أدت
الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم أزمة
الطاقة التي أثرت بشكل مباشر على تكاليف التدفئة
والتبريد والإضاءة والتنقل، ودفعت بشكل غير مباشر إلى رفع تكاليف السلع والخدمات الأخرى
في جميع أنحاء سلاسل التوريد العالمية.
ونشر
موقع "
ذا كونفيرزيشن" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، وأعده 4 باحثين
من جامعتي غرونينغن الهولندية وبيرمنغهام الإنجليزية؛ والذين درسوا الآثار المباشرة
وغير المباشرة لارتفاع
أسعار الطاقة في 116 دولة، تغطي 87.4 بالمئة من سكان العالم،
مع التركيز على البلدان النامية.
زيادة
غير متكافئة في عبء الأسرة
وأفاد
الباحثون بأنه منذ أن بدأ الصراع قبل عام تقريبا؛ ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد ولكن
بدرجات متفاوتة اعتمادًا على نوع الوقود، حيث استخدموا برنامج كمبيوتر لمحاكاة تأثير
هذه الزيادات في أسعار الطاقة على الأسر في جميع أنحاء العالم.
وبحسب
الباحثين، وعلى أساس مجموعة من سيناريوهات أسعار الطاقة، يظهر أن إجمالي تكاليف الطاقة
(المباشرة وغير المباشرة) للأسر قد زاد بنسبة 63 بالمئة على الأقل وربما تصل إلى
113 بالمئة، وهو ما ساهم في زيادة الإنفاق الأسري العالمي بين 2.7 بالمئة و4.8 بالمئة،
وهذا، وفق الباحثين، تحول هائل يعادل صدمة اقتصادية هائلة؛ فقد طُلِبَ فجأة من الأسر
في جميع أنحاء العالم العثور على نسبة قليلة من الدخل الإضافي لمجرد الحفاظ على مستويات
معيشتها قبل عام 2022.
وذكر
الباحثون أن الفجوة بين الحدين الأدنى والأعلى لتكلفة الطاقة لأن جزءًا كبيرًا
من الزيادة في إنفاق الأسرة هو استهلاك الطاقة غير المباشر أي الطاقة المستخدمة لإنتاج
الأشياء أو الطعام الذي نستهلكه؛ فعلى سبيل المثال، إذا أكل شخص ما في جنوب أفريقيا
لحوم البقر المستوردة، فقد يتأثر سعر هذا اللحم بتكلفة الطاقة المستخدمة في إنتاج الأسمدة
(من ألمانيا مثلًا) التي تستخدم لإنتاج فول الصويا في البرازيل والتي تغذي الأبقار
بعد ذلك، جنبًا إلى جنب مع التكاليف المرتبطة بالوقود للنقل، فكثير من العوامل والكثير
من الأشياء مثل هذا يعني أنه لا يمكن أن تكون الأرقام دقيقة جدًّا.
وأوضح
الباحثون أن المجموعات الأكثر ثراء تميل إلى ارتفاع تكاليف الطاقة على ارتفاع أسعار
السلع والخدمات، بينما تميل الأسر الفقيرة إلى إنفاق المزيد على تلبية الاحتياجات اليومية
مثل الغذاء والطاقة المباشرة، وتميل الأسر الأكثر ضعفًا إلى الاعتماد بشكل أكبر على
شراء السلع والخدمات المجهزة بكثافة الطاقة.
وبين
الباحثون أنه في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ زادت تكاليف الطاقة المنزلية
بما يصل إلى ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، ففي رواندا ارتفع استخدام الطاقة السكنية
في هذه البلدان الأقل اعتمادا على الوقود الأحفوري بنسبة 11 بالمئة (99.6 بالمئة من
الأسر في رواندا تطبخ باستخدام الخشب والكتل الحيوية الأخرى في عام 2018، على سبيل
المثال)، ولكن هناك تكاليف غير مباشرة ضخمة من خلال سلسلة التوريد خاصة للأغذية.
الفقر
الإضافي الناجم عن أزمة الطاقة
وأشار
الباحثون إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة يجعل الأسر أكثر عرضة لفقر الطاقة، لا سيما خلال
موسم البرد؛ حيث لا يستطيع الأشخاص الذين يعانون من فقر الطاقة الوصول إلى التدفئة
والتبريد والإضاءة والطاقة الكافية لتشغيل الأجهزة. ومن شأن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية
أن يزيد من عدد الأسر الفقيرة في الطاقة؛ حيث إن تكاليف الطاقة الخاصة بها تمثل أكثر
من 10 بالمئة من إجمالي النفقات لعدد أشخاص ما بين 166 مليونا و538 مليون شخص (2.4 بالمئة
إلى 7.9 بالمئة من سكان العالم)، كما أنه في ظل ضغوط تكلفة المعيشة هذه يمكن دفع ما
بين 78 مليونا و141 مليون شخص إلى ما دون خط الفقر المدقع المحدد من قبل البنك الدولي.
الفرص
الضائعة
وأكد
الباحثون أن ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية لم يكن ليؤثر مثل هذا
التأثير الشديد لو تم اتخاذ قرارات سياسية أفضل؛ فمثلًا؛ في أزمة جائحة كوفيد الأخيرة
التي أتاحت فرصة كبيرة لإعادة توجيه الاستثمارات نحو انتقال الطاقة وتخفيف الاعتماد
على واردات الوقود الأحفوري نظرًا للمبالغ الضخمة من الأموال المستخدمة لبدء الاقتصاد. ولكن مع ذلك؛ تم استثمار حصة كبيرة من الأموال العامة في البنية التحتية للوقود الأحفوري.
وأضاف
الباحثون أن صورة مماثلة تحدث اليوم مع قيام الحكومات بالتوسع باستخراج الفحم البني
(في ألمانيا)، وبناء بنية تحتية جديدة للفحم (على سبيل المثال؛ في المملكة المتحدة
والعديد من البلدان النامية مثل باكستان)، أو الاستثمار في محطات الغاز الطبيعي السائل
وكلها كثيفة الكربون أو غير فعالة بشكل كبير. وهذه الأنواع من الحلول تحبس العالم في
بنية تحتية باهظة الثمن لا ينبغي أن تكون لدينا في المقام الأول إذا أخذنا تغير المناخ
على محمل الجد.
ولفت
الباحثون إلى أن التقدم البطيء والمتردد في انتقال الطاقة، على الرغم من المعاهدات
والاتفاقيات العالمية المتعددة للحد من انبعاثات الكربون، ينعكس في الاعتماد على واردات
الوقود الأحفوري وقد زاد من حدة أزمة تكلفة المعيشة.
واختتم
الباحثون التقرير بالقول إن هذه الأزمة دفعت عددًا من الاقتصادات إلى الركود، وتسببت
في ارتفاع التضخم، ووضعت ضغوطًا مؤلمة على تكاليف المعيشة على الأسر الضعيفة في جميع
أنحاء العالم، ولهذا يجب اعتبار أزمة الطاقة العالمية غير المسبوقة هذه كتذكير بأن
نظام الطاقة الذي يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري يديم مخاطر أمن الطاقة ويسرع
من تغير المناخ.