لم يكتف قائد الجيش
السوداني عبد الفتاح
البرهان، بالتجول بين المدن السودانية حتى أجرى بعيد ذلك جولة مكوكية خارجية شملت
مصر وجنوب السودان وقطر.
وبدا البرهان حازما تجاه خيار الحسم العسكري في خطابه بمدينة بورتسودان في 27 آب/ أغسطس الماضي، وهو يسرد تفاصيل خروجه من القيادة العامة أواخر الشهر الماضي، عندما ذكر أن الأمر تم بعملية عسكرية مدروسة كلفته أرواح اثنين من جنوده.
واتسع المدى الجغرافي أكثر أمام البرهان الذي كان محاصرا في الخرطوم، حيث أكد أكثر من مرة أن دفة العمليات العسكرية تميل لصالح الجيش السوداني، بعد نحو خمسة أشهر من المعارك.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية السوداني إبراهيم ناصر، إن "توقيت الزيارة يشير إلى أن البرهان يؤكد للمحيط الإقليمي والدولي أن الشرعية معه، كما يبحث في ذات الوقت عن المقبولية، لا سيما أنه زار عواصم كان موقفها إيجابيا تجاه الجيش وحيدت الأطراف المناوئة للبرهان من الناحية السياسية".
وأضاف في حديث لـ "
عربي21”, أن "زيارة البرهان لمصر وقطر تؤكد أن الجيش يعول على الدور العربي أكثر من الدور الأفريقي خصوصا بعد التلاسن بين الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي مؤخرا، حيث ساوى الموقف الأفريقي بين الدعم السريع والجيش وهذا ما يرفضه البرهان".
اظهار أخبار متعلقة
جولة خارجية
قطر
في السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني العاصمة
القطرية الدوحة، وعقد مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قصر لوسيل، تناولا فيها آخر المستجدات في السودان.
وذكر الديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم أكد على موقف بلاده الداعي إلى وقف القتال في السودان وانتهاج الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات، وتطلعها إلى انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للحرب، وصولا إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحققان تطلعات الشعب السوداني.
وثمّن أمير قطر الجهود الإقليمية والدولية والمساعي الحميدة، الهادفة لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في السودان.
من جهته، أطلع البرهان أمير قطر على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان، كما عبّر عن شكره وتقديره للأمير على موقف دولة قطر الداعم للسودان حكومة وشعباً، وبما يخدم الاستقرار والتنمية فيه، وفق بيان الديوان الأميري القطري.
وتناولت المباحثات، بحسب الديوان، دعم وتنمية العلاقات القائمة بين البلدين، بالإضافة إلى مستجدات الأحداث إقليمياً ودوليا.
وعقب ساعات غادر البرهان الدوحة، محطته الثالثة في
الجولة الخارجية الأولى التي يقوم بها إلى خارج السودان منذ اندلاع الحرب في البلاد.
ويرى إبراهيم ناصر، أن "الموقف القطري كان إيجابيا منذ بداية الأزمة ولحد الآن، فبعد زيارة البرهان للدوحة شاهدنا لينا من جانب "قوى إعلان الحرية والعدالة الجناح المركزي" تجاه الجيش عكس مواقفهم المتشنجة سابقا.
اظهار أخبار متعلقة
مصر
في 29 آب/ أغسطس الماضي حطت طائرة البرهان برفقة وزير الخارجية المكلّف علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة أحمد ابراهيم مفضل في مطار العلمين قادمة من مدينة بورتسودان حيث كان في استقباله رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
وذكر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أن السيسي أكد خلال اللقاء على موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الراهنة، مع الأخذ في الاعتبار الروابط والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
بدوره أشاد البرهان، بدعم مصر للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خاصة من خلال حُسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر، مؤكدا تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الأفريقية.
وأضاف المتحدث الرسمي أنّ اللقاء "شهد استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان الشقيق، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل".
وتزامنت زيارة البرهان للقاهرة مع جهود مصرية لإعادة ملف الصراع في السودان لصدارة المشهد مجددا، لا سيما بعد تعثر فشل المبادرة الأمريكية السعودية في حل الأزمة.
ومنتصف تموز/ يوليو المنصرم استضافت مصر قمة لدول جوار السودان لتسوية النزاع السوداني سلميا، بحضور مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني.
وفي معرض حديثه عن الموقف المصري أوضح ناصر الذي يرأس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام، أن "موقف مصر واضح بدعم الجيش السوداني، ويرتكز على أمر هام وهو وجود (المليشيات في الجنوب) الذي يهدد الأمن القومي لمصر".
وكشف ناصر، عن "اجتماع سري في القاهرة أواخر العام الماضي ناقش وجود المليشيات في المنطقة وسلطت مصر حينها الضوء على قوات الدعم السريع على الرغم من تخوف مصر من الإسلاميين المؤيدين للجيش السوداني".
جنوب السودان
وعقب زيارة مصر توجه قائد الجيش السوداني جنوبا، حيث وصل إلى جوبا عاصمة جنوب السودان في الرابع من الشهر الجاري، والتقى برئيسها سلفا كير.
ونقل بيان للرئاسة في جوبا، عن وزير شؤون الحكومة في جنوب السودان مارتن إيليا لومورو قوله إنه "من المعروف أن الرئيس كير هو الشخص الوحيد الذي تجمعه خصوصية معينة ومعرفة بالسودان، ويمكنه إيجاد حل للأزمة السودانية".
من جانبه قال وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق: "في السودان، نعتقد بأن جنوب السودان هو أفضل بلد مخول للقيام بوساطة بشأن النزاع في السودان، لأننا كنا بلدا واحدا على مدى طويل ونعرف بعضنا بعضا، ونعرف مشكلاتنا وحاجاتنا".
اظهار أخبار متعلقة
السعودية والإمارات
وانتشرت أخبار بعد زيارة قائد الجيش السوداني للقاهرة بتوجهه للسعودية ثم الإمارات، إلا أن الرجل عاد إلى بلاده قبل أن يستهل زيارة لجنوب السودان وقطر.
وبحسب الأكاديمي السوداني إبراهيم ناصر، فإن "السعودية تنظر لمؤسسات الجيش كممثل رسمي لكن بسبب الوضع في اليمن كان موقفها سلبيا بداية الأمر وأقرب للموقف الإماراتي، لكن بالمجمل الرياض الآن تدعم الجيش".
وعن الموقف الإماراتي قال ناصر لـ "
عربي21”, إن "الموقف الإماراتي كان موقفا شاذا تجاه الأزمة السودانية حيث ارتسمت صورة سلبية في ذهنية المواطن السوداني لأبو ظبي التي راهنت على الحصان الخاسر وهو قوات الدعم السريع".
وأضاف، أن "الإمارات تعمل على عرقلة التحول الديمقراطي في السودان وتحاول قدر الإمكان امتصاص تأثيرات الثورة والتغيير في السودان، فهي تنظر للدعم السريع على أنها حليف تطمح لأن يسيطر على ثروات السودان وموانئه وإزاحة خطر عودة الإسلاميين للسلطة".
وتابع: "بشكل عام فإن دول الخليج بالمجمل لا تريد أي تحول ديمقراطي كما أن تأزم الأوضاع يدعم فرضيتها التي تقول إن هذه الشعوب غير مؤهلة للديمقراطية".
الخروج من عنق الزجاجة
في 28 آب/ أغسطس الماضي ظهر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لأول مرة خارج الخرطوم، منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ أبريل، حيث تصر الدعم السريع على أنها تحاصر البرهان داخل مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
وتفقد البرهان قواته في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، وعقب ساعات توجه مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، التي تبعد عن الخرطوم 310 كيلومترات، وتفقد مقر سلاح المدفعية، وزار مصابي القتال من الجيش في مستشفى الجيش والشرطة.
وزار بعدها مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل، حيث تفقد نازحي الحرب الفارين من الخرطوم، قبل أن يطل من مدينة بورتسودان متحدثا عن كيفية خروجه ومتوعدا بإلحاق الهزيمة بالدعم السريع.
وظهور البرهان هو الأول له منذ 130 يوما خارج مقر قيادة الجيش، وكان آخر ظهور له قبل ذلك في 18 تموز/ يوليو، ظهر خلالها حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية ويترأس اجتماعا عسكريا في مركز القيادة.
وتباينت الآراء حول الظهور المفاجئ للبرهان، حيث اعتبر سودانيون أن خطوات البرهان تهدف لحشد الدعم لموقفه في المفاوضات، كما أن خروجه يدل على قرب انتهاء القتال، وثقته بقدرة الجيش على حسم المعركة قريبا.
يقول ناصر إن "الجولة المكوكية التي أجراها البرهان موشر على دخول العمليات العسكرية مرحلة جديدة، يكون فيها الجيش هو الممسك بزمام المبادرة، رغم أن المشهد العسكري في البلاد يبدو مجزءا".
وأضاف أن "الدعم السريع وضعت خطة بداية تمردها تقتضي بالسيطرة على قيادة الجيش والأماكن الحساسة، لذا تأتي تحركات البرهان بتجوله في عدة مدن سودانية وزياراته الخارجية للتأكيد على أنه صاحب الشرعية وبمقدرته التحرك بحرية".
وتابع بأن "التأييد الشعبي للجيش لم يأت بفضل البرهان بل كان تعاطفا تراكميا وازدادت مع إيمان المواطن السوداني بالجيش، بالإضافة للانتهاكات التي مارستها الدعم السريع وهذا ما دفع السودانيين للالتفاف حول الجيش".
واستدرك، بأن "البرهان لم ينجح بتوظيف الدعم الشعبي والدولي عقب تمرد الدعم السريع، حيث لم يكن بالحزم المطلوب للتعامل مع الدعم السريع قبل التمرد وأثنائه، حيث واجه اتهامات بأنه لم يكن قويا بما يكفي لكبح جماح قوات الدعم السريع".
اظهار أخبار متعلقة
أحداث متزامنة
بالتوازي مع الحراك الخارجي، وبعيدا عن جو المعارك العنيفة، نقل البرهان المعركة إلى الصعيد السياسي والقانوني، بعدما قرر حل وإلغاء قانونية وجود الدعم السريع.
وأصدر رئيس مجلس السيادة السوداني في السادس من أيلول/ سبتمبر الجاري، مرسوما دستوريا يحل بموجبه قوات الدعم السريع، بسبب تمردها على الدولة والانتهاكات التي مارستها ضد المدنيين، إضافة إلى تخريب البنى التحتية، وفق المرسوم.
وفي ذات اليوم أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على قادة في الدعم السريع أبرزهم عبد الرحيم دقلو شقيق قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو.
واستهدفت العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، الذي تتهم قواته بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي خصوصا في إقليم دارفور وفق بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية.
وشملت العقوبات قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، لتورطه في انتهاكات ارتكبتها قواته في ذات المنطقة.
وذكرت وكالة "فرانس برس" أن جمعة متورط باغتيال حاكم ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بعد اختطافه إثر مقابلة هاتفية مع قناة تلفزيونية سعودية، انتقد خلالها قوات الدعم السريع.
وحول العقوبات يقول الأكاديمي السوداني، إنها "تشير إلى ضوء أخضر أمريكي للبرهان الذي يرى واشنطن حليفا يمكن أن يمنحه شرعية دولية، خصوصا أن هناك لقاءات جمعت مسؤولي استخبارات من البلدين برعاية أفريقية".
وأوضح، أن "العقوبات تشير لحالة من التخادم بين الطرفين، فالولايات المتحدة متخوفة من أن تكون قوات الدعم السريع بوابة روسيا لدخول السودان، كما أن البرهان لا يبدو متحمسا كثيرا للمعسكر الشرقي المتمثل في الصين وروسيا".
وعن تأثير العقوبات الأمريكية على قادة الدعم السريع أكد ناصر، أن "العقوبات ستؤثر على تلك القوات وستضيق عليها بشكل أكبر كما أنها ستقوض من قدرتها على المناورة".