قضايا وآراء

عن أهمية التشكيل في العمل الصحفي!

أسامة الرشيدي
جيتي
جيتي
في آذار/ مارس الماضي، أعلن البنك الدولي في بيان، عن إطار شراكة جديد مع مصر، بقيمة 7 مليارات دولار، للسنوات المالية 2023- 2027، يتضمن تقديم مليار دولار سنويا من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وحوالي ملياري دولار خلال فترة الشراكة بأكملها من مؤسسة التمويل الدولية، وذلك بهدف "دعم جهود مصر لتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق تنمية خضراء قادرة على الصمود وشاملة للجميع".

الغريب أنه بعد نشر البنك الدولي لهذا البيان، تحدثت وسائل إعلام عن أن تلك الشراكة ليست بين مصر والبنك الدولي فحسب، بل مع دولة قطر أيضا، مفسرين ذلك بأن الدوحة هي التي ستقدم هذا المبلغ الضخم. وتجاوز بعض المذيعين من مجرد عرض الخبر بصيغته المشوهة تلك، وقدموا تحليلات لهذا الموقف "القطري" الجديد، وتأثيره على السياسة والاقتصاد في مصر(1). وأكد أحدهم أن دولة قطر قررت مساعدة الإدارة المصرية على تجاوز أزمتها الاقتصادية الحادة التي تواجهها في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن ذلك مرتبط بإعلان السياسي أحمد الطنطاوي موعد عودته إلى مصر بعد غياب لأشهر خارجها، استعدادا للمشاركة في الحياة السياسية والترشح للانتخابات الرئاسية(2)!

الطريف أن دولة قطر لم تشترك أصلا في هذه الشراكة بين مصر والبنك الدولي، ولا علاقة لها بالموضوع من قريب أو من بعيد، وكل ما في الأمر أن بيان البنك الدولي تحدث عن شراكة "قُطرية"، بضم القاف وتسكين الطاء، أي أنها تشمل جميع أنحاء مصر، لكن البعض لم ينتبه لهذا التشكيل، وقرأوها "شراكة قَطَرية"، بفتح القاف والطاء!

سبقت هذه الواقعة حادثة أخرى أثارت الجدل، ففي نيسان/ أبريل 2022، نشرت الصحف والمواقع الإخبارية المصرية تصريحات تلفزيونية أدلى بها رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، بشأن ضوابط حضور الأطفال لصلاة عيد الفطر(3). وتضمنت تلك الضوابط، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام عن المسؤول، أن يكون الطفل "مميزا"(4)، لتندلع عاصفة من الجدل والسخرية على مواقع التواصل حول هذه الصفة، وتساءل البعض عن مواصفات هذا الطفل المميز، وكيف يمكن تقييم هذا التمييز؟ ولماذا يُحظر على الأطفال غير المميزين أداء صلاة العيد؟ وغيرها من الأسئلة التي كان سببها الأساسي إهمال الصحف والمواقع التي نقلت تلك التصريحات لتشكيل كلمة "مميز"، فالمسؤول قال إن الطفل يجب أن يكون "مميِّزا"، بتشديد الياء وكسرها، أي أن يكون قادرا على التمييز، ولم يستخدم كلمة "مميَّز" بتشديد الياء وفتحها، وبالتالي كان هذا الجدل بلا أساس.

تكشف هاتان الواقعتان عن الكثير من السلبيات في العمل الصحفي العربي. ففي الحالة الأولى، استسهل بعض الصحفيين واستعجلوا النشر دون تعمق، وتكاسلوا عن البحث في أصل الموضوع، وامتنعوا عن الحديث مع مصادر أخرى للتأكد من صحة المعلومة، واكتفوا بالاستعانة بالبيان الرسمي، رغم أن كلمة "قُطرية" كانت مكتوبة بالتشكيل فيه! وهو ما يبرّئ ساحة البنك، ويشير إلى انخفاض كبير في كفاءة الصحفيين الذين وقعوا في هذا الفخ. فلو كانت دولة قطر شريكة بالفعل مع مصر والبنك الدولي، فهذه نقطة غريبة كان يجب أن تستدعي فضول الصحفي وتدفعه للتقصي عنها والاستفسار عن أسبابها وتداعياتها، لا الاكتفاء بنشر الخبر دون تدقيق، بل والتعليق عليه والربط بينه وبين أخبار أخرى في الشأن الداخلي المصري مثلما فعل البعض!

أما في الحالة الثانية، فقد تكاسل المحررون عن وضع التشكيل اللازم على الكلمة، والتي كانت ستوضحها وتغني عن الجدل الذي أثير، والذي استعدى توضيحا من الوزارة. بالطبع لا يجب تشكيل جميع الكلمات في الأخبار، لأن ذلك يبطّئ من سرعة القراءة، ويضايق القراء، لكن يجب على المحررين تشكيل الكلمات التي تحتمل أكثر من معنى، لأن الالتباس فيها قد يتسبب في مشكلات كبيرة.
__________
المصادر

(1) "شراكة جديدة مع البنك الدولي بـ7 مليار دولار"، قناة الشرق، 23 آذار/ مارس 2023.

(2) "ما علاقة عودة أحمد طنطاوي بتعويم قطر للسيسي"، عماد البحيري، 22 آذار/ مارس 2023.

(3) "موعد السماح بإقامة صلاة التهجد وحقيقة إيقاف الصلاة بمسجد المراغي"، إم بي سي مصر، 26 نيسان/ أبريل 2022.

(4) "وزارة الأوقاف: لا مانع من حضور الأطفال صلاة عيد الفطر بالمساجد"، الأخبار، 26 نيسان/ أبريل 2022.
التعليقات (0)