لا زال الاحتلال
الإسرائيلي يعيش صدمة التهديد الأمريكي بتأخير شحنات الأسلحة في حال القيام باجتياح واسع النطاق في رفح، وصحيح أن مستودعات جيش الاحتلال ممتلئة، لذا لا توجد عواقب عسكرية كبيرة لتهديد الرئيس جو بايدن، لكن الخطورة في تبعات التهديد، وإمكانية أن تفهم الدول الغربية الأخرى الرسالة الأمريكية، وتنضم إلى الحصار الذي قد يفرض على تل أبيب.
ولم يشكل هذا التهديد الأمريكي مفاجأة للاحتلال الذي أدار "حوارا للصم" مع واشنطن، عندما حاول، دون جدوى، أن يعرض على الإدارة الأمريكية خطط عمل مختلفة تتمحور حول محاولة تجنب إلحاق الضرر بمليون نازح في رفح.
وكشف كبير المحللين العسكريين في صحيفة
يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، أن "خلفيات التهديد الأمريكي تتعلق بما عرضه رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ومنسق العمليات في المناطق غسان عليان وآخرون، من خطط عسكرية خاصة برفح في مكالمات عبر تطبيق زووم وفي زيارات إلى واشنطن، لكن الأمريكيين رفضوها جميعها باعتبارها غير قابلة للتطبيق، وفي هذه الأثناء تضخمت قضية رفح، وأصبحت مبدئية، وتثير معارضة ليس فقط في الإدارة الأمريكية والتقدميين في
الولايات المتحدة، بل أيضا بين قادة الرأي العام في أوروبا والدول العربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العاجلة باجتياح معبر رفح رغم المعارضة العالمية، تؤكد أن القضية أصبحت مثيرة للجدل بين الاحتلال والديمقراطيات الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، لا سيما وزارة الخارجية، خاصة وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، اللذان لا يزالان يعارضان بشدة عملية في رفح، مما أدى لاقتراب التهديد الذي نقلته إدارة بايدن لإسرائيل في المحادثات التي جرت خلف الكواليس".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح: "نحن لسنا أمام حظر شامل للأسلحة على الاحتلال، بل إعلان عن وقف توريد الأسلحة الجوية للقنابل الدقيقة زنة طن وربع طن، إذا تم توسيع العملية في رفح لما هو أبعد من محور فيلادلفيا، لكن إذا تجاهل الاحتلال هذا التهديد، ووسع نطاق العملية في رفح، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى حظر ليس فقط على أنواع معينة من القنابل، بل على الأسلحة الجوية بشكل عام، التي تحتاجها إسرائيل، فيما يكمن الحلّ لدى الولايات المتحدة، لأنها المصدر الوحيد لها".
وضرب على ذلك مثالا بالإشارة لصواريخ "هيلفاير" التي يتم إطلاقها من المروحيات القتالية بترددات عالية، وهي سلاح دقيق يسمح بالقضاء بدقة كبيرة على المسلحين المختبئين في الطوابق العليا من المباني قبل أن يضربوا جنود الاحتلال بمضادات، وصواريخ الدبابات، وإذا تم إيقاف توريد قنابل "JDAM"، فلن يتمكن الجيش الإسرائيلي من إسقاط قنبلة دقيقة تزن طنا على مبنى حددته المخابرات على أنه مستهدف، ولكن سيكون عليه الاكتفاء باستخدام النيران من الأرض بدقة أقل، وسيكون الجيش أقل حذرا، وسيتعين عليه استخدام مخزون ضخم من القنابل والصواريخ "الغبية" المنتظرة في مستودعاته، ولن تتمكن المروحيات القتالية من العمل بدقة بدون الصواريخ الأمريكية".
وأشار إلى أن "حظر الأسلحة الأمريكية على الاحتلال هو إشارة لمنع توسيع عملية الجيش الإسرائيلي في رفح، وهو رسالة للعالم، خاصة بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى، لمنع توريد الأسلحة وقطع الغيار إلى الاحتلال، مما يحمل خطرا بعيد المدى، لأن المواجهة الكبرى مع إيران لا تزال قائمة، وقد تحدث في وقت أقرب مما تقدره المؤسسة الأمنية، كما أن الضرر الرئيسي والفوري لإعلان بايدن هو الرياح المواتية التي يمنحها لحماس، وحملت رسالته هذه تشجيعا لها: معنوية وعملية، ليس لأنه يكره إسرائيل، فهو رئيس صهيوني بكل المقاييس، لكنه يتعرض لضغوط هائلة من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، في ظل المظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية ضد إسرائيل".
الخلاصة الإسرائيلية من الغضب الموجه للتهديد الأمريكي أن الاحتلال قد يكون قادرا على التعامل مع هذا الحظر الجزئي، طالما يتم تلقي مساعدة ضخمة في مجال صواريخ الدفاع الجوي وغيرها من التدابير الدفاعية، بما في ذلك التدخل الأمريكي في منع الهجوم على الاحتلال، لكن من وجهة نظر سياسية، فإن هذا التهديد الأمريكي يعني بداية للتخلي عن الاحتلال كجزء من حسابات الحملة الانتخابية الحامية.
اظهار أخبار متعلقة
بدورها، قالت صحيفة "
نيويورك تايمز" في تقرير لكبير مراسليها في البيت الأبيض، بيتر بيكر: إنه وبعد أن فشل بايدن في إيصال الرسالة من خلال المكالمات الهاتفية أو المبعوثين أو التصريحات العامة أو اجتماعات اللجنة المشتركة وبسبب شعوره بالإحباط بسبب التجاهل، اختار طريقة أكثر دراماتيكية لتوضيح موقفه للقادة الإسرائيليين، وهي وقف إرسال القنابل.
وكان المقصود من قرار بايدن بإيقاف تسليم 3500 قنبلة إلى "إسرائيل" مؤقتا إرسال إشارة قوية مفادها أن صبره له حدود، وبينما يصر على أن دعمه للدولة اليهودية لا يزال "صارما"، اختار بايدن للمرة الأولى منذ اندلاع
حرب غزة في الخريف الماضي استخدام سلطته باعتباره المورد الرئيسي للأسلحة لإظهار استيائه.
ويمثل تعليق شحنة القنابل نقطة تحول مهمة في العلاقة التي دامت 76 عاما بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والتي كانت تاريخيا واحدة من أقرب الشراكات الأمنية في العالم، لكنها قد لا تكون بالضرورة نقطة الانهيار.
ولا تزال إدارة بايدن تسمح بإرسال معظم الأسلحة الأخرى إلى "إسرائيل"، وفي الواقع أكد المسؤولون أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن القنابل التي لا تزال غير معروفة المصير.
ويأمل بايدن أن يدفع هذا التوقف الانتقائي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التخلي عن غزو رفح، جنوب غزة، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني. وقد اعترض الرئيس على مثل هذه العملية خوفا من وقوع خسائر بشرية واسعة النطاق في صفوف المدنيين بسبب القنابل الأمريكية. وقال يوم الأربعاء إنه سيمنع أيضا تسليم قذائف المدفعية التي يمكن إطلاقها على الأحياء الحضرية في رفح.
وقال بايدن في مقابلة مع شبكة سي إن إن يوم الأربعاء: "لقد أوضحت لبيبي ومجلس الوزراء أنهم لن يحصلوا على دعمنا إذا هاجموا هذه المراكز السكانية. نحن لا نبتعد عن أمن إسرائيل. نحن نبتعد عن قدرة إسرائيل على شن حرب في تلك المناطق".
واعترف بطريقة لم يفعلها إلا نادرا بأن القنابل الأمريكية قتلت فلسطينيين أبرياء، قائلا: "لقد قُتل مدنيون في غزة نتيجة لتلك القنابل والطرق الأخرى التي يستهدفون بها المراكز السكانية".
وتشكل الخطط الإسرائيلية لاقتحام رفح مصدر خلاف حاد مع إدارة بايدن منذ أشهر. وبينما يعارض الأمريكيون مثل هذه العملية، يؤكد الإسرائيليون أنهم بحاجة للذهاب إلى رفح لإنهاء تدمير حماس، التي قتلت 1200 شخص في هجومها الإرهابي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وقد وصل النزاع إلى ذروته في الأيام الأخيرة عندما بدا نتنياهو وحكومته على وشك اتخاذ قرار بالتحرك ضد رفح على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة. وقال مسؤولو الإدارة إنهم بدأوا الشهر الماضي مراجعة الأسلحة التي يمكن استخدامها في العملية، وأن بايدن وقع على حجز القنابل الأسبوع الماضي.
اظهار أخبار متعلقة
وقال كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، الذي عاد لتوه من رحلة إلى الشرق الأوسط: "القرار يعني أن بايدن قرر استخدام الشكل الحقيقي الوحيد للضغط على بيبي - حجب الأسلحة. إنها نقطة متدنية بالنسبة للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تبدأ في وضع الأمن الإسرائيلي على المحك. ولم يكن أمام بايدن أي خيار. إن الحرب تشكل عائقا لحملته الانتخابية، ولوحدة الحزب الديمقراطي، ولمكانة الولايات المتحدة في العالم".
وكانت الإدارة تأمل أن يبعث الوقف برسالة هادئة، ولم تعلنها علنا في البداية، لكن الإسرائيليين سربوها. وفي الأيام التي تلت القرار، أمرت إسرائيل بإجلاء 110 آلاف مدني في رفح، وشنت غارات جوية على أهداف على أطراف المدينة، وأرسلت دبابات واستولت على المعبر مع مصر. ورغم أن هذه التحركات وُصفت بأنها محدودة وليست بداية الهجوم الموعود، إلا أنها دقت ناقوس الخطر في البيت الأبيض.
ويبدو أن الإجراءات الإسرائيلية، التي جاءت جزئيا ردا على هجمات حماس الصاروخية التي أسفرت عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين في نهاية الأسبوع الماضي، تهدف إلى مواصلة الضغط على حماس للموافقة على وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن الذين أخذتهم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وبينما ولا يوجد تأكيد حتى الآن حول إمكانية إبرام هذا الاتفاق، التقى مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، الذي شارك بعمق في المفاوضات، الأربعاء مع نتنياهو في القدس، تزامنا مع تشاور مسؤولين آخرين في القاهرة حول العروض المتنافسة من الجانبين.
وقال محللون إن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق قد يكون السبيل الوحيد لتجنب حدوث قطيعة أكثر خطورة بين "إسرائيل" وإدارة بايدن.
وأكد المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، إليوت أبرامز، الذي خدم في إدارات جمهورية متعددة: "ما يطلبونه هو ألا تدخل إسرائيل إلى رفح بشكل كبير. بدون صفقة رهائن، أعتقد أن الإسرائيليين سيذهبون إلى رفح وسيسبب ذلك قدرا كبيرا من التوتر".
لقد كانت العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" علاقة فريدة منذ أن أعلنت الدولة اليهودية قيامها في عام 1948، وبعد 11 دقيقة فقط جعل الرئيس هاري ترومان الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف باستقلالها. لكن العلاقة اتسمت أيضا منذ فترة طويلة بلحظات من التوتر العميق.
في البداية، في عهد كل من ترومان والرئيس دوايت أيزنهاور، رفضت الولايات المتحدة بيع أسلحة لـ "إسرائيل" على الإطلاق، في حين أصبح الرئيس جون كينيدي أول من فتح الترسانة من خلال توفير صواريخ هوك المضادة للطائرات. قام الرئيس ليندون جونسون بتوسيع العلاقات بإرسال دبابات "أم48" وطائرات "أيه4" سكاي هوك وطائرات "أف4 فانتوم".
وكان الرؤساء قد أوقفوا المساعدات عن "إسرائيل" من قبل للإشارة إلى الاستياء أو التأثير على السياسة. وقام الرئيس رونالد ريغان أكثر من مرة بتأخير شحنات الطائرات الحربية والذخائر الأخرى بسبب عدم رضاه عن التدخل الإسرائيلي في لبنان.
وقام الرئيس جورج بوش الأب بتأجيل ضمانات قروض الإسكان بقيمة 10 مليارات دولار لمنع استخدام الأموال الأمريكية لتمويل بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
وبشكل عام، منذ الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة مساعدات لـ "إسرائيل" أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وحتى العام الماضي، قدمت 158.7 مليار دولار لتل أبيب منذ تأسيسها، الجزء الأكبر منها، أو 124.3 مليار دولار، لجيشها ودفاعاتها الصاروخية، وفقا لخدمة أبحاث الكونغرس.
وبموجب مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات أبرمها الرئيس باراك أوباما، تقدم واشنطن حاليا 3.8 مليارات دولار سنويا كمساعدات عسكرية، دون احتساب 15 مليار دولار من المساعدات الإضافية التي وافق عليها الكونغرس الشهر الماضي ووقعها بايدن لتصبح قانونا.
اظهار أخبار متعلقة
وسرعان ما انتقد الجمهوريون بايدن الأربعاء بعد أن أكد وزير الدفاع لويد أوستن علنا التقارير المتعلقة بتأخر شحنة القنابل في جلسة استماع بمجلس الشيوخ.
وقال السيناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية لوزير الدفاع: "هذا فاحش وغير معقول. أعطوا إسرائيل ما تحتاجه لخوض الحرب التي لا تستطيع تحمل خسارتها".
وقال السيناتور ميتش ماكونيل من كنتاكي، زعيم الحزب في مجلس الشيوخ، إنه اتصل بجيك سوليفان، مستشار الرئيس للأمن القومي، لـ "التعبير عن قلقي للإدارة من أن تأخير شحن الأسلحة إلى إسرائيل هو مجرد طريقة أخرى لإخبار حليف كيف يدير الحرب".
من ناحية أخرى، قال الديمقراطيون والتقدميون الذين يضغطون على بايدن للحد من الأسلحة أو قطعها للحد من الحرب الإسرائيلية: إن الإجراء الذي اتخذه الرئيس طال انتظاره وما زال غير كاف بعد مقتل أكثر من 34 ألف شخص في غزة، بما في ذلك المقاتلون والمدنيون.
وقال السيناتور بيرني ساندرز، الاشتراكي الديمقراطي من ولاية فيرمونت: إن قرار بايدن كان "صحيحا تماما" ولكن يجب أن يكون البداية فقط، مضيفا: "نفوذنا واضح. على مر السنين، قدمت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات عسكرية لإسرائيل. لم يعد بإمكاننا أن نكون متواطئين في حرب نتنياهو المروعة ضد الشعب الفلسطيني".
وقد لفت القرار انتباه نتنياهو وحكومته الحربية، وقال شالوم ليبنر، وهو مستشار لعدة رؤساء وزراء إسرائيليين على مدى فترة طويلة: إن ذلك "ضرب على وتر حساس عميق داخل إسرائيل، حيث يتساءل الناس عن مدى التوفيق بين تقييد وصول إسرائيل إلى الأسلحة - وهي خطوة من المؤكد أنها ستشجع حماس - مع التزام بايدن الصارم الذي يكرر الحديث عنه عادة بأمنها".
لكنه أضاف أنه "سيكون من الضرر الاستراتيجي لإسرائيل أن تتجاهل حكومة نتنياهو الرد الصاخب من مزودها الرئيسي للدعم العسكري والدبلوماسي".
وتشمل القنابل الـ 3500 التي تم تعليقها الأسبوع الماضي ذخائر بوزن 2000 رطل و500 رطل. ولا تزال وزارة الخارجية تدرس أيضا ما إذا كانت ستمضي قدما في تسليم أنظمة توجيه ذخائر الهجوم المباشر المشترك التي يمكنها تحويل ما يسمى بالقنابل الغبية إلى أسلحة موجهة بدقة، ولكن لا توجد شحنة وشيكة في الوقت الحالي. وفي الوقت نفسه، قال المسؤولون إنهم سيواصلون تقديم "كل دولار" من المساعدات المصرح بها في حزمة الكونغرس الجديدة.
وقال المحلل كوبشان إن مسار العلاقة الأمريكية الإسرائيلية سوف يعتمد على ما سيحدث بعد ذلك. إذا أذعن نتنياهو لحكم بايدن بشأن رفح، فقد يكون ذلك مجرد اشتعال مؤقت. ولكن إذا ظل الزعيمان في مواجهة، فقد يؤدي ذلك إلى قطع أوسع للأسلحة، وهو ما سيكون له تأثير أكثر استدامة.
وذكر كوبشان: "إن أساس العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوي للغاية لدرجة أنه لن يتضرر بشكل كبير بسبب هذه الخطوة. ومع ذلك، فإن المزيد من عمليات الحجز، على الرغم من أنها غير محتملة إلى حد كبير، إلا أنها ستكون قصة مختلفة".