قضايا وآراء

ماذا لو فاز المغرب بكأس العالم؟!

محمد ثابت
بين أفراح الرياضة وهموم الواقع- جيتي
بين أفراح الرياضة وهموم الواقع- جيتي
اجتمعتْ قلوب العرب خلف منتخباتهم الأربعة التي شاركت في كأس العالم بنسخته القطرية الحالية، تناسوا الخلافات والحدود والصراعات المزمنة وعدم تقدير طرف من الأنظمة للطرف الآخر، أجبرت محبة الشعوب الجميع على الوقوف وراء حلم التأهل لأعلى، بل وصل الأمر بالبعض لرؤية أن الفرصة أتت متأخرة ليثأر العرب من الغرب، وهي نظرة اشتعلت وتمادت إثر تغلب المنتخب المغربي الشقيق على الإسباني مساء 6 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ثم البرتغالي مساء السبت الماضي. وعلا التصور بآخرين فرأوا أن الهزيمة التي لحقت بالفريق الإسباني مقدمة لثأر عربي تاريخي مما حدث لهم في الأندلس.

جاء التقدم المغربي للمربع الذهبي للمرة الأولى لدولة عربية أو أفريقية معبرا لدى كثيرين عن آمال ضخام وانتصارات تحققها كرة القدم على حساب هزائم وانكسارات تاريخية جمة بدأت منذ قرون، ويبدو أن لدينا انتظارا سيطول للتغلب عليه. وبوجه عام فقد توقف التناول العالمي للأحداث بمقدارها اللازم خلال الفترة من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى نهاية المباراة النهائية في 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، فتراجعت متابعة الحرب الأوكرانية- الروسية وغيرها من المحن العالمية، سواء في سوريا أو في دول عربية أخرى مضارة من الاستبداد والحكام الظالمين، ولف الجميع تأجيل وكأن صوتا يهتف بهم بألَّا صوت يعلو على الكأس ومباراياته، ولو كانت آلامهم أو ما يبدو أنها فوضى في حياتهم، وهو ما يذكر جزئيا بمسلسلات رمضان المصرية ومقولة كاتب مصري وشاعر مقرب من النظام منذ سنوات: لقد لف البلاد خلال الشهر الكريم ليل طويل من الدراما أبعدها وغربها عن قضاياها المهمة.
توقف التناول العالمي للأحداث بمقدارها اللازم خلال الفترة من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى نهاية المباراة النهائية في 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، فتراجعت متابعة الحرب الأوكرانية- الروسية وغيرها من المحن العالمية، سواء في سوريا أو في دول عربية أخرى مضارة من الاستبداد والحكام الظالمين

ومن جانب آخر، بدا لبعض أبناء الأمة العربية الإسلامية أن انتصارا للقضية الفلسطينية يتحقق برفع علم دولتها المفترضة في المدرجات أو إثبات عدم تقبل الجماهير لوجود إعلام صهيوني على أعتاب بوابات الملاعب، هذا فيما يواجه أشقاؤنا تحت الاحتلال آيات ممتدة من المعاناة داخل السجون وخارجها!

وقفت الراحلة السيدة "أم كلثوم" في حفل الخميس الأول من أيار/ مايو 1967م قائلة قبل أن تغني: "بإذن الله ستكون حفلتي القادمة في الشهر المقبل في تل أبيب"، ثم سهر كثيرون في القاهرة مع كلماتها حتى قبيل الفجر. ومن تل أبيب ردت رئيسة وزراء الكيان الغاصب قائلة في اقتضاب: "أتحداك أن تغني في القاهرة بالشهر المقبل".

قيل بعدها وانتشر أن المطربة الراحلة دخلت في حالة من الاكتئاب المفرط حتى لقيها الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" فقال لها:

لقد نجحت فيما فشلت فيه، فلو أن عربيا مضى بسيارته في الخميس الأول من كل شهر لسمع صوت أغانيك من الإذاعات العربية في العواصم المختلفة أكثر مما يستمع لأي كان غيرك، لقد وحّد صوتك العرب بما فشل السياسيون فيه!

وسواء اختلفنا أم اتفقنا مع "عبد الناصر" وكون "أم كلثوم" جزءا من مشهده السياسي، مثلما كانت جزءا من المشهد في أيام حكم الملك الراحل "فاروق"، ومثلما استمر دورها حتى وفاتها أيام حكم الرئيس الراحل "أنور السادات"، وقد غنت -رحمها الله- لفاروق مثلما غنت لـ"السادات" وبينهما "عبد الناصر" سواء بسواء، لكن ما يهمنا هنا أن مغنية عربية تَحلّقَ ملايين العرب حولها واجتمعوا على صوتها.
إن قيل لنا إن هذه النسخة من الكأس حسنت صورتنا كعرب ومسلمين في العالم، كان الرد واضحا: أوَ لسنا مشاركين بجانب كبير وخطير من مكونات هذه الصورة بطول تخاذلنا ودوام نعاسنا عن أسباب الحضارة؟ وهل سبيل الإفاقة باكتمال أدوات العلم والرفعة أولا ثم مثل هذه المباريات ثانية أم العكس؟!

فكيف -إذن- لأمة سادت العالم أن تظل على هامشه اليوم فلا يجمعها إلا صوت مغنية أو حتى مطربة وربما مطرب، أو مغنٍ، أو فريق لكرة قدم أغلب أعضائه يلعبون في ملاعب غربية بعيدة عن تعقيدات وروتين حياة بلادهم؟

وكيف تتضاءل أعمالها وسعيها نحو الكرامة والصناعة والسؤدد، فضلا عن إعادة مكانتها الحضارية، رحمة بأبنائها؛ أفضلهم مَنْ تتلقفه المنافي ويكاد يموت في الغربة؟ بل كيف تتغاضى عن مواصلة قيادة العالم والمشهد الحضاري بإعادة روح العدل والمساواة بين أرجاء عالم يمور بالطغيان والاستبداد من ناحية والاستهلاكية والمادية من ناحية أخرى؟

إننا نفرح لفرح الأمة ولو كان هذا عبر تحقيق انتصار بمباراة أو ما شابه، ونتقبل مفهوما من مثل أن ساحات للتجمع الجماهيري شهدت دعوة لله على أيدي علماء مختصين، وأن مثل هذه الفعاليات مطلوب أن تزدان بديننا الحنيف لكن دون مبالغة في الإنفاق عليها بما تحتاجه الأمة في الأساس. فإن قيل لنا إن هذه النسخة من الكأس حسنت صورتنا كعرب ومسلمين في العالم، كان الرد واضحا: أوَ لسنا مشاركين بجانب كبير وخطير من مكونات هذه الصورة بطول تخاذلنا ودوام نعاسنا عن أسباب الحضارة؟ وهل سبيل الإفاقة باكتمال أدوات العلم والرفعة أولا ثم مثل هذه المباريات ثانية أم العكس؟!

ولكن لا يخفى علينا -كما لا يخفى على كل عاقل- أن انتصارا بمباراة أو أكثر لا يساوي نيلا لبطولة حقيقية، فضلا عن حسم موقف حضاري، فحتى لو فاز المغرب بالبطولة -وهو ما نتمناه- لكن أفيكون هذا إيذانا بإشراق شمس حضارتنا الغائبة، ورد المظالم التي يعاني العالم منها وترزح تحتها حتى أمتنا المطلوب منها إنارة الدرب لغيرها؛ فلا تستطيع مجرد تحديد أولوياتها، أو الإفاقة من سباتها، فتفضل خطوطا يرسمها العدو لها، أو حتى يتركها على مضض على أن تسلك بنفسها طرقا تؤدي لبداية رفعتها وإعزاز قيمها ومفاهيمها؟! فنحن لا نريد -على سبيل المثال- أن نأخذ بيد أمهاتنا لنفخر بهن أمام الكاميرات بعد انتصار بإحراز أهداف، وإنما نريد من قبل أن نأخذ بأيدي أنفسنا وأهالينا لانتصارات في المعامل البحثية بمختلف أنواعها لرفعة وتقدم أنفسنا ثم العالم؛ ولا يهمنا عندها أن توجد الكاميرات أو تفتقد، فالأهم أن نشعر بأننا نصحو من غفلتنا ونساهم ولو ببداية قدر مناسب من صناعة غذائنا وسلاحنا وداؤئنا!
نريد من قبل أن نأخذ بأيدي أنفسنا وأهالينا لانتصارات في المعامل البحثية بمختلف أنواعها لرفعة وتقدم أنفسنا ثم العالم؛ ولا يهمنا عندها أن توجد الكاميرات أو تفتقد، فالأهم أن نشعر بأننا نصحو من غفلتنا ونساهم ولو ببداية قدر مناسب من صناعة غذائنا وسلاحنا وداؤئنا!

مطلوب من كل فرد من أفراد الأمة أن يحسم علاقته بربه، فعبادته له مهمة ولكنها لا تكتمل إلا بسعيه لإعمار الأرض ومعاملته للآخرين، ومن هنا نبدأ مسيرة وضع لبنة لإعادة إحياء الأمة وبث العافية بين ربوعها، وهو دور سامٍ تمنينا لو انتبه إليه كل فرد من أفرادها تمهيدا لإفاقة ونهضة حقيقية تؤدي لازدهار الخير بالوطن العربي ثم العالم الإسلامي.. انطلاقا لإعادة شمس ازدهار وراحة وطمأنينة العالم كله، فليس أيسر ولا أهون من خداع البسطاء وعامة المسلمين بتصوير ما يحدث في كأس العالم الأخير على أنه انتصار ساحق ماحق لهزائمنا الكثيرة المتراكمة، ثم انتظار نيل مكسب فردي، أو تدبيج العبارات المخجلة للأسف عن أن انتصار فريق المغرب -مثلا- على البرتغال يساوي تذكيرا بمعركة فاصلة كـ"وادي المخازن" عام 1578م. فليس بكرة القدم والانتصارات الباهتة كإضاءات الكاميرات (الفلاشات) ثم طول السبات يأتي تقدمنا بعد نهضتنا، ومن ثم اعتذارنا لآلاف الشهداء الذين قضوا وعاشوا لدى ربهم في سبيل نصرة أمتنا وبقائها، وإنما بالثبات على دور ولو قليل نظير تقدم للأمام ولو بطيء.

وأحسن الله إلى القائل الذي كثيرا ما يتردد صوته بين حنايا الروح: "إنني أغني للأمل حينما يكون وردة طالعة من رحم الأرض لكنني أخجل من إيهامكم بالورود المزيفة"!
التعليقات (0)