قضايا وآراء

المصالحة الفلسطينية الغائبة عن مستوى المهمات

نزار السهلي
- الأناضول
- الأناضول
رغم كثرة الترحيب بما يتم الإعلان عنه فلسطينياً، منذ العام 2006، بخصوص الاتفاق على إنهاء الانقسام وتحقيق مصالحة فلسطينية، وكثرة التسميات المتصلة باجتماعات فلسطينية لهذا الغرض في عواصم عربية منذ أكثر من عقد ونصف وصولا إلى المحطة الأخيرة "الجزائر"، فإن هذه المصالحة غائبة في تواريخ وأحداث مفصلية هامة تحيط بقضية فلسطين عربياً وإسرائيلياً.

وكل ما يحيط بفلسطين قضية وشعبا وأرضا، أجمع المنقسمون مراراً على مخاطره، دون الإمساك بناصية الوحدة لمواجهة تلك المخاطر الآخذة بالاتساع والتضييق على الفلسطينيين من خلال خطوات التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية وعدوان الأخيرة على ما تبقى من الأرض والمقدسات، وبلوغها مؤخراً السقف العالي في برامج حكومة نتنياهو وتحالفه العنصري مع أقطاب الصهيونية الدينية؛ القاضية بتكثيف عمليات الاستيطان والتهويد والتهجير والحصار وهدم البيوت وتشريع القتل الميداني للنشطاء..

ما صدر عن اجتماعات المصالحة الفلسطينية في النسخة الجزائرية الأخيرة ومنحها سقفاً زمنياً (عاما واحدا) لا ترتقي لمستوى مهام حركة تحرر وطني فلسطيني، بقدر ما يمنح الوقت للمؤسسة الصهيونية ويجعل نهبها للحقوق الفلسطينية احتمالاً أقوى وأسرع من إنجاز مصالحة فلسطينية غير مؤكدة في المستقبل القريب، رغم ادعاء الحرص على استعادتها

خلفية المشهد الإسرائيلي، بظلالٍ واضحة من العنصرية الاستعمارية، تعبر عن توجه صهيوني منفتح على شطب الحقوق الفلسطينية. بالتأكيد هذا التعبير لم يغادر يوماً البرنامج الاستعماري للمؤسسة الصهيونية، إلا في حالة الاعتماد الفلسطيني والعربي على الأوهام المعزولة عن الواقع، والتي أدت بدورها لتسهيل العدوان وتعقيد مواجهته بتعطيل ومحاصرة الفرص المتاحة للفلسطينيين. وعليه في المشهد الفلسطيني المقابل، فإن ما صدر عن اجتماعات المصالحة الفلسطينية في النسخة الجزائرية الأخيرة ومنحها سقفاً زمنياً (عاما واحدا) لا ترتقي لمستوى مهام حركة تحرر وطني فلسطيني، بقدر ما يمنح الوقت للمؤسسة الصهيونية ويجعل نهبها للحقوق الفلسطينية احتمالاً أقوى وأسرع من إنجاز مصالحة فلسطينية غير مؤكدة في المستقبل القريب، رغم ادعاء الحرص على استعادتها.

بديهي، لا يمكن الاكتفاء فلسطينيا بصيغ الاتفاق على إنهاء الانقسام وتأكيد الحرص على تعزيز دور وأهمية المؤسسات الفلسطينية ودور منظمة التحرير وانتخابات المجلس الوطني. ورغم أهمية الصيغ المذكورة ووجودها، لم تستطع توجيه الأطراف الفلسطينية لبر الوحدة، وهذا يعيدنا لمسألة فوقية وعزلة بعض القيادات الفلسطينية عن الواقع، والإصرار كل مرة على تجريب الفشل وممارسة الوهم أمام عدوان إسرائيلي منظم بشكل منهجي، وأمام مؤسسة صهيونية تُظهر لضحاياها من الفلسطينيين أهمية التماسك والتسلح بالمعرفة والقوة للمواجهة، وبدون اعتماد مبدأ مشاركة الشارع والشعب الفلسطيني في فرز صيغ إنهاء الانقسام سريعاً؛ بطرح برنامج سياسي إلزامي بعيداً عن الصيغ "التنسيقية" المتبعة في كل اعلان عن نهاية انقسام، بينما الاستمرار والاستئثار والاستقواء فيه يتسيد عمل الساحة الفلسطينية.

التحدي الناجم عن كيفية ضمان حدوث مصالحة فلسطينية- فلسطينية حقيقية، إن كان لها "مكان أو أهمية"، هو في رفض مقايضتها بمشاريع سياسية فاشلة وميتة، وبتحالفات إقليمية هدفها امتطاء قضية فلسطين، بعيداً عن المصلحة الحقيقية والمباشرة للشعب الفلسطيني.

وتلك تحديات أحدثت ثغرة واسعة في جدار التضامن العربي والدولي مع قضية فلسطين في العقد الأخير من الثورات العربية، الذي كان إلى حد ما تعبيراً عن المأزق الذي تواجهه حركة التحرر الوطني الفلسطيني من فكرة العمق العربي لقضية فلسطين وتحررها من الاستبداد والظلم، هذا المأزق الذي دفع البعض وخصوصاً من أطراف رسمية فلسطينية إلى النظر لثورات العمق العربي لفلسطين على أنها "وهْم" ومؤامرة بنظرتها أيضاً للديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان.

ولا بأس هنا أن نُذكر بأنها في أدبيات فلسطينية محفزة على إعادة الحياة والزخم لقضية تحرير فلسطين، انطلاقا من إنسان يشعر بحريته ومواطنته التي تتيح له الانخراط في قضايا تحدد مصيره ومستقبله.

المضمون السياسي الفلسطيني الرسمي، ومن خلفه المشاريع السياسية العربية والإقليمية المتحالفة مع المؤسسة الصهيونية، عملت وتعمل بكل جهد لخلق أداة تنفيذ وتسهيل العدوان، ومناهضة أي صيغة وحدوية فلسطينية لمواجهة العدوان ولجمه

الحقيقة الباقية، بكل ألم وحزن، أن المضمون السياسي الفلسطيني الرسمي، ومن خلفه المشاريع السياسية العربية والإقليمية المتحالفة مع المؤسسة الصهيونية، عملت وتعمل بكل جهد لخلق أداة تنفيذ وتسهيل العدوان، ومناهضة أي صيغة وحدوية فلسطينية لمواجهة العدوان ولجمه.

وثمة أمثلة عديدة في الممارسة الفلسطينية الرسمية، وأمثلة عربية طفحت بهذا الصدد وتجاوزت الاعتراض والتنديد بالعدوان الإسرائيلي إلى بناء اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية، زادت من عبء المواجهة الفلسطينية على الأرض فعلياً، وتلح أكثر لإنهاء الانقسام "نظريا"، ومن المفترض أن يرتضي الجميع ذلك ويجندون أنفسهم لتنفيذه في الواقع تنفيذاً كاملاً.

لكن طالما نتحدث عن الحقيقة، والواقع الذي غدا على شفا جرفٍ تنوء به مشاريع إيتمار بن غفير ونتنياهو وسموتريتش، وتغيب فيه مشاريع المصلحة الوطنية الفلسطينية والعربية في الإمساك بمستقبل قضية أرض وشعب وحق يتعرض للشطب، فإن تلك مهام لا تواجه بشرذمة ثابتة تدور في فلك البحث عن مخرج يتكرر فيه الاحتفال بمكان جديد وبمصالحة تركل ركام العبث.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)