مع مرور
الذكرى السنوية الأولى لقتل الصحفية الفلسطينية
شيرين أبو عاقلة على يد جيش الاحتلال
في مخيم جنين بالضفة الغربية، يتضح أن قتلها لم يكن حادثة منعزلة، وفقا لتقرير نشرته
"لجنة حماية الصحفيين" وثقت فيه عشرين حالة
قتل فيها الجيش
الإسرائيلي صحفيين
في قطاع غزة والضفة الغربية، ولم يتحمل مسؤولية واحدة منها قط.
منذ
انقضاء ذلك العام، أجرت العديد من وكالات الأنباء الأمريكية عدة تحقيقات مستقلة حول
جريمة اغتيال أبو عاقلة، منها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"أسوشييتدبرس" ومجموعة الأبحاث الهولندية "بيلنجكات" و"لجنة
حماية الصحفيين" (CPJ). وتوصلوا جميعًا إلى نفس النتيجة أن نيرانا قاتلة أطلقت من قبل الجيش الإسرائيلي، وعثرت شبكة "CNN" على أدلة بوقوع هجوم متعمد، ووجدت مجموعة الأبحاث "Forensic
Architecture" في لندن ومنظمة "الحق" من رام
الله دليلاً على أن جنديًا إسرائيليًا أطلق النار على شيرين وزملائها بنية قتلهم.
أمير
بن ديفيد المراسل العسكري لموقع "
زمن إسرائيل"، أكد أنه "بعد أشهر
من مأساة قتل شيرين، خلص تحقيق جيش الاحتلال إلى أن هناك "احتمالًا كبيرًا"
أن أحد الجنود أطلق النار "بطريق الخطأ" عليها أثناء إطلاق النار على مسلحين
فلسطينيين، ناقلا عن أورلي هالفيرن من لجنة حماية الصحفيين أن جيش الاحتلال قدم مزيدا
ومزيدا من الأعذار المألوفة جدًا بالنسبة لي، فأنا صحفي هنا لأكثر من عشرين عاما، ولكن
تأكد لي أن مقتل شيرين لم يكن حادثة منعزلة".
وأضاف
في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الجيش قتل 18 صحفيا فلسطينيا ومراسلين
أجنبيين أوروبيين؛ دون مقاضاة أي جندي، أو الاعتراف بمسؤوليته عن الوفيات. وقبل حلول
الذكرى السنوية الأولى لقتل شيرين، أعادت لجنة حماية الصحفيين فحص هذه الحالات العشرين،
وحددت أن النمط السائد في الرد الإسرائيلي هو التنصل من المسؤولية، وعدم إجراء تحقيقات
كاملة في عمليات القتل هذه، وهي تجري تحقيقات معمقة أكثر فقط عندما يكون الضحية أجنبياً،
واستمرت التحقيقات لأشهر أو سنوات، وانتهت بتبرئة الجنود من أي ذنب".
وأكد
أن "الجيش دأب باستمرار على الادعاء أن جنوده يتعرضون للهجوم، ويرفضون إعادة النظر
بقواعد إطلاق النار، وفي 13 حالة، لم يُعط وزن لشهادات الشهود والتقارير المستقلة،
بل إن الجيش يغضّ الطرف، مع أن تحقيقاته سرية، ولا يقدم أدلة على استنتاجاته، وفي بعض
الحالات يصنّف الصحفيين بأنهم إرهابيون، وفي حالات أخرى لا يتم التحقيق بمقتل الصحفيين
على الإطلاق، والنتيجة نفسها دائمًا، لا أحد يتحمل المسؤولية. ولذلك فإن من الصعب فهم عدم
تعاون إسرائيل مع جهات التحقيق الدولية، بهذه الطريقة غير اللائقة".
غيوم
لابيلا رئيس رابطة
الصحافة الأجنبية في "إسرائيل"، أوضح أن "معظم الإسرائيليين
لا يهتمون بموت الفلسطينيين، حتى لو كانوا صحفيين، وأدى الافتقار للمساءلة إلى خلق
بيئة أكثر خطورة على الأرض للمراسلين المحليين والأجانب، ويخشى العديد من المراسلين
الذين يتحدثون عن المداهمات والتوترات المماثلة، وزادت بشكل كبير منذ مقتل شيرين، أن
يتم إطلاق النار عليهم. وإذا كان ممكنا قتل صحفي بجواز سفر أمريكي، مثل شيرين دون عواقب
قانونية، فإن باقي الصحفيين يخشون أن مصيرهم نفسه قد يصيبهم بسهولة في المستقبل".
وأشار
إلى أن "هذا الشعور بالضعف قوي بين الصحفيين الفلسطينيين، ويخشى بعضهم أن يتم
إطلاق النار عليهم بقصد، وقد أرسلت لجنة حماية الصحفيين طلبات عديدة للمتحدث باسم الجيش
لمقابلة مدعين عسكريين، لكن الطلبات رُفضت، وطوال الوقت تحدثت مع أدنى رجل في التسلسل
الهرمي للمتحدث باسم الجيش، ولم يُسمح لي بوصول مكتب المدعي العسكري، وفي كل لقاء يردون
علي بكلمة "سنرى، سنرى، سنرى"، ثم دعوني للقاء مع المتحدث باسم الجيش، ولم
يوافقوا على تسجيل الاجتماع، وفي النهاية أتت الإجابات عامة ومراوغة".
وأشار
إلى أن "موقف الاحتلال من قتل الصحفيين تغير قبل الانتفاضة الثانية وبعدها، وجاء
التغيير الكبير في 2010 في حادثة سفينة مرمرة، وقتل مواطنون أتراك على متنها، وأدرك
أفيخاي ماندلبليت كبير المدعين العسكريين حينها أن مشكلة بدأت في الظهور أمام المحكمة
الجنائية الدولية في لاهاي، وكان الخوف أن يتم اعتقال الإسرائيليين، بما في ذلك كبار
المسؤولين، ولهذا السبب تم إنشاء لجنة تيركل وإحضار خبيرين في القانون الدولي من الخارج،
وما على إسرائيل فعله للوفاء بالمعايير الدولية".
وأكد
أنه "في حالة قتل شيرين، فإن شهرتها كبيرة، والضغط الدولي كبير، ولم تستطع إسرائيل
استخدام استراتيجياتها بالتملّص، لذلك اعترفت بفتور وتلعثم، بين الاعتراف بأنه لم يكن
عن قصد، وإبداء الأسف، ونحاول عدم السماح بحدوثه مرة أخرى، ولكن لم تتم مقاضاة أحد،
ولم يتم الكشف عن مواد التحقيق، لكن سبب عدم محاكمة أي جندي حتى الآن لقتله صحفيا هو
عدم وجود حافز لأحد في إسرائيل للقيام بذلك، بزعم أن إدانة أي منهم ستدمر حياته، هناك
50 مهنة سيتم إغلاقها أمامه في الحياة المدنية لمدة 17 عامًا إذا تمت إدانته".
تؤكد
هذه الإفادات أن استهداف الاحتلال للصحفيين ووسائل الإعلام الفلسطينية والأجنبية، ليس
سلوكًا ميدانيًّا فقط يقوم به تجاههم في الميدان، بل توجهًا سياسيًّا أمنيًّا مدروسًا
تقوم به المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية، ويُعبِّر عن سياسة الدولة، ويبدو
ذلك من خلال مساهمة السياسات الإسرائيلية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام الفلسطينية والدولية
في زيادة العراقيل والقيود أمام نشاطها المهني، سواء القيود الميدانية المتعلقة بإعاقة
تحركات الصحفيين، وتنقلهم بين المدن الفلسطينية، أو السياسات التحريرية داخل غرف التحرير.