أمقت كل دمائكم، لا أرى أشلاءكم التي ملأت فضاء عجزي، أصمّ
أذناي عن صوت صراخكم، من قال إني أريد الكرامة والوطن، جل ما أريده هو حياة حلزونية
بطيئة وروتينية حدّ الموت، حدودها اللاشيء يملؤها اللامكان واللامعنى. أريد لقيماتي
وسريري، أريد سيارتي المهترئة وأحاديثي الفارغة مع الأصدقاء التافهين والعلاقات التي
بلا هوية.
أنتم بفعلتكم حطّمتم نسغ حياتي، ووهن آمالي وأحلامي، جرّدتموني
من زيف عشته طويلا وأورثته أبنائي الذين حرصت على تعليمهم معنى النسيان. كنت أسمّيه
تسامحا، لكني كنت كذابا، فقط خفت عليهم وخشيت أن يعودوا إلى التفكير بالكرامة والوطن
فيصيبهم ما أصابكم.
مِن أرفعنا مقاما نحن العرب إلى أوضعنا شأنا، نقول لكم
لقد أثقلتم صدورنا وأبصارنا وقرعتم آذاننا فابتعدوا، كفّوا عن طلب الكرامة، وتنازلوا
عن زهو رجولتكم، فهذا زمن الخصيان والتجار.
نحن نقدّس العادي، وأنتم غير عادي، فلماذا نحبكم، ولماذا
تستصرخوننا؟ فلا نحن منكم ولا أنتم منّا، لكن جمعتنا الأقدار صدفة في هذا المكان الغريب.
حتى المرايا حطمناها، فلا نريد أن نرى بقاياكم فينا.
وأما عدوكم فأرباب الأرض يشدّون أزره، فهل تطلبون النصر
منّا.. من نحن؟!
أنتم بقدراتكم المتواضعة وعدوّكم بكامل قوّته وعتاده. القدرة
عاقلة، أما
القوة فمجنونة، فاحتملوا جنون قوّتهم بلا أنين أو رجفة، واحتموا بقدراتكم
العاقلة.
نحن بينكم بلا وجوه. فقط نسمع ونرى، لكن بلا وجوه. من يُخرجنا
من لزوجتنا ومن يُخرج العنفوان من صدوركم؟! إنه منعطف مصيري لكلينا، فلا تتأرجحوا على
أوهامنا فنحن لا نتأرجح على أحلامكم.
كونوا مثلنا وتنعّموا بالذلّ، فليس بمقدورنا أن نكون مثلكم.