اقتصاد دولي

كيف تتضارب مصالح روسيا وأوبك والغرب في سوق النفط العالمي الجديد؟

يمكن رؤية مدى نجاح روسيا في إخراج السعودية وأوبك من أسواق بيع النفط الرئيسية - جيتي
يمكن رؤية مدى نجاح روسيا في إخراج السعودية وأوبك من أسواق بيع النفط الرئيسية - جيتي
نشر موقع "أويل برايس" الأمريكي مقال رأي لسيمون واتكنز، تحدث فيه عن الصراع القائم بين مشتري النفط ومصدّريه حول الأسعار، وما يعنيه ذلك بالنسبة لمصالح روسيا والولايات المتحدة والدول المصدرة للنفط.

وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التصريح الأخير الذي أدلى به الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" هيثم الغيص، بشأن ضرورة أن تكون الوكالة الدولية للطاقة "حذرة للغاية بشأن المضي في مزيد تقليص" استثمارات صناعة النفط، يشير إلى استمرار الحرب بين مشتري النفط المتحالفين مع الولايات المتحدة وكبار مصدّري النفط في مجموعة أوبك.

وتوضّح أحدث الأخبار حول تخفيض روسيا حصة أوبك من واردات الهند النفطية - أحد أكبر مشتري النفط العالميين - إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقدين، مكانة روسيا في النظام العالمي الجديد لسوق النفط.

وأشار الكاتب إلى أن الغيص أصاب في قوله إن الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة يتطلب إدارة حذرة؛ لضمان عدم حدوث انقطاع في إمدادات الطاقة العالمية المستمرة، وهذا يتطلب الاستثمار. لكنه أخطأ في حديثه عن ضرورة أن تكون أسعار خام برنت أعلى من 80 دولارًا للبرميل لتمكين مثل هذا الاستثمار.

وذكر الكاتب أن تكلفة استخراج النفط في العديد من الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك - السعودية والعراق وإيران - لا تتجاوز دولارا أو دولارين للبرميل الواحد، وتصل إلى 8 دولارات باحتساب بقية النفقات الرأسمالية. والهامش بين التكلفة الفعلية لاستخراج النفط وسعر 80 دولارًا يتم احتسابه في الغالب في الميزانيات الحكومية لدول أوبك، من خلال الاستثمار في مشاريع أخرى تديرها الدولة غير مرتبطة بقطاع الطاقة، وليس من خلال الاستثمار في البنية التحتية للطاقة.

اظهار أخبار متعلقة



ونجد في الجانب الآخر من معادلة أسعار النفط الولايات المتحدة وحلفاءها الاقتصاديين والأمنيين الرئيسيين في كل من أوروبا وآسيا. فبالنسبة لهذه البلدان المورّدة للنفط والغاز، فإن بقاء خام برنت فوق عتبة 80 دولارًا وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي يعني استمرار التضخم لفترة أطول، وكذلك أسعار الفائدة، ما سيزيد من الضرر الاقتصادي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن لهذه المخاوف تداعيات اقتصادية وسياسية. فعلى الصعيد الاقتصادي، ينتج عن كل تغيير في سعر خام برنت بمقدار 10 دولارات زيادة بهامش 25-30 سنتًا في سعر غالون البنزين. ومقابل كل سنت يزيده متوسط سعر غالون من البنزين، يُفقد أكثر من مليار دولار أمريكي سنويًا من الإنفاق الاستهلاكي، ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي. وسياسيا، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كانت فرص إعادة انتخاب أي رئيس أمريكي أعلى في حال لم يكن الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود قبل فترة الانتخابات.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الأسباب تفسر سعي الولايات المتحدة الدؤوب للحفاظ على نطاق سعري محدد لخام برنت لا يقل عن 40-45 دولارًا للبرميل، ولا يزيد على 80 دولارا. وخلال فترة رئاسة دونالد ترامب، تم تجاوز "نطاق أسعار النفط الأمريكي" مرة واحدة فقط لمدة ثلاثة أسابيع تقريبًا من نهاية أيلول/ سبتمبر 2018 إلى منتصف تشرين الأول/ أكتوبر.

وفيما يتعلق بروسيا العضو في تحالف أوبك +، فقد حققت لسنوات عديدة إلى حين غزوها أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 سعر التعادل بحوالي 40 دولارًا للبرميل، وهو نفس السعر الذي يمكن أن يحقق عنده منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة أرباحًا جيدة وحوالي نصف سعر التعادل في السعودية. لكن تغيرت الأمور في روسيا الآن ليبلغ سعر التعادل 115 دولارًا تقريبا هذه السنة. والنقطة الأساسية أن روسيا واجهت في أعقاب غزو أوكرانيا العديد من عمليات الحظر وتسقيف أسعار المنتجات الهيدروكربونية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في حدود 60 دولارا للبرميل.

اظهار أخبار متعلقة



بالنظر إلى هذه العوامل، اتبعت روسيا استراتيجيةً واضحة وفعّالة للغاية، تقوم على إقناع السعودية - القائد الفعلي لأوبك - بالترفيع في أسعار النفط ضمن المجموعة قدر الإمكان، بينما تبيع نفطها بسعر مخالف أعلى من سقف الأسعار الرسمي المفروض عليها بوجود العديد من المشترين الراغبين في الحصول على النفط الروسي بأقل سعر، سواء كان عند أو أعلى من الحد الأقصى البالغ 60 دولارًا. وفي الواقع، لا يكترث العديد من المشترين الرئيسيين للنفط - أبرزها الصين والهند - بالعقوبات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا. ومن جهتها، لا تبدو الولايات المتحدة منزعجة من مبيعات النفط الروسي بأسعار أقل مما تعتمده دول أوبك؛ لأن ذلك من شأنه خفض أسعار النفط داخل سوق النفط العالمي الأوسع.

وأوضح الكاتب أنه يمكن رؤية مدى نجاح روسيا في إخراج السعودية ومجموعة أوبك من الأسواق الرئيسية لبيع النفط واستغلال الفجوة في الأسعار في أحدث الأرقام الخاصة بواردات الهند النفطية. فوفقًا لأحدث أرقام هذه الصناعة، تراجعت حصة أعضاء أوبك من سوق النفط الهندي إلى 59 بالمئة في السنة المالية حتى آذار/ مارس 2023 مقارنة بـ 72 بالمئة في السنة المالية 2021/ 2022. وقد تفوّقت روسيا على العراق لأول مرة كأكبر مصدّر للنفط إلى الهند، لتتراجع بذلك المملكة العربية السعودية إلى المرتبة الثالثة، حسب أحدث البيانات.
التعليقات (0)