر مفروغ منه"، مضيفا: "والمؤسف أن ما أُعلن من بنود الاتفاق ليس شافيا".
وأكد أنه "يمنح العرجاني والشركاء الإماراتيين أرباحا مذهلة لأكثر من عقدين من الزمن بعد إنشاء المدينة الرياضية، بما فيها الاستاد، في حين لن يحصل الأهلي إلا على جزء بسيط من الأرباح بعد مرور 15 سنة من الآن، على أن تؤول إليه المنشآت بعد ربع قرن".