مع دخول العدوان الإسرائيلي يومه السابع، تزداد الانتقادات الموجهة للأداء العسكري الذي اعتمد على الاستخبارات والقوة الجوية والتكنولوجيا، لكن كل ذلك ترك الاحتلال عرضة لهجوم بري منخفض التقنية من قبل مقاتلي حماس، الذين تجاوزوا إمكانياته التي يعمل فيها طوال ثلاث سنوات لبناء حاجز حديث ومتقدم تكنولوجيا، على طول الحدود مع قطاع
غزة بطول 64 كيلومترا؛ بهدف ضم أنظمة رادارية وأجهزة استشعار لكشف التوغلات التي ستحاول حماس تنفيذها، من خلال الجرافات ووسائل أخرى لهدم السياج البالغ ارتفاعه ستة أمتار.
دوف ليفير وستيفن كلاين نشرا في مجلة "
غلوبس" تقريرا مطولا ذكرا فيه، أن "هجوم حماس المباشر شكل أكبر اختراق للحدود الجنوبية للاحتلال منذ حرب يوم الغفران، وكان مثالا واضحا على تجاوز القيود التركيز العسكري الإسرائيلي والقدرات السيبرانية، وجمع المعلومات الاستخبارية، والأسلحة المتقدمة، وأثبتت قوات الاحتلال عدم استعدادها لهجوم برّي بأدوات تكنولوجية بسيطة إلى حدّ ما".
وأشارا في تقرير ترجمته "عربي21"، أن "جيش الاحتلال بدأ بالفعل عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة، وسيكون لزاما عليه الاعتماد بشكل أكبر على المشاة والمدفعية، التي تم إهمالها في السنوات الأخيرة، وفي هذه العملية، سيُطلب منها المرور عبر شارع تلو الآخر في حرب المدن، بعد أن ركزت على الضفة الغربية والشمال، وكأن الجيش كان "يستعد للحرب الخاطئة"، وفقا لتعبير آفي ييغار الباحث بمعهد سياسة مكافحة الإرهاب بجامعة رايخمان، بعد أن تم توجيه الاهتمام العسكري للضفة الغربية، ونشر قوات للتعامل مع الوضع الأمني الحساس فيها، وتركز التحذيرات الاستخباراتية بشأن حرب محتملة في شمال الدولة فقط".
إظهار أخبار متعلقة
وأوضحا أنه "حتى يوم السبت، اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن سياسة تعزيز اقتصاد غزة أدت لتحول زعماء حماس إلى غير مهتمين بتنفيذ هجوم كبير، ولكن خلال هذا الوقت، كما أثبتت أحداث نهاية الأسبوع، تطورت حماس، وأصبحت تنظيما أكثر تطورا، وشكلت هجوما؛ دمجا للصواريخ والسفن البحرية والطائرات بدون طيار وجنود المشاة، التي وصلت إلى عمق غلاف غزة بأكثر من 30 كيلومترا من حدود قطاع غزة".
ونقلا عن دانييل ليفي، المفاوض السابق، أن "إسرائيل لا تستطيع ضمان الأمن لمستوطنيها، وسيكون من الصعب التعافي من ذلك؛ لأنها ركزت منذ فترة طويلة على اكتساب ميزة تكنولوجية تتفوق بها على أعدائها، وسرّعت بالتحول للقدرات الجوية والدفاعية والاستخباراتية، رغم أن الحروب الأخيرة واجه فيها الجيش مقاتلي حرب العصابات، مما أظهر محدودية قوة القنابل والمدفعية المتقدمة، وهذا مشابه لما واجهته أمريكا في أفغانستان والعراق".
وأكدا أن "إسرائيل لم تنظر للغزو البري باعتباره تهديدا، بل التهديدات غير التقليدية المتمثلة في الصواريخ والهجمات التي تشنها قوات غير دولانية، مثل حزب الله وحماس، ولتحقيق هذه الغاية، استثمر الجيش في القدرات الدفاعية والاستخباراتية والسيبرانية لمواجهة تهديداتهما، وتقليل المخاطر الناجمة عن ترسانتهما الصاروخية المتنامية".
وأشارا إلى أنه "في 2014، فاجأت حماس الجيش بهجوم عبر الأنفاق المحفورة تحت الأرض، وخاضا مواجهة لمدة خمسين يوما، بعد أن شن عملية برية في قطاع غزة لتدمير الأنفاق، وردّا على ذلك تحول الجيش للتكنولوجيا مرة أخرى، وبدأ بتطوير نظام "العقبة" للمساعدة بتحديد مواقع الأنفاق، وزعم وزير الحرب آنذاك بيني غانتس، أن العائق المادي يشكل "جدارا حديديّا" حول غزة، سيحمي الإسرائيليين من مسلحي حماس، بنفس طريقة "القبة الحديدية" الدفاعية من الصواريخ، وفي 2015 بدأ الجيش العمل على خطة تؤدي لتقليص عدد المقاتلين وجنود الاحتياط".
كوبي ميخائيل، الباحث البارز بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أكد أننا "نتحدث عن عملية مستمرة تم فيها إضعاف القوات البرية للجيش، الذي تحول للمزيد من التكنولوجيا، فيما بدأت حماس وحزب الله بالتصرف كأعداء عسكريين تقليديين، وليس مثل مقاتلي حرب العصابات، وقامت حماس المسيطرة على قطاع غزة لقرابة عقدين من الزمن، ببناء مجموعة من الأسلحة والقواعد تحت الأرض كمركز قيادة وسيطرة لحروب المستقبل، وتطوير قدرات صاروخية أكثر دقة".
إيهود يعاري المستشرق في "
القناة 12"، ذكر أن "الدوائر الإسرائيلية تتابع النتائج المترتبة على هجوم حماس العسكري على مستوطنات غلاف غزة؛ لأنها للمرة الأولى تركّز حماس على هجوم بري من قبل وحداتها للنخبة، ويمكن القول بأن هجوم حماس في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هي النسخة الجديدة من مفاجأة حرب الغفران قبل خمسين عاما في أكتوبر 1973، مما يجعلها خطوة مدروسة ومنسقة، وليست معزولة على جبهة واحدة فقط، بل ضربة استباقية".
إظهار أخبار متعلقة
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "هجوم حماس جاء عقب تحضيرات طويلة لم تقرأها المخابرات الإسرائيلية بشكل صحيح، وهذه المرة أجريت مناورة عسكرية واسعة النطاق لإخفاء نوايا الحركة، وحتى الآن ما زلنا متمسكين "بمفهوم" خاطئ، مع أن الفرضية الإسرائيلية الخاطئة تمحورت حول أن الحركة لن تورط نفسها في جولة عسكرية أخرى، وستفضل إجراء ترتيبات لتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع، فيما تبذل جهدها لإشعال النار في الضفة الغربية، حيث تم الزجّ بثلاثين كتيبة من جيش الاحتلال في هذا المجال، ومن ثم تقليص انتشارها في غزة".
يكشف هذا التقرير والتعليقات العديدة للإسرائيليين فيه، أن درجة لوم الجيش بسبب هجوم حماس تتزايد مع مرور الوقت؛ لأن العدد الكبير من جنوده موجودون في الضفة الغربية، وتمثلت النتيجة في تحقق سيناريو المفاجأة الاستراتيجية المتمثل بضرب الحدود الجنوبية، من خلال غزو ألف من مقاتلي حماس، وهو الذي مثّل أولوية أقلّ في قائمة سيناريوهات التخطيط الرئيسية لجيش الاحتلال.