قضايا وآراء

الإنسان في القرآن.. مفهوم "التقوى" في إطارٍ إنسانيٍّ (12)

أحمد أبو رتيمة
بيّن القرآن أن ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى- CC0
بيّن القرآن أن ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى- CC0
في حلقةٍ وثائقيَّةٍ بعنوان "لماذا الشرُّ موجودٌ؟"، يقابل مورجان فريمان مجرماً يقضي في السجن حكماً بالمؤبد، وهو متهمٌ باغتصاب عشرات النساء وقتل ثلاثة أشخاصٍ. هذا المجرمُ هو سجينٌ شبه دائمٍ منذ فترة مراهقته، وكلَّما خرج من السجنِ وقتاً قصيراً رجع إلى اقتراف الجرائم ثمَّ عادَ إليه ثانيةً في دائرةٍ إدمانيَّةٍ تذكِّر بقول القرآنِ: "كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا".

يسأله المذيعُ عن دافع ارتكابِه الجرائم فيجيب: "لقد كان كلُّ شيءٍ وليد اللحظة! لم يكن لديَّ أيُّ خطَّةٍ في ارتكاب أيِّ عنفٍ ضد أي شخص، كانت لديَّ رغبة، ولم أكن قادراً على إيقاف نفسي من اقتراف تلك النزوة!".

يسأله المذيع ماذا لو كانت لديه فرصة للخروج من السجن بعد مكوثه ثلاثين عاماً؟ فيقول إنه لا يزال غير قادر على ضبط غرائزه حتى لو خرج من السجن بعد هذا الوقت الطويل.

التقوى هي الحذرُ والوقايةُ والتجنُّبُ، أمَّا الفجورُ فهو الاندفاعُ والتمادي دونَ ضابطٍ، وإذا كان مثال "المجرم" هو الحالة الأقصى تطرُّفاً في انفلاتِ النفس من أيِّ ضوابطَ، فإنَّ هذه الحالةَ درجاتٌ تبدأ من تلبيةِ كلِّ ما تهواهُ النفس وتشتهيه فإذا قويَ دافعُ الهوى ضعُفت الإرادةُ

هذا هو الشَّاهدُ الأهمُّ من المثال: "ليس قادراً على إيقاف نفسِه وضبطِ غرائزه!"، وهو ما يستدعي في القرآنِ مفهوم التقوى الذي يُذكَرُ في مقابل "الفجور": "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا".

التقوى هي الحذرُ والوقايةُ والتجنُّبُ، أمَّا الفجورُ فهو الاندفاعُ والتمادي دونَ ضابطٍ، وإذا كان مثال "المجرم" هو الحالة الأقصى تطرُّفاً في انفلاتِ النفس من أيِّ ضوابطَ، فإنَّ هذه الحالةَ درجاتٌ تبدأ من تلبيةِ كلِّ ما تهواهُ النفس وتشتهيه فإذا قويَ دافعُ الهوى ضعُفت الإرادةُ.

وهذا يستدعي المقارنة بين طريقتين في الحياة: مبدأ "اللَّذةِ" الذي يؤسِّس الماديون طريقتهم في الحياة عليه وهو أن يلبِّي الإنسان كلَّ شهواتِ نفسه وأهوائها.

لكنَّنا نرى أنَّ اتباع هذه الطريق مثل جهنم تطالب النفس فيها دائماً بالمزيدِ: "هل من مزيدٍ" فلا تصل هذه الطريق بالإنسانِ إلى الرضى، وما نراه من أمثلةٍ غريبةٍ في الحضارةِ الغربيَّة مثل الشذوذِ أو ظاهرة الكلاب البشريَّة، يؤكِّد أنَّ نفس الإنسان قعرٌ بلا نهايةٍ، وأنَّ طاعة هوى النفس لا يصل بها إلى الرضى، بل يولِّد رغباتٍ لا نهائيَّة. وفي مثال المجرم السابق يثار سؤالٌ: لماذا يلجأ المجرمُ إلى الاغتصابِ مثلاً مع أنَّه قادرٌ على إشباع احتياجه بالتراضي؟! الأمر يتعدَّى مجرد الرغبة الجنسية الطبيعيَّة إلى تولُّد رغباتٍ جديدةٍ تكسر الملل الذي تحسُّ به النفس إذا أدمنت الهوى.

عمادُ الدينِ والإيمانِ والقرآنِ أنَّ مجرد اشتهاءِ أمرٍ ليس مسوِّغاً لفعلِه، وهو ما يوجزه قول عمر رضي الله عنه: "أوَ كلَّما اشتهيت اشتريت!".

طريق الجنَّة هي مخالفة هوى النَّفس: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى".

التَّقوى وجود مسافةٍ فاصلةٍ بين هوى النفس والإرادة، ولذلك ذكر القرآنُ أنَّ غاية الصيام هي التقوى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

وهو ربطٌ متجانسٌ وليس اعتباطيَّاً، فالصيام هو منع النفس من شهواتها أيَّاماً معدوداتٍ، وهو بذلك تدريبٌ روحيٌّ كي تنفكَّ النفس من أغلال شهواتها وتقوى عزيمتها على ضبط ميولها والتحكم في رغباتها.

وبذلك فإنَّ الفرق الذي تصنعه التقوى في نفس الإنسان أنَّها لا تجعل استجاباته لشهوات نفسه ورغباتها آليَّةً إدمانيَّةً، وبذلك يرتقي الإنسان عن الحيوان الذي لا يعرف ضبط غرائزه والتحكم فيها، ويصير الإنسان قادراً على التحليق في سماء الروح وإنجاز معالي الأمور.

الفرق الذي تصنعه التقوى في نفس الإنسان أنَّها لا تجعل استجاباته لشهوات نفسه ورغباتها آليَّةً إدمانيَّةً، وبذلك يرتقي الإنسان عن الحيوان الذي لا يعرف ضبط غرائزه والتحكم فيها، ويصير الإنسان قادراً على التحليق في سماء الروح وإنجاز معالي الأمور

التقوى ليست مفهوماً خاصَّاً بالحقل التعبديِّ، بل ضرورة إنسانيَّة، لأنَّ الذي تدرَّب على ضبط رغائب نفسه سيكون قويَّاً بالقدر الذي يمنعه من الفجورِ والطغيان.

والذين لم يدرِّبوا أنفسهم على التقوى هم أكثر الناس ميلاً إلى الجنوح وارتكاب الجريمةِ، لأنَّ تعويد النفس على فعل كلِّ ما تهواه وتشتهيه دون لجامٍ يعزِّز فيها الاندفاع والتهوُّر ويفقدها القدرة على الضبط والتحكم، وهذه هي الحالة النفسيَّة التي يتصف بها المجرمون.

إنَّ مبدأ أيِّ جريمةٍ تودي بصاحِبها وتعتدي على النَّاس هو أنَّ نفسه لم تتدرَّب على التقوى، أي أنَّه أدمن الانجرار وراء رغباته، دون تقديرٍ للعواقبِ، لأنَّ اشتعال الشهوة في النفس يحجب العقل، فينتهي به المطاف إلى الخسران والندم.

التقوى هي الحذرُ من العواقبِ، وبذلك فإنَّ التقوى فعلٌ عقليٌّ، فالعاقل لا يعميه الهوى العاجلُ عن رؤية العواقبِ فيضبط نفسه حذراً وخشيةً من عاقبة الانفلاتِ.

تقومُ فلسفةُ القرآنِ على المزجِ بين المادَّةِ والروح، وبين الدنيا والآخرةِ، لذلك فإنَّ طريق الفلاحِ في الآخرة هو ذاتُه طريق الفلاح في الدنيا، وكذلك فإنَّ طريق الخسرانِ والندمِ في الآخرةِ هو ذاته طريق الخسرانِ والندمِ في الآخرةِ. وفي هذا السياقِ فإنَّ المفاهيم القرآنيَّة، مثلَ مفهومِ التقوى، هي ذات طبيعةٍ مركَّبةٍ، فهي تحتوي على البُعدِ الروحيِّ الذي يصلح أمرَ الآخرةِ، لكنَّها تحتوي أيضاً على البعد العقليِّ الذي يصلح أمر الدنيا.

الدلالة الروحية لمعنى التقوى هي أن يتقي العبد ربه أي يخافه ويحذر من إغضابه، ويتعمَّق هذا المعنى بالبعد العقليِّ أي الحذر من مخالفة القوانين الاجتماعية والنفسية مخافة الاصطدام بالعواقب الأليمة، مثل تجنب النار مخافة الاحتراق، وتجنب السير على الحافة مخافة السقوط: "لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ".

هذا المعنى العقليُّ يحتمله مصطلح التقوى القرآني، مما يعطي هذا المصطلح إثراءً وينقله من محدودية المعنى التعبدي لتصبح التقوى حالةً نفسيةً واجتماعيةً ملازمةً للأفراد والأمم. والفرق بين من يتقي ومن لا يتقي هو بالضبط الفرق بين العاقل الذي يضبط نفسه ويقدِّرُ عواقب الأمورِ، وبين المنفرط الطائش الذي لا يقدر العواقب.

ومن أمثلةِ البعدِ العقليِّ لكلمة التقوى في القرآن: "الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ".

السياق الذي جاءت فيه كلمة "يتقون" في هذه الآية يحتمل المعنى المادي مضافاً للمعنى الروحي المعروف، فهم لا يتقون أي أنهم يتعاملون مع عهودهم بطيشٍ ولا يحسبون حساب عواقب الأحداث، وهذا عمل لا عقلاني.

يبدو من هذا المثالِ حالةَ الطيش وعدم تقدير العواقبِ التي يتضمنها معنى غيابِ التقوى، وهي حالةٌ تمثِّل امتداداً لعدمِ تقدير عواقبِ الآخرةِ، فالحياةُ وفق الرؤية القرآنيَّةِ نسيجٌ متراكبٌ، والحكمة العقليَّةُ هي ثمرةُ الإيمانِ بالغيبِ، بينما ضعفُ الإيمانِ ينتج طيشاً وانفراطاً في سلامة العقلِ في أمور الدنيا أيضاً: ".. وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28).

وفي قوله أيضاً. "إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً"، فإنَّ الدلالة المادية ساطعةٌ، فالتقوى هنا ليس مقصوداً بها المعنى التعبدي الذي نعرفه، بل الحكمة، فهو فعلٌ سياسيٌّ، أي أن التقوى تحتمل في دلالاتها الواسعةِ والشاملةِ المعنى السياسي، فنحن نحتاج إلى التقوى في السياسة وكل ميادين الحياة بمعنى تقدير العواقب وتجنب سوء التقدير..

وفي قوله أيضاً: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً"، يمتزج المعنيان الروحي والمادي، فالتقوى بمعناها الروحي تمثل الالتجاء إلى الله والحذر من عصيانه، لكن السياق يحتمل أيضاً في ذات الوقت المعنى المادي خاصةً أنه مرتبط بالنتيجة الشرطية: "لا يضركم كيدهم شيئاً"، فإن الأخذ بالأسباب والحذر يجنبُ مكائد عدوه..

التقوى سبب النَّجاة

يذكر القرآنُ أنَّ التقوى سببٌ في نجاةِ الأممِ من الهلاكِ: "وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون".

مثل هذه الآيةِ تتضمَّنُ قانوناً حتميَّاً، والعلاقة بين التقوى والنجاةِ قابلةٌ للفهمِ في ضوء سننِ النفس والاجتماع والتاريخ، فما يذكره القرآنُ ليس مجرَّد مضامين غيبيَّةٍ، بل هي سننٌ علميَّةٌ يصدِّقها التاريخُ، لذلك يلحُّ القرآنُ دائماً على النظرِ في عواقب الأمم: "فانظروا". فدراسة تجارب الأمم والنظر في مصائرها يبيِّنُ لنا أمثلةً على العلاقةِ بين التقوى والنجاة!

وقوع العذابِ هو نتيجة العماية وتعطُّل جهاز الرقابة والمحاسبةِ في النفس، وهو ما يعني فقدان القدرةِ على المراجعة والإصلاحِ، أمَّا الذين يتقون، فإنَّ قلوبهم تظلُّ في حالةِ حياةٍ، فيسارعون إلى الاستفاقة والتذكُّر وإعادةِ تصحيح المسار.

في مقابل العذابِ الذي يصيب الذين لا يتقون، فإنَّ القرآن يذكر أبواب الخير التي تفتح للذين يتقون: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ".

وهي أيضاً علاقةٌ وإن كان التصديقُ بها يبدأُ من الإيمانِ بالغيبِ، إلا أنَّه يمكن رؤيتها وفهمها في عالم السنن والقوانين، فما العلاقة السننيَّةُ بين التقوى وفتح بركاتٍ من السماء والأرض؟

يمكنُ أن نقترب أكثر من فهم قوانين القرآنِ بالنَّظرِ في مشاهداتِ الواقعِ وتجاربِ الأممِ، فالأمم التي تتقي الظلمَ وتحذَرُ من عواقبِه فإنَّها تنجو من الخوف والتمزُّق الداخليّ واندلاع الاضطرابات، والأمم التي تتقي الظلمَ الاقتصادي فإنَّها تنجو من تفاقم مشكلات الفقرِ والفجوةِ الطبقيَّةِ وتآكل النسيج المجتمعيّ

إنَّ الأفراد والجماعاتِ الذين يتقون "يتجنَّبون ويحذرون" من عواقب الظلم والإسراف والإفسادِ، فإنَّهم يؤسِّسون علاقاتٍ صحيحةً بين الناسِ ومع الطبيعةِ، فتسود أجواءٌ من النزاهةِ والطمأنينة فتفتح أبواب الفرصِ وتسفر الطبيعة عن خيراتها المكنونة وينشأ مجتمع العدالة والوفرة وهذا طبيعيٌ يلاحظه من يستقرئ الاجتماع والتاريخ، أنَّه حيثما تقيم الأمم العدلَ وتتقي الظلم والفساد تبدأ طريق التنميةِ والوفرةِ والرَّخاء.

يمكنُ أن نقترب أكثر من فهم قوانين القرآنِ بالنَّظرِ في مشاهداتِ الواقعِ وتجاربِ الأممِ، فالأمم التي تتقي الظلمَ وتحذَرُ من عواقبِه فإنَّها تنجو من الخوف والتمزُّق الداخليّ واندلاع الاضطرابات، والأمم التي تتقي الظلمَ الاقتصادي فإنَّها تنجو من تفاقم مشكلات الفقرِ والفجوةِ الطبقيَّةِ وتآكل النسيج المجتمعيّ. والمجموعُ الإنسانيُّ إذا اتَّقى الإسرافَ في المواردِ الطبيعيَّة وقطع الأشجارِ وتلويث المياهِ فإنَّه سينجو من عواقبِ ذلك في التغيُّرِ المناخيِّ وانتشار الأمراضِ واستنزافِ الموارد.

هكذا تصدِّق آيات التاريخ آيات الوحي: "وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتَّقون". وهذا هو المعنى الذي كرَّس المفكرُ السوريُّ جودت سعيد حياته من أجله، أن يبيِّن للمسلمين كيف أنَّ آياتِ القرآنِ ينبغي أن نفهمها من خلال دراسة سنن النفس والاجتماع والتَّاريخ.

التقوى مقياس التفاضل بين الناس

بيَّن القرآن أنَّ ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، فلا فضلَ لأحدٍ بسببِ قومه أو لونه أو ماله أو منصبه أو نسبه وقرابته، لأنَّ كلَّ هذه الاعتبارات لا يختارها الإنسان ولا تعطيه ميزةً جوهريَّةً تفضِّله على غيره.

بيَّن القرآن أنَّ ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، فلا فضلَ لأحدٍ بسببِ قومه أو لونه أو ماله أو منصبه أو نسبه وقرابته، لأنَّ كلَّ هذه الاعتبارات لا يختارها الإنسان ولا تعطيه ميزةً جوهريَّةً تفضِّله على غيره

وحدها التقوى هي التي ينالها الإنسان بمجاهداته وسعيه الخاصِّ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". تخاطبُ الآية الناس جميعاً وليس الذين آمنوا وحدهم، لأنَّ التقوى معنىً إنسانيٌّ.

لم يفاضل القرآن بين الناس حتى بالأسبابِ التي تعدُّ خيراً في ذاتِها، فلم يقل أكرمكم أعلمكم أو أكرمكم أكثركم عملاً صالحاً، أو أكثركم إنفاقاً! بل أتقاكم، ولعلَّ سبب ذلك أنَّ التقوى هي الأكثر جوهريَّةً في تمييز الفروق بين الناسِ. فالعلم محمودٌ في ذاتِه، لكن قد تتوفر فرصةٌ لأحد الناس فيتعلَّم بينما لا يحظى آخر بنفس الفرصةِ، فلا يكون التفاضل في العلمِ معبِّراً بدقَّةٍ عن حريَّة إرادة الإنسان، وكذلك قد يساعد التركيبُ الجينيُّ لأحد الناس على منحه نشاطاً وقوةً أكثر من غيره فيكون أكثر عملاً أو يكون غنيَّاً فيكون أكثر إنفاقاً، فليس من العدل أن تكون المفاضلة بين الناس في أمرٍ تؤثر فيه عوامل خارج إرادتهم فيه.

التقوى وحدها هي التي تمثِّل حرية الإرادة المطلقة بين كلِّ الناسِ، فكل النفوس تهوى وتميلُ، فإمَّا أفرطت النفس في اتباع هواها وإما أبصرت العواقب فتذكرت وانتهت.

twitter.com/aburtema
التعليقات (1)
المناقش
الخميس، 12-01-2023 04:38 م
وبم تفسر وجود عدد من الملحدين قد ضبطوا غرائزهم وأنجزوا في مجالات العلم والاكتشاف والفنون والآداب بل والأعمال الخيرية؟! بل إن الثابت أن معظم المجتمع العلمي في عصرنا من هذا الصنف؛ فهل تحققت لديهم التقوى بشكل ما ؟ والتقوى ممن؟