كتاب عربي 21

"ذكريات مذبحة" تطارد السيسي ويطاردها

أسامة جاويش
الجميع يعلم أن رابعة ليست ذكريات تعرض في فيلم وثائقي فقط وإنما هي عدالة غائبة تبحث عن القصاص من مرتكبيها وعلى رأسهم السيسي.  (عربي21)
الجميع يعلم أن رابعة ليست ذكريات تعرض في فيلم وثائقي فقط وإنما هي عدالة غائبة تبحث عن القصاص من مرتكبيها وعلى رأسهم السيسي. (عربي21)
يوم الثالث من أغسطس الجاري، شرفت بتقديم العرض الخاص للفيلم الوثائقي العالمي "ذكريات مذبحة" والذي عرض داخل واحدة من أهم وأكبر القاعات في بريطانيا وهي الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون "بافتا".

قبل 10 سنوات كنت هناك، كنت في رابعة، هكذا بدأت كلمتي الافتتاحية وأنا أتذكر تلك الساعات العصيبة، لم أنس قط الأحداث المأساوية التي حدثت في رابعة ولم أكن أرى أثناء تقديمي لهذا الحفل أي شيء أمامي غير الدخان الكثيف ومدرعات الجيش والشرطة التي ارتكبت مذبحة رابعة منذ عشر سنوات..

"عملية فض الاعتصام تتم بقرار من النيابة العامة"

لم أستطع أن أنسى ذلك الصوت الرهيب لصفارات الإنذار لمدرعات الشرطة التي شاركت في فض الاعتصام وما صاحبها من ترديد لهذه العبارة المقيتة، لقد مرت علي ليال طويلة استيقظت فيها فزعا وأنا أسمع تلك العبارة ولا زال يتردد في أذني صوت صفارات الإنذار بعد عشر سنوات..

كشاهد عيان على المذبحة التي وقعت في ذلك اليوم، يمكنني أن أشهد على حجم الرعب والدمار الذي لحق بالمتظاهرين السلميين الذين تجمعوا في رابعة للمطالبة بعودة الديمقراطية ورفض الانقلاب العسكري ولكن مطالبهم قوبلت بعنف الدولة ودولة العنف فقتل الجيش والشرطة في ذلك اليوم ما يقارب ألف شخص في أقل من عشر ساعات وفق بيان نشرته منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقي في أغسطس من عام ألفين وأربعة عشر.

ذكريات مذبحة، كان هذا اسم الفيلم الذي استغرق ساعة وبضع دقائق ليحكي لنا فيها عن ذكريات الثورة وإسقاط مبارك مرورا بالانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس محمد مرسي وصولا للانقلاب العسكري ومذبحة رابعة العدوية.

تفاعل الحضور بمختلف أعمارهم مع الشهادات التي رواها الفيلم بمهنية وموضوعية عالية، رأيت أطفالا صغارا يبكون أثناء عرض هذا الفيلم وسألني أحدهم ولم يتجاوز عمره عشر سنوات متعجبا: هل عشتم هذه المذبحة بالفعل؟ ثم انفجر باكيا.

عندما تشاهد بين رودس نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهو يروي كواليس البيت الأبيض بعد الانقلاب العسكري وارتكاب الجيش لمذبحة رابعة العدوية، وعندما تستمع إلى شهادة كريج سومرز رئيس الأمن في قناة سكاي نيوز البريطانية معلقا على مقتل زميله المصور مايكل دين، وعندما تستمع إلى شهادة ديفيد كيرباتريك مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في القاهرة آنذاك، كلها شهادات موثقة من مصادر لها مصداقية عالية، عندما تستمع إلى كل هذا لا يمكنك إلا ان تضحك على الاتهامات والحملة الإعلامية الشعواء التي شنها الإعلام المصري الناطق باسم السيسي وعلى رأسه أحمد موسى ضد فيلم ذكريات مذبحة.

الدرس المستفاد من الأيام الماضية يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن رابعة هي مذبحة تطارد عبد الفتاح السيسي ورجاله، يرونها في كوابيسهم كما نراها نحن ضحاياها، تطاردهم استغاثات الجرحي الذين أمروا بقتلهم داخل المستشفى الميداني، تلاحقهم صرخات الأطفال الذين أمروا بقنص أبائهم، تقلقهم وتخيفهم كلما تحدث عنها أحد.
الحملة الإعلامية التي شنتها وسائل إعلام مصرية وعربية ضد صناع الفيلم ومن قاموا على العرض الخاص هو دليل جديد على خوف السيسي ونظامه من إحياء ذكرى المذبحة.

الخوف الشديد الذي بدا عليهم هذه المرة ينبع من أنها المرة الأولى التي تتحول رابعة إلى قضية دولية تخاطب جمهورا آخر بلغة مختلفة، ضيوف الفيلم جلهم من غير المصريين، صناع الفيلم كذلك، حتى غالبية المتحدثين في الندوة التي أعقبت العرض الخاص ليسوا من مصر أيضا وهذا يزعج النظام في مصر كثيرا.

حاول السيسي ونظامه وإعلامه وسفارته في لندن أن يمنعوا عرض الفيلم الوثائقي العالمي ذكريات مذبحة وبذلوا في ذلك كل السبل، شنوا حملة إعلامية في مصر، نشروا مجموعة من المنشورات التحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، حشدوا للتظاهر أمام مقر العرض الخاص للفيلم، تواصلوا مع كل الجهات لإلغاء الحفل، حاولوا إفساد العرض الخاص بطرق مختلفة ولكن الفشل كان صديقا لهم في كل خطواتهم البائسة.

حملتهم الإعلامية كانت خير دعاية للفيلم، منشوراتهم التحريضية استفزت الجميع للحضور من كل مكان في بريطانيا وخارجها، لم يستجب أحد لحشدهم أمام مقر عرض الفيلم، وخرج الحدث بنجاح باهر بشهادة كل الحضور.

الدرس المستفاد من الأيام الماضية يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن رابعة هي مذبحة تطارد عبد الفتاح السيسي ورجاله، يرونها في كوابيسهم كما نراها نحن ضحاياها، تطاردهم استغاثات الجرحي الذين أمروا بقتلهم داخل المستشفى الميداني، تلاحقهم صرخات الأطفال الذين أمروا بقنص أبائهم، تقلقهم وتخيفهم كلما تحدث عنها أحد.

الجميع يعلم أن رابعة ليست ذكريات تعرض في فيلم وثائقي فقط وإنما هي عدالة غائبة تبحث عن القصاص من مرتكبيها وعلى رأسهم السيسي.
التعليقات (8)
محمد ادنصر
الثلاثاء، 08-08-2023 10:09 م
هذا المقال البليغ الذي اعتبره جزءا من هذا الوثائقي , يعبر عن الفاجعة المؤلمة والعدالة الغائبة والتواطئ الكبير في حق دماء ثلة من المصريين العزل , لهم قضية ورأي ومبدأ ! هذا الوثائقي يضع القطار في أعمدة سكته الصحيحة , وأعتقد أنه أول قطرة لغيث العدالة والقصاص والحساب العسير , يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين !
كيف ستكون الثورة القادمة و ما هو البديل
الأحد، 06-08-2023 01:58 م
مع الأسف الشديد كل فريق من فرق المعارضة الخارجية فرح باي سبق اعلامي او تسريب او فضيحة لنظام متشولح الحاكم و كأن هدف المعارضة الخارجية هو جني الشهرة و الأرباح. حتى الدعوات الثورية التي صدرت عن المعارضة الخارجية عبارة عن استعراض كل صاحب دعوة يريد أن يستعرض حجم متابعيه على وسائل التواصل و يتباهى بهم أمام زملائه من المعارضين بالخارج و اغلبهم إعلاميين .... و كل منهم يتباهى في كل حلقة من حلقاته ان هو الوحيد الذي صدقت نبوءاته و توقعاته دونا عن بقية زملائه....... فكلهم جميعا يسعى على أكل عيشه و هذا ليس عيبا و لكن العيب انهم ينسون أنفسهم و كل منهم يتخيل نفسه القائد المنتظر و مع الأسف فكلهم مقدمي برامج و ليس فيهم من لديه فكر او رؤية او على استعداد لبذل اي مجهود و لو ذهنيا .... و كلهم يرى انه هو من يجب أن يكون في المقدمة ..... الم يتعظ هؤلاء من تخلف ما كانوا يسمون أنفسهم ثوار يناير؟؟؟؟
صلاح الدين الأيوبي
الأحد، 06-08-2023 01:44 م
كنت أتمنى أن تحل الذكرى العاشرة للمذبحة ومرتكبيها على أعواد المشانق، لكن ما علينا كله بأوانه. د أسامة شكرا على مجهودكم الرائع، لكن أرجوك، إياك أن ترضى بهذا العرض وكفى، بل اجعله مجرد بداية لعرض الفيلم بلغات أوروبا المختلفة بأهم دور العرض، يجب أن يدبلج الفيلم ولا يترجم للألمانية والفرنسية والهولندية والبلجيكية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية والسويدية وووو لا أدري من يمول هذا لكن الكثير يمكن عمله تطوعيا وأنا جاهز للمساعدة بعدة لغات إن أعلنت بموقعكم عن فتح باب التطوع. ليس لهذا فقط بل لأعمال أخرى ومواقع إلكترونية وخلافه. يجب تكثيف المجهود، الناس جالسة بالبيوت محبطة يا دكتور، فلماذا لا نشمر أيدينا ونسمي الله ونعلنها حربا إعلامية على هذا الكلب.
متى تنتصر الثورات وتطيح بحكامها المستبدين؟
الأحد، 06-08-2023 06:34 ص
*** 5- المقدام: - لا يمكن لأي سلطة حاكمة مواجهة مظاهرات شعبية عنيفة مستمرة، ومنتشرة في طول البلاد وعرضها، وستتفكك السلطة وتنهار أمام ثورة يشارك فيها الملايين على مدى أيام وأسابيع وأشهر، ومن أهم الفئات المشاركة فيها المجندون السابقون (وهم قلب جيش مصر الحقيقي الأكثر تضحية) من الفئات المهمشة من غير ذوي المؤهلات، فهم الأكثر معاناة في الشعب المصري، وهم الأكثر قدرة على مواجهات الشوارع العنيفة، اكتسبوا صلابتهم من تحملهم للمشقات في حياتهم، وهم منتشرون في كل قرى مصر وأحيائها البعيدة المهمشة، وهي مناطق يستحيل السيطرة عليها، والسيسي كاذب عندما يقول بأنه يستطيع أن ينشر الجيش المصري في كل أنحاء مصر وقراها في ست ساعات، فالقوات النظامية قليلة في أفرادها، بطيئة في حركتها، وانتشارها يشتت قواتها ويضعف مهامها، ويقلل من ترابطها، ولا يمكن من إحكام السيطرة عليها، ويضعف الروح المعنوية لجنودها، وعندما تطول الثورة سيتمرد المجندون على ضباطهم، وينحازوا لأهاليهم، وسيتعاطف معهم كثيراً من صغار الضباط، الذين يعانون هم أنفسهم من الواسطة والمحسوبية وعدم المساواة بين ضباط الجيش وقياداته وشيوع الفساد بينهم، وقوة الثورات الشعبية تكمن في توقيت انفجارها الجمعي، وفي تضخم أعداد ملايين الجماهير المشاركة فيها، وهم أقدر على سرعة الحركة والانتشار في أحيائهم وقراهم، التي تمثل قاعدتهم الشعبية الواسعة التي تدعمهم وينطلقون منها خارج نطاق السيطرة.
متى ستنفجر الموجة الثورية القادمة؟
الأحد، 06-08-2023 06:24 ص
*** 4- المقدام: - ثورة محدودة تنفجر قبل أوانها يسهل قمعها، فالثورات تقوم ضد حكم استبدادي تجذر، وتجمعت حوله طبقة انتهازية مستفيدة منه، احتكروا مصادر القوة والسلطة والمال في المجتمع والدولة فيما بينهم، ووظفوها للسيطرة على شعوبهم المنهوبة، واستعانوا بقوى خارجية لدعمهم، وتثبيت أقدام حكمهم، وتم تجنيد جماهير عريضة من النفعيين والسفهاء والإمعات كظهير شعبي من حولهم لتأييدهم، بإقناعهم بأن حاكمهم الجديد المتمكن هو ولي نعمتهم والأمين عليهم، والقادر وحده على توفير الأمن وسبل العيش لهم، ولكن الانتهازيون الفاسدون في الداخل والخارج سرعان ما يدب الخلاف بينهم، ويتنازعوا على مراكز السلطة والنفوذ والمغانم المنهوبة، ويفضح ويزيح بعضهم بعضاً، وجماهير الشعب المخدوعة بالوعود الكاذبة، تستيقظ على الواقع المؤلم للفساد، بعد أن تتدهور معيشتهم إلى حضيض الفقر، وهي المرحلة التي نعيشها اليوم، وستشعر في تلك اللحظة بالروح الثورية، وباستعداد وتصميم غالبية المواطنين على دخول المواجهة، مهماً كانت التضحيات والنتائج، فتنفجر الثورات الشعبية تلقائياً ضد السلطات الحاكمة، وستتزامن مع موجة جديدة لثورات الربيع العربي، والثورات لا تبني ولا تصلح، بل تدمر ما في طريقها من مصادر الفساد، والجماهير ترد على من قمعها ونهبها وأفقرها وأذلها بعنف يتناسب مع درجة العنف الذي مورس ضدها، والبناء والإصلاح والمصالحة الوطنية لا تأتي إلا في مرحلة جديدة لاحقة للثورة التي فتحت الطريق لها.