لأول
مرة في تاريخ
مصر، يتخطى سعر غرام
الذهب حد الثلاثة آلاف
جنيه، نحو "100 دولار"،
وذلك وسط تسارع كبير من المصريين بتغيير ما لديهم من عملات محلية إلى المعدن الأصفر.
وتسبب
تآكل قيمة الجنيه المصري خلال نحو عام، مقابل الدولار، في توجه المصريين لشراء الذهب،
ما زاد من الطلب على المعدن النفيس، ليصل سعر عيار الـ"24" منه إلى 3057 جنيها (101.9 دولار)، وسجل عيار الـ"21" المفضل لدى المصريين نحو 2675 جنيها (89
دولارا)، بحسب
أسعار السبت.
وقال
متحدثون لـ"عربي21" إن سعر الذهب يتداول محليا وفقا لسعر صرف الجنيه مقابل
الدولار بأعلى من السوق الرسمية بـ23 جنيها، ومن السوق الموازية بـ13 جنيها، حيث وصل
إلى نحو 53 جنيها، في رقم تاريخي غير مسبوق.
اظهار أخبار متعلقة
"تضارب
مريب"
ووسط
غياب الرقابة الحكومية على أسواق الذهب ومحلات الصاغة رغم توفير وزارة الداخلية الحماية
الأمنية لها، يتغير سعر الذهب من محل إلى آخر في نفس اللحظة وبنفس المدينة أو الحي،
كما يختلف سعر البيع عن المعلن رسميا من شعبة الذهب بغرف التجارة المصرية، وفق ما أكدته
عدد من المصريات المقبلات على الشراء، في حديثهن لـ"عربي21".
وقلن
إنهن "يتابعن سعر غرام الذهب في اليوم أكثر من مرة عبر مواقع الأخبار المحلية
وبالإنترنت، ولكنهن عند الذهاب إلى محلات الصاغة، يجدن أسعارا أخرى، أعلى عند الشراء،
وأقل عند البيع"، مبينات أن "مخاوفهن أصبحت كبيرة من هذا التضارب والتلاعب".
وقالت
إحداهن، لم تكشف عن اسمها: "ظللت أضع مبلغ 120 ألف جنيه في ودائع البنوك المصرية،
وأنقلها من شريحة إلى شريحة أعلى، مدة 7 سنوات، وفي النهاية لم تزد بل خسرت قيمتها،
فقررت سحبها وشراء ذهب بها"، موضحة أن "مكسبها مع صعود الذهب كبير، ولكنها
تخاف من انهيار سعره مجددا".
وأشارت
أخرى إلى أن "ارتفاع أسعار الذهب بهذا المعدل يعد كارثة كبيرة على زواج الأولاد
والبنات"، متسائلة في حديثها لـ"عربي21": "من يمكنه شراء شبكة
اليوم؟"، مضيفة: "حتى ثمن الدبلة أصبح في غير مقدرة الشباب".
"مقترحات
رسمية"
وفي
أول رد فعل من البرلمان طالبت النائبة إيلاريا سمير حارص، السبت، بإعفاء القادمين من
الخارج من جمارك الذهب، مؤكدة أن ذلك يسهم في خفض سعره بالداخل.
وأشار
وزير التموين علي المصيلحي، السبت، إلى دراسة فكرة السماح للمصريين العائدين من الخارج
بإدخال كميات محدودة من الذهب بدون جمارك، خاصة أن الذهب بالخارج أرخص من الداخل، لافتا
إلى أنه سيقدم للبرلمان مقترحا في هذا الشأن.
ولم
يحمل الوزير سياسات حكومته السبب في تفاقم أسعار الذهب، بل أرجعها إلى أن "العرض
والطلب السبب الرئيسي في زيادة السعر، بجانب السعر العالمي والدولار"، معترفا
بأن "كمية الذهب محدودة جدا وأن هناك فجوة في الأسعار".
"خارج
الأولويات"
وحول
حقيقة ما يجري بسوق الذهب المصرية، قال رئيس شعبة المشغولات الذهبية في "اتحاد
الصناعات المصرية" سابقا، رفيق عباسي، إن "ما يجري هو تكالب كبير من المشترين
على اقتناء المشغولات الذهبية، وشراء السبائك، في ظل ضعف المعروض من الذهب".
وقال
لـ"عربي21": "معروف اقتصاديا أن أي سلعة يكون عليها تكالب يزيد سعرها"،
موضحا أنه "مع ذلك فإنه لا أحد يعمل في سوق الذهب يعرف ماذا يجري في هذا القطاع
في مصر، ولا متى يتوقف هذا التسارع في الأسعار، ولا كيف يمكن ضبطه".
وأكد
أن "سوق الذهب في مصر ترتبط بـ3 أمور، أولها: حركة البورصة في سوق الذهب التي
لم يطرأ عليها تغيير كبير، وثانيها: علاقة الجنيه بالعملات الأجنبية وخاصة الدولار
الأمريكي، وهو دائما العامل الأقوى والأكثر تأثيرا في سعر الذهب، وثالثا: حجم العرض
والطلب الذي كان لا يؤثر كثيرا في السابق".
وعن
أسباب الارتفاع الجنوني لأسعار الذهب في مصر، قال عباسي: "سابقا، كان مسموح للتجار بالحصول على الدولار من البنوك لشراء الذهب من الخارج، أما الآن، فهناك لدى الحكومة
المصرية أولويات بملف الاستيراد، وخرج الذهب من تلك الأولويات، ولن تمنحك البنوك دولارا،
وتضطر لشرائه من السوق السوداء".
وعن
اختلاف أسعار الذهب من محل إلى آخر ومن مكان إلى آخر، أكد أن "الطلب كبير، والزبون
يشتري، فيضطر التاجر لتلبية تلك الرغبة فيقوم بالشراء هو الآخر، بسعر أعلى لأن لديه
من سيشتري بأي سعر كان".
اظهار أخبار متعلقة
"هل
من حل؟"
وبشأن
الحل لضبط سوق الذهب في مصر حتى لا يمتد إلى تأثيرات سلبية على المجتمع بملف الزواج،
وعلى مدخرات المصريين في المعدن الأصفر، يرى الخبير بهذا القطاع، أن "الحل، صعب،
ويتمثل في توفير الدولار بسعر مناسب لشراء الذهب، وتعويض النقص في الأسواق".
ولفت
إلى "مخاوف المصريين، وما يثار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أن السوق (رايحة
في داهية) قائمة، وتتلاقى مع قلة الخامات لدى المصنعين والورش للتصنيع، خاصة أن الكل
يشتري ولا أحد يبيع".
وعن
موعد انتهاء تلك الفوضى، يعتقد عباسي أنه "من الصعب تحديد موعد محدد لذلك"،
متسائلا: "هل يمكن تحديد موعد لاستقرار الجنيه مقابل الدولار؟ وهل يمكن للحكومة
تحقيق هذه المعادلة؟"، مؤكدا أنها "أمور لا أحد يمكنه الإجابة عليها".
ولفت
إلى أنه "رغم الاضطرابات الاقتصادية والسياسية العالمية وأزمات السياسات النقدية
إلا أنه قد يكون هناك حل، بأن يجري ضخ بضعة مليارات من الدولارات في السوق المصرية عبر
دولة خليجية كالسعودية، مثلا أو بقرض مالي، ما قد ينقذ الوضع المالي في مصر ويوقف تراجع
الجنيه".
"أعلى
من سعره"
وعن
تقويم سعر الذهب بأعلى من سعره، وزيادة سعره في مصر برغم تراجع أسعاره عالميا، أكد
عباسي أن "الذهب مقوم بأكثر من سعره بنحو 13 جنيها، نتيجة لوجود أكثر من سعر للدولار،
الذي يصل 30 جنيها في البنوك، و40 جنيها بالسوق الموازية، بينما هو مقوم بنحو 53 جنيها".
وضرب
مثالا بسعر الذهب بين مصر والسعودية، مؤكدا أنه "هنا في حدود 2800 جنيه لسعر
الغرام 21، وفي السعودية بنحو 2000 جنيه لسعر نفس الغرام، بفارق نحو 800 جنيه مرة واحدة".
وأشار
إلى أن "فكرة السماح بجلب الذهب من الخارج إحدى الحلول الهامة".
وأكد
أن "التقويم لسعر الذهب يعود لطبيعته عندما يتوافر الذهب في السوق"، مبينا
أنه "كان مسموحا إدخال الذهب من الخارج، ولكن أعتقد أنه الآن غير مسموح إلا بمشغولات
ذهبية بقيم معينة من يتعداها يخضع لقوانين الجمارك".
اظهار أخبار متعلقة
"حجم
السوق"
ووفق
حديث رئيس مصلحة الدمغة والموازين بوزارة التموين عبد الله منتصر، لموقع "مصراوي"،
في أيلول/ سبتمبر 2020، فإنه يقدر حجم إنتاج المشغولات الذهبية المدموغة في مصر بنحو 65
طنًا في العام، نحو 20 بالمئة منه مستورد.
وفي
شباط/ فبراير 2022، أكدت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، أن صادرات مصر من الذهب
بلغت مليارا و108 مليون دولار، موضحة أن مصر تنتج أكثر من 15.8 مليون طن ذهب من منجم
السكري، ومتوقع أن تتزايد مع مشروع المثلث الذهبي بالصحراء الشرقية، وطرح 38 قطعة أرض
بمساحة 12 ألف كيلومتر مربع للقطاع الخاص العالمي.
ويأتي
الحديث عن قلة المعروض من الذهب في مصر رغم أنها باتت أكبر مشتر للذهب بين البنوك المركزية
في العالم خلال الربع الأول من العام الماضي، وفق تأكيد مجلس الذهب العالمي، خلال أيار/
مايو 2022.
وقال
حينها إن البنك المركزي المصري اشترى 44 طنا من الذهب خلال شباط/ فبراير من نفس العام،
ليرتفع إجمالي ما يملكه بنسبة 54 بالمئة ويصل إلى 125 طنا، ما يعادل 17 بالمئة من إجمالي
الاحتياطيات المصرية، كما أنها النسبة الأعلى بين دول المنطقة.
"المشكلة
في مصر"
وفي
قراءته لحقيقة ما يجري بسوق الذهب المصرية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي
عبدالمطلب إن "أسعار الذهب العالمية سجلت ارتفاعات كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين؛
حيث تراوح سعر الأونصة ما بين 2000 دولار و2050 دولارا".
وكيل
وزارة التجارة الخارجية المصرية للبحوث الاقتصادية سابقا، أضاف لـ"عربي21"،
أن "هذا هو السبب في ارتفاع أسعار الذهب محليا، أي تراوح سعر الغرام ما بين
60 و65 دولارا".
لكنه
عاد ليؤكد أن "المشكلة في مصر هي أن سوق الذهب يأخذ بالتحوط تخوفا من سعر الصرف،
ولذلك يرتفع سعر غرام الذهب داخليا عن سعره عالميا".
وحول
ما يثار عن المخاطر المحدقة بملايين المصريين الذي حولوا مدخراتهم إلى الذهب، لا يعتقد
عبدالمطلب، أن "هناك مخاطر حقيقية"، موضحا أن "أسعار الذهب رغم تذبذبها،
فإنها لا يمكن أن تلغي أن الذهب مخزن جيد للقيمة، وأحد أهم الملاذات الآمنة".
وفي
إجابته على التساؤل المثار بين كثير المصريين "هل السوق معرض لانهيار وتراجع
في الأسعار؟" أكد أن "تذبذب أسعار الذهب سوف يستمر، وقد تزيد حدته أو يقل، لكنه
سوف يستمر"، وفق رؤيته.
وبشأن
تأثير تلك الأسعار المبالغ فيها على الزواج في مصر، قال إن "عادات الزواج تختلف
من مكان إلى مكان، لكنه بالتأكيد سوف يزيد من تكاليف الزواج".
ويرى
أن سبب زيادة سعر الذهب في مصر رغم تراجعه عالميا، "هو محاولة تجار الذهب التحوط
تخوفا من تخفيض سعر الجنيه".
"جنون"
تلك
الأوضاع تثير الكثير من المخاوف من حدوث أزمة في سوق الذهب المصرية وخسارة الكثير من
المصريين مدخراتهم، بعد خسارتهم مع انهيار العملة المحلية، كما أنها أثارت مخاوف ملايين
الشباب والفتيات من عدم القدرة على الحصول على شبكة زواج مناسبة.
ووصفت
الخبيرة الاقتصادية والأكاديمية المصرية الدكتورة علياء المهدي ما يجري بسوق الذهب
بـ"الجنون"، مشيرة لوصول أسعار الذهب لـ3 آلاف جنيه، بينما كانت منذ عام
في حدود 800 جنيه للغرام، مؤكدة أن هناك خطأ كبيرا حدث.
وأضافت
عبر "فيسبوك"، أنه "انعكاس لعدة أشياء أهمها: سوء الإدارة الاقتصادية
للبلاد، وعدم الثقة في المستقبل الاقتصادي القريب جدا، والتخبط، وارتفاع درجة المضاربة
على الأصول القابلة للتسييل بسهولة، مثل العملات الحرة والذهب".
"فقاعة
منتظرة"
وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي، أثار ارتفاع أسعار الذهب بهذه القيم الجدل بين المصريين،
فيما أكد العديد من المراقبين والمحللين، أن سعر الذهب حاليا أزيد عن الرسمى بـ875
جنيها.
وقارن
البعض بين سعر غرام الذهب عيار الـ"21" الذي وصل إلى 2800، وأنه كان في مثل هذا الوقت قبل
سنوات يساوي 304 جنيهات، في زيادة أوشكت أن تكون 10 أضعاف، وسط تساؤلات حول توقيت استقرار
الأحوال في مصر.
وحذر
البعض من حدوث فقاعة في سوق الذهب المصرية، ومن فقدان أغلب المشترين مدخراتهم في المعدن
الأصفر، بعد انفجار تلك الفقاعة، خاصة وأن ما يحدث في سوق الذهب المصرية غير مرتبط بسعر
المعدن العالمي، في تقديرهم.