قضايا وآراء

السيسي والسودان بين بيانات التمني والقلق

أسامة جاويش
تحتجز مجموعة من الميليشيات السودانية قوات مصرية ويخرج السيسي معترفا بأنهم في حوزدة حميدتي وبأنه يتمنى استرجاعهم  (الأناضول)
تحتجز مجموعة من الميليشيات السودانية قوات مصرية ويخرج السيسي معترفا بأنهم في حوزدة حميدتي وبأنه يتمنى استرجاعهم (الأناضول)
"نتمنى استرجاع عناصرنا الموجودة في السودان في أقرب وقت".. لم يكن هذا تصريحا لنائب في البرلمان المصري أو وزيرا في حكومة مصطفى مدبولي ولكنه كان بيانا رسميا للقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية عبد الفتاح السيسي في ختام لقائه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لمناقشة تطورات الأوضاع في السودان.

بعد مرور أكثر من ستين ساعة على مشاهد سحل وإهانة واحتجاز ضباط وجنود مصريين في قاعدة مروي العسكرية السودانية على يد ميليشيات الدعم السريع المدعومة إماراتيا، كان هذا هو التصريح الرسمي الأول الذي خرج به السيسي تعليقا على احتجاز عدد من قواته في بلد أجنبي للمرة الأولى منذ نكسة حزيران (يونيو) عام 1967 على يد الاحتلال الإسرائيلي.

وما نيل المطالب بالتمنى  ...  ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

يبدو أن عبد الفتاح السيسي وقيادات المجلس العسكري في مصر لم يسمعوا يوما ببيت الشعر هذا، فخرجوا ببيانات التمنى لعودة أبناء القوات المسلحة المصرية في أقرب وقت، الأكثر من ذلك أن من يحتجز القوات المصرية معلوم للجميع وهو محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع الذي أعلن أن القوات بحوزته في أمن وأمان وأنه سيعيدهم إلى القيادة المصرية فور تحسن الأوضاع الأمنية ولكنه هرب من قاعدة مروي قبل سيطرة الجيش عليها وبرفقته القوات المصرية المحتجزة.

السودان هي عمق الأمن القومي المصري وشريان حياته المائي وحليفه الإفريقي الأقرب لسنوات طويلة، هو امتداد تاريخي لدولة واحدة كان اسمها يوما المملكة المصرية وكان حاكمها يلقب بملك مصر والسودان كما حدث مع الملك فؤاد الأول ونجله فاروق الأول.

يبدو أن الأمر برمته قد تغيرللأسوأ ووصل إلى ذروته في عهد السيسي فلم يعد لمصر موطئ قدم في الأزمة السودانية الحالية حتى ولو كان عدد من أفراد الجيش المصري رهن الاحتجاز، وقد ظهر هذا جليا في الأيام الأخيرة فقد تركز الدور المصري عند عدد من البيانات الرسمية الصادرة من الرئاسة والجيش والخارجية كلها استخدمت نفس العبارات من عينة أن مصر تعبر عن قلقها، تدعو لوقف إطلاق النار، تناشد الأطراف بالعودة للمفاوضات، وتتمنى استعادة جنودها المحتجزين.

السودان هي عمق الأمن القومي المصري وشريان حياته المائي وحليفه الإفريقي الأقرب لسنوات طويلة، هو امتداد تاريخي لدولة واحدة كان اسمها يوما المملكة المصرية وكان حاكمها يلقب بملك مصر والسودان كما حدث مع الملك فؤاد الأول ونجله فاروق الأول.
على مستوى السيسي، أجرى الرجل اتصالا واحدا معلنا مع سيلفا كير رئيس جنوب السودان واستقبل اتصالا آخر من انطونيو غوتيريش سكرتير الأمم المتحدة ولم يخرج كلا الاتصالين عن نفس العبارات الرنانة التي كشفت ضآلة الدور المصري وانعدام تأثيره في الأزمة السودانية الحالية.

دوليا، اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بالجانبين السعودي والإماراتي لبحث سبل إنهاء الأزمة وتجاهل الأطراف الثلاثة النظام المصري في إشارة إلى الحجم الحقيقي لنظام السيسي فيما يحدث حتى لو كانت الأزمة على حدوده الجنوبية.

من أكثر الكلمات التي أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط المصرية في الساعات الأخيرة كانت سلسلة تغريدات كتبها الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصرية السابق عمرو موسى على حسابه على تويتر فيما بدا وكأنه رسالة مباشرة لعبد الفتاح السيسي.

كتب موسى إن "دور مصر في تجنيب السودان نتائج الأحداث الجارية، يجب أن يكون أساسيا وصريحا"، موضحا أن "الصراحة مهمة مع إخواننا ومع غيرهم ممن نشطوا في موضوع السودان دائما أو بالذات مؤخرا"، حسب تعبيره.

وأضاف موسى أن "بعض المصالح العربية قد تتعارض مع المصالح المصرية الأكثر عمقا في السودان، وكذلك الحال في أفريقيا، هنا يتوقع من مصر وقفة صريحة وجريئة، إذ أن مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك".

"السودان بالنسبة لقوى عربية أخرى مجرد مطمع.. فريسة ضخمة ستظل عصية على فم واحد ، أما بالنسبة لمصر، وخاصة في عصر سد النهضة، فهي قضية المصير".
الاحتفاء الكبير بمضمون تغريدات عمرو موسى عن الدور المصري المفترض في السودان وانعاكاسات الأزمة على مصر كشف بشكل واضح حاجة الشارع المصري إلى مصر الكبيرة بقيمتها الإقليمية وعمقها الإفريقي واستقلالية قرارها الدبلوماسي ومواقفها التي لا تخضع لتوجيهات من دول عربية وخليجية..

الأزمة الحالية في السودان بينت فقدان مصر لكثير من قيمتها وتأثيرها وعدم استقلالية قرارها السيادي ، الرسالة كانت واضحة ، الإمارات تدعم حميدتي بل وتدار حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل الإمارات ، بن زايد زار القاهرة قبل ساعات من تطور الأحداث في السودان ، السيسي يبدو متوترا خائفا لا يحرك ساكنا ، ظهر الجنرال وكأنه ينتظر تعليمات جديدة بالتحرك حتى فيما يخص جنوده وضباطه المحتجزين ، نبرته لم تعكس انتصارا لشرف العسكرية المصرية ولم تتسق حتى مع مواقف وتصريحات سابقة لنفس السيسي في مواقف أقل حدة.

من "مسافة السكة" إلى "نتمنى استعادة جنودنا في السودان"

في فبراير من عام 2016، قال السيسي إن الجيش المصري قادر على  الدفاع عن دول الخليج وأن الأمر مسافة السكة، وبعدها بسنوات في حزيران (يونيو) 2020 قال السيسي إن تجاوز سرت والجفرة في ليبيا يعد خطا أحمرا للأمن القومي المصري ولن يتهاون الجيش المصري في ذلك.

حاليا ومع عمق الأزمة الاقتصادية واحتياج السيسي لأموال الإمارات ودول الخليج، تحتجز مجموعة من الميليشات السودانية قوات مصرية ويخرج السيسي معترفا بأنهم في حوزدة حميدتي وبأنه يتمنى استرجاعهم دون أدنى إشارة إلى أي دور أو خطة أو تحرك دبلوماسي أو سياسي أو عسكري للحفاظ على قيمة مصر وشرف عسكريتها.

خلاصة الأمر فيما كتبه الصحفي المصري محمد بصل والذي أقتبس منه هذه العبارة "السودان بالنسبة لقوى عربية أخرى مجرد مطمع.. فريسة ضخمة ستظل عصية على فم واحد ، أما بالنسبة لمصر، وخاصة في عصر سد النهضة، فهي قضية المصير".
التعليقات (0)