نشرت
صحيفة "لوفيغارو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الدور الذي يلعبه
الملل
في تطوير
الصحة العقلية.
وقالت
الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الفرنسيين بدأوا يديرون
أعمالهم من خلال اجتماعات الفيديو منذ تصاعد موجة كورونا الأولى في أواخر الثلث
الأول من عام 2020 معلنين على شبكات التواصل الاجتماعي أنهم سيعيدون قراءة كتبهم
المفضلة ويشرعون في التدريب عبر الإنترنت وحتى تعلم لغة أجنبية من أجل تمضية ساعات
اليوم.
ونقلت
الصحيفة ما كتبه إميل سيوران، الفيلسوف الفرنسي، في هذا الشأن، حيث قال إن
"الشعور بالملل هو مضغ الوقت"، مبينة أن الملل يعتبر عدو العصر الحديث
حيث يخلق هذا الكسل الذي يعطي الشعور بأن الدقائق تمر إلى ما لا نهاية انطباعا
بالفراغ الذي أصبح لا يطاق في عصرنا الذي يتميز بإمكانية تحقيق الرضا بشكل سريع.
ومن جانبه؛ أكّد الطبيب النفسي باتريك ليموين، مؤلف مقال حول هذا الموضوع أن
"مكافحة الملل لم تكن مجدية بالكيفية التي توقعها الكثيرون".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت
الصحيفة أن الهواتف المحمولة تزودنا باستمرار بالمعلومات والشعور بالترفيه؛ حيث
لاحظت كلوي، مستشارة الاتصالات التي تعيش في باريس أنها "تشعر بالملل عندما
تتخلى عن هاتفها الذكي. وتشعر بالملل عندما لا يوجد شيء مجدول في جدول أعمالها.
وفي الواقع؛ لا تشعر بالملل أبدا".
وأصبح
الناس أكثر انشغالا بشكل مستمر، فمثلا، فقد الفرنسيون أكثر من ساعة من النوم خلال
خمسين عامًا.
ومع
ذلك، وفق الصحيفة، يكتسب الملل جوانب جيدة قد تنفع الإنسان. عندما تسلك طريقا
مألوفا، أو تؤدي مهمة متكررة، أو تغرق في التفكير أثناء الانتظار في محطّة قطار،
يمكن للدماغ أن يعمل بشكل بطيء ويستوعب اللحظات الماضية. لذلك، قال أوديل
شابريلاك، المختص في التحليل النفسي ومؤلف كتاب "القليل من مديح الملل":
"نحن لسنا آلات! إذا لم نمنح أنفسنا وقتًا لقضاء الإجازة فسينتهي الأمر
بجسمنا إلى فرض ذلك علينا، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق".
وأوضحت
الصحيفة أن السماح لعقلك بالشرود له فوائد أخرى، فعندما تهدأ المحفزات الخارجية،
يمكن لدماغ الإنسان المغامرة في مساحات غير معروفة.
ووفقًا
للباحثين الأمريكيين ساندي مان وريبيكا كادمان، فإن الملل يعزز الإبداع، ففي
دراستهما المنشورة سنة 2014؛ أظهرت مجموعة من 40 شخصا تم الطلب منهم القيام بمهمة
مملة وهي نسخ أرقام الهواتف من دليل؛ إبداعًا أكبر من مجموعة أخرى مكونة أيضا من
نفس العدد، طُلب منهم إنشاء أشكال من اثنين من الكؤوس البلاستيكية.
اظهار أخبار متعلقة
وذكرت
الصحيفة أن عالمة الأعصاب أليسيا والف تصر على أهمية أن نشعر بالملل من وقت لآخر
لصحتنا العقلية، وقد أكّد أشهر المؤلفين أنهم حصلوا على أفضل أفكارهم أثناء
البستنة أو الاستحمام. وألقى الحجر الصحي بسبب تفشي جائحة كوفيد -19 الضوء على
حكاية رُويت عن إسحاق نيوتن حيث إنه أثناء الطاعون العظيم في لندن سنة 1665، لم
يذهب الرجل الإنجليزي الشهير الذي كان لا يزال طالبا، لتلقي دروسه، وظلّ محبوسًا
في منزله يتجول في أركانه لقتل الملل، ورأى أثناء تجواله تفاحة تتساقط وهو ما جعله
يتساءل عن سبب عدم سقوط القمر، ولعل هذا التساؤل سوف يؤدي انعكاسه إلى قانون
الجاذبية العالمي.
وقالت
الصحيفة إنه قد يخطر لنا أن نتساءل ما الذي يدور في أذهاننا عندما نشعر بالملل؟ مبينة أن باتريك ليموين، يقول في هذا الصدد: "العقل يحلق، فتنفتح فجوات بين
الدماغ الأيمن والأيسر وقد يظهر وميض العبقرية"، ويضيف أوديل شابريلاك:
"يتيح لنا الخمول أن نتمكن من الوصول إلى شعور الاسترخاء والإبداع والخيال من
خلال إزالة السموم التي توجد داخلنا من العالم وقيمه"، فإنه يمنحنا بالتالي
إمكانية "التراجع عن حياتنا الحالية للتغلب على حقيقة أخرى حتى أنها ستكون
حالة يقظة حقيقية للوعي"، كما أن التأمل يمكن اعتباره وسيلة للحث على الملل،
ويقول رودولف، مهندس في بريف: "أحاول الشعور بالملل لمدة ساعة أو ساعتين في
الأسبوع، فهذا يسمح لي بتقييم مكاني".
اظهار أخبار متعلقة
ومع
ذلك، بحسب الصحيفة، فإن إيقاف تشغيل الشاشات وعدم القيام بأي شيء يعد اختبارا
للبعض، فمن جانبها؛ قالت ديان إحدى المتطوعات في الدراسة: "أريد أن أستمتع
بالحياة بشكل كامل لذلك أشجع جميع أنواع النزهات. إنه نوع من نشاط الشره المرضي
وأعتقد أن تجنب الملل هو في الأساس هروب وطريقة حتى لا أواجه نفسي". كما
أضافت الممثلة الكوميدية أليس "عندما أشعر بالملل، أشعر بمزيد من الوقت يمر
وهذا يقلقني".
وختامًا،
أوردت الصحيفة أن الخوف من الملل يكمن وراء الخوف من الفراغ مما يولد مساحة قد
تثار فيها أسئلة وجودية لأن الملل في كثير من الأحيان يعتبر فرصة لظهور العواطف
والتفكير في كثير من الجوانب التي تخص المرء.