قالت صحيفة "
واشنطن بوست" إن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين
هو "قيصر" بدون إمبراطورية وهو بحاجة لنصر عسكري كي يظل في الحكم.
وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" أن الرئيس بوتين يحب تصوير
نفسه أنه بيتر العظيم أو إيفان الثالث الإمبراطور في القرن الخامس عشر المعروف بـ"جامع الأراضي الروسية"، لكن
حرب بوتين التي دخلت عامها الثاني في
أوكرانيا فشلت في السيطرة على الأراضي التي يأمل في أن تكون جزءا من بلاده، وهناك
مخاوف في
روسيا أنه يقودها إلى فترة مظلمة من النزاع والركود، وربما أسوأ.
ونقلت عن البعض من داخل النخبة، أن الزعيم الروسي بحاجة وبشكل يائس
لنصر وبأي شكل من الأشكال كي يظل في السلطة، وقال ملياردير: "في روسيا لا يوجد
ولاء كامل".
وبدأ غزو بوتين بحسب الصحيفة "بنوع من الغطرسة والحماسة على أمل
تغيير النظام العالمي. لكن مع الهزائم التي تكبدها جيشه وبشكل متكرر، تراجع موقعه العالمي وأدى لاتهامه
بجرائم ارتكبتها قواته، جعلته يرد بتقوية سيطرته في الداخل واستخدم الحرب لتدمير
المعارضة، أو هندسة مجتمع مغلق يعيش رهابا ومعاديا لليبراليين والمثليين والهبيين
والقيم الغربية وبخاصة الديمقراطية".
وقال إن "الموالين لبوتين يرون أنه لا يمكنه الخسارة وهذا بسبب
القوة النووية والطاقة النفطية وثروة البلاد الهائلة والعدد الكبير من الجنود
الذين يمكن رميهم في ساحة المعركة".
ويرى هؤلاء المشجعون بوتين كقائد عظيم يخرج من رماد أوكرانيا ليقود أمة
متغطرسة يعلمها نبذ الغرب، وأنها أمة كبيرة ونسخة أكبر من إيران.
لكن رجال الأعمال والنخبة في مؤسسات الحكم ترى أن موقع بوتين كرئيس
محفوف بالمخاطر حيث تزداد المخاوف والشكوك من طريقة إدارته للحرب وأساليبه.
وبالنسبة للكثير من النخب، فقد قامر بوتين بالتقدم الذي حققته روسيا على مدى
الثلاثين عاما الماضية، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. إلا أن رؤية بوتين لروسيا
تخيف الكثير من الأوليغارش ومسؤولي الدولة الذين يتحدثون فيما بينهم أن الحرب كانت
خطأ كارثيا وفشلت في تحقيق أي هدف. لكنهم يعانون من الشلل والخوف والتزموا بالصمت.
وقال بوريس بونداريف، الدبلوماسي الروسي الوحيد الذي استقال من منصبه
احتجاجا على الحرب: "بين النخبة، التي يعرف أفرادها أن الحرب كانت خطأ، هناك
من لا يزالون خائفين من عمل أي شيء بأنفسهم"، والسبب كما يقول: "لقد
تعودوا على بوتين وأنه يقوم بكل شيء".
اظهار أخبار متعلقة
وهناك البعض يعتقد أن بوتين قادر على البقاء في السلطة حتى بدون نصر،
طالما واصل الحرب حتى يتعب الغرب وتقل إمداداته العسكرية. لكن بالنسبة لأشخاص مثل
بونداريف "عليهم معرفة أن بوتين يقود البلد إلى انهيار كامل، ويعتقدون أن
الوضع ليس سيئا طالما ظل بوتين يقصف ويهاجم. ويجب أن تكون هناك خسارة كاملة وعندها
سيكتشفون الحاجة لعمل شيء".
وما يتفق عليه الجميع هو أن بوتين لم يظهر أي نية لوقف الحرب، فكما
اظهرت الأشهر الأخيرة، فقد قام مع تدهور الوضع بتغيير القادة العسكريين للجبهة
وزاد من ضرب البنى المدنية الحيوية وهدد باستخدام السلاح النووي.
والآن وقد عزز الجبهة بمجندين جدد ومجرمين أطلق سراحهم، ويحتاج الرئيس
البالغ من العمر 70 عاما الانتصار لكي يظل محافظا على مصداقيته. ويقول مسؤول أمني
أوكراني: "يحتاج بوتين بعضا من النجاج ليظهر أمام مجتمعه أنه لا يزال ناجحا". ومع تزايد
القتلى في أوكرانيا والجثث التي تملأ المقابر في كل أنحاء روسيا، فقد حافظت العاصمة
موسكو على مظهر براق يهتم بالملذات وغير مبال. فمطاعمها ومقاهيها مكتظة بالأغنياء
والشباب الذين يرتدون الأزياء الغربية ويأخذون سيلفي في هواتف آيفون ويتناولون
وجبات البيتزا أو البط مع كوكتيل من الخمور".
وخلف هذا المظهر البراق يقوم بوتين بخلق مجتمع قومي معسكر، يتغذى على
الدعاية ومهووس بحرب وجودية أبدية ضد الولايات المتحدة والناتو.
وحتى هذا الوقت لم يعترض أي من المسؤولين في دولة بوتين الجديد علنا
على الأقل. ويقول قسطنطين ريمتشكوف مدير تحرير "نيفازيمايا غازيتا": "مهما قال فإنه يؤخذ كهذا" محدثا صوتا في أصابعه.
ومنذ وصول بوتين إلى السلطة عام 2000 ارتكزت شعبيته وموقعه في روسيا
على قدرته منح الأعطيات لمن حوله، وتجريد الخارجين عن طوعه من أرصدتهم أو رميهم في
السجون، إلا أن الحرب في
اوكرانيا تركت ندوبا على سلطته. وظل الزعيم الروسي ملاحقا
بشبح انهيار الإتحاد السوفييتي حيث كان ضابط استخبارات صغيرا يخدم في درسدن عندما
انهار جدار برلين واعتقد أن الاتحاد السوفييتي "تخلى عن موقعه لأوروبا".
وهذا البحث عن الإمبراطورية الضائعة والماضي دفعه لرمي بلده في مرحلة
رمادية من القمع والعزلة. وبالنسبة لبوتين فمهمته هي تصحيح الأخطاء القديمة، ولهذا
تعامل برؤية تصحيحية للتاريخ رأت أوكرانيا جزءا من روسيا. وحتى ولو نجح بوتين في
إخضاع أوكرانيا أو دفعها للتخلي عن مناطق احتلها، فسيخسر الذين يقفون في المعسكر
الليبرالي. وستظل العقوبات الغربية في مكانها، وسيجبر أفراد النخبة الثرية على
المساهمة في إعادة بناء البلاد.
ويتوقع المحللون عملية تطهير واسعة للأوليغارش وغيرهم ممن يشك في
وطنيتهم. والواحد يعثر على صورة عن روسيا الجديدة في موسكو اليوم. فقد تم اعتقال
زوجين في مطعم كراسوندار وقيدا ودفعا على الأرض عندما تم التجسس عليهما وهما
يشتكيان من حرب بوتين في أوكرانيا.
اظهار أخبار متعلقة
وفي حادث آخر تم جر امرأة مسنة من مقعدها في حافلة ودفعها الركاب
بطريقة فظة خارج الباب لأنها قالت إن روسيا هي إمبراطورية ترسل جنودها للقتال وهم
يرتدون بساطير مطاطية رخيصة. وأظهرت لقطات فيديو عناصر "فاغنر" التي تعتبر من
الناحية الفنية غير شرعية لكنها تحظى بدعم الكرملين وهم يضربون "خائنا" بمطرقة.
ووصفت مديرة المصرف المركزي السابقة الكسندرا بروكوبنكو المناخ الذي يخشى فيه المسؤولون من سجن
المخابرات لهم والتخويف.
وقالت: "هذا يقلق كل عضو في النخبة الروسية" وهي "مسألة
عن النجاة بالنسبة للمسؤولين الكبار والمتوسطين الذين ظلوا في روسيا، والناس
خائفون جدا على سلامتهم الآن".
ويواجه بوتين الآن حنقا من الصقور القوميين
الذين يرون أنه كان يجب السيطرة على كييف والليبراليين الذين يعتقدون أن الحرب
كانت فكرة خاطئة. ولهذا أحاط نفسه بدائرة من المتشددين والمتملقين وقضى على
المعارضين وشدد من قبضة الأجهزة الأمنية.
ويرى الموالون للكرملين أن الطريق للنصر
هو زيادة عدد الجنود في الميدان وتعزيز الإنتاج العسكري، وهذا خيار مناسب لشخصية
بوتين. لكن أحدا لا يعرف مدى نهاية لعبة بوتين وما يمكن اعتباره نصرا. ويرى البعض
أنه قد يرضى بضم الأجزاء في لوغانسك ودونيتسك وهما المنطقتان اللتان دعمت فيهما روسيا
الانفصاليين، لكنّ آخرين يرون أنه لم يتخل عن حلمه باحتلال كييف.
وقالت الصحيفة، إن الكرملين "يقدم صورة مرتبة ومصطعنة لبوتين في
المناسبات العامة، تشبه صورة ديكتاتور يقوم بوضع الورود على ضريح الجنود أو يراقب
استعراضا للجيش ووسط جمهور يلوح ويصفق بعصبية. وتظهر نفس الوجوه في كل المناسبات
تتزيا بزي الجنود أو الصيادين أو المصلين في الكنيسة، ما يثير أسئلة حول طبيعة
الناس وحقيقتهم".
ومع تزايد أعداد القتلى يردد دعاة الحرب رؤية عبثية عن الموت وتقديسه،
حيث يقولون إن من الأفضل الموت دفاعا عن روسيا بدلا من حادث سيارة أو نتيجة
الإدمان على المخدرات أو بسبب السرطان.
وقال بوتين مخاطبا مجموعة من الناس: "في يوم ما سنغادر هذا
العالم" و"السؤال هو كيف عشنا، وبالنسبة لبعض الناس، سواء عاشوا أم
ماتوا، فمن غير الواضح لماذا ماتوا، بسبب الفودكا أو شيء آخر. وعندما يذهبون فمن
الصعب القول ما إن كانوا عاشوا أم ماتوا، فقد ماتوا للاشيء ولم يلاحظهم أحد".
ولكن من مات في الحرب فإنه "لم يغادر الحياة بدون هدف، وحياته كانت مهمة".