صحافة دولية

كاتب: بريطانيا تواصل التعثر.. ما علاقة بريكست؟

مع تولي سوناك رئاسة الوزراء يبدو أن توقفا مؤقتا للاضطرابات السياسية قد حصل- جيتي
مع تولي سوناك رئاسة الوزراء يبدو أن توقفا مؤقتا للاضطرابات السياسية قد حصل- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب البريطاني أناند مينون، يتحدث فيه عن الوضع الصعب الذي تعيشه المملكة المتحدة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والتأثير المستمر لوباء كورونا، وحرب أوكرانيا، واصفا ذلك بـ"الفوضى" التي لا يمكن السيطرة عليها.

 

وقال أستاذ السياسة الأوروبية والشؤون الخارجية في كلية كينغز لندن البريطانية، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن السنوات الست منذ استفتاء بريكست شهدت الكثير من الاضطرابات. وفي الأشهر الأربعة الماضية وحدها، شهدت البلاد استقالة رئيسي وزراء.

 

وأوضح أن الكثيرين احتاروا كيف يفهمون انحدار المملكة المتحدة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها.

 

والآن، مع تولي ريشي سوناك رئاسة الوزراء، يبدو أن توقفا مؤقتا للاضطرابات السياسية قد حصل. عندما اتضح أنه سيفوز، ارتفعت قيمة الجنيه البريطاني، ومع ذلك، لا تزال المملكة المتحدة تبحر في المياه الاقتصادية والسياسية المضطربة، "ربما يكون هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة".


وفي آذار/ مارس، حتى قبل انهيار حكومة جونسون، حذر مكتب مسؤولية الميزانية (OBR)، من أن مستويات المعيشة ستنخفض بنسبة 2.2 بالمئة في العام المقبل. ولكن بدلا من مواجهة هذا التحدي، لا سيما المتمثل في الارتفاع السريع في أسعار الطاقة، قرر حزب المحافظين قضاء الصيف بأكمله منشغلا في منافسة القيادة التي خرجت منها تروس منتصرة.

 

ولفت الكاتب إلى أن حجم التحدي الاقتصادي الذي تواجهه البلاد أصبح واضحا، حيث ستواجه حوالي مليوني أسرة بريطانية زيادات حادة في تكاليف الرهن العقاري خلال العامين المقبلين. وربما يعيش حوالي 14 مليون بريطاني في فقر العام المقبل، بزيادة قدرها ثلاثة ملايين منذ 2021-2022.

 

اقرأ أيضا: استطلاع: 64 بالمئة من البريطانيين مع الدعوة لانتخابات مبكرة
 

وأدى ارتفاع تكاليف المعيشة إلى إضرابات واسعة النطاق. كان عمال السكك الحديدية والبريد في إضراب متقطع، وسينضم إليهم قريبا مجموعة من العاملين في القطاع العام. في أواخر الأسبوع الماضي، صوت أعضاء الكلية الملكية للتمريض للسماح بالإضراب لأول مرة في تاريخها، البالغ 106 أعوام.


في غضون ذلك، حذرت الشبكة الوطنية، المسؤولة عن نقل وتوزيع الكهرباء والغاز، من احتمال انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات خلال فصل الشتاء. حتى مع وضع حد أقصى لسعر الطاقة من قبل الحكومة، وهو مخطط تم تقديمه في أيلول/ سبتمبر، لمساعدة الجمهور على التعامل مع فواتير الطاقة المرتفعة، فإن الأسرة المتوسطة ستدفع ما يعادل 3000 دولار تقريبا سنويا مقابل الطاقة، وهي زيادة كبيرة مقارنة بمتوسط فاتورة بقيمة 1500 دولار في عام 2021.

 

أين يكمن بريكست؟

 

يكمن بريكست في خلفية جميع النقاشات حول الفوضى السياسية والانحدار الاقتصادي في البلاد. بالنسبة إلى دعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإن قرار المغادرة في حد ذاته مسؤول عن المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية. كما أن المراقبين الأجانب، لا سيما في أوروبا، ينسجمون مع هذا الرأي.

 

ويزعم مؤيدو بريكست أن تردد الحكومة والفشل في استيعاب جميع فوائد الخروج الاتحاد الأوروبي هو السبب في الوضع الحالي.


مع ذلك، من الواضح أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس التفسير الوحيد البسيط لكل ما يجري. على الرغم من أنه أضر بالاقتصاد البريطاني، إلا أنه بالتأكيد ليس محركا رئيسيا لأزمة تكلفة المعيشة الحالية، ولا لارتفاع تكاليف الطاقة.

 

ورأى الكاتب البريطاني أنه يمكن أن يعزى ذلك إلى حد كبير إلى التأثير المستمر لكوفيد-19 والحرب في أوكرانيا. كما أن بريكست لا يمثل بشكل مباشر الاضطرابات داخل حزب المحافظين، التي تنبع جزئيا على الأقل من السماح لأعضاء الحزب باختيار زعيمهم.


لكن بريكست يواصل تشكيل التطورات في المملكة المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر. وقدّر مكتب مسؤولية الميزانية أن بريكست سيقلل من الإنتاجية على المدى الطويل للبلاد بنسبة 4 بالمئة مقارنة بما ستكون عليه لو بقيت الدولة في الاتحاد الأوروبي.. وهناك القليل من الشك بين الاقتصاديين الجادين في أن بريكست قد أثر على الوضع الاقتصادي والمالي العام للمملكة المتحدة.


ويستمر بريكست في تقويض محاولات التعامل مع الأزمة الاقتصادية. في محاولة يائسة لإثبات أنها "تستغل فرص بريكست"، قدمت حكومة تروس مشروع قانون فتح إمكانية إسقاط أو تعديل جميع القوانين الموروثة من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية عام 2023، وهو ما يوجد حالة من عدم اليقين العميق لدى الشركات بشأن المشهد التنظيمي الذي تعمل فيه. في الوقت ذاته، قد تنشأ حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي إذا كانت هناك مواجهة حول بروتوكول أيرلندا الشمالية.

 

اقرأ أيضا: أبرز التحديات التي تواجه سوناك كرئيس للوزراء (إنفوغراف)

كما شجع بريكست على اتباع نهج "لا يعتمد على الأدلة" في صنع السياسات. من الادعاءات المضللة حول تكلفة عضوية الاتحاد الأوروبي إلى البيان السيئ السمعة لعام 2016 من الوزير آنذاك مايكل غوف بأن البلاد "لديها عدد كافٍ من الخبراء"، كانت الحملة المؤيدة لبريكست بمثابة نذير مسبق لتحدي إدارة تروس للأرثوذكسية الاقتصادية.

 

اشتهر جونسون بتبني ما أسماه نهج "الكعكي" للسياسة، الذي يعني أنه يمكن أن يحصل على كعكته ويأكلها أيضا، ويفشل في معالجة الخيارات الصعبة والمفاضلات التي تنطوي عليها. وعد بيانه لعام 2019 بزيادة الإنفاق، واستبعد الزيادات الضريبية، ما يشير إلى تصادم مع الواقع الاقتصادي في مرحلة ما، وإن لم يكن بحجم التصادم الذي أحدثته تروس ووزير ماليتها كواسي كوارتنغ.


كان بريكست من نواحٍ عديدة ثورة سياسية، وتمردا ضد ما اعتبره الكثيرون أشكالا من العقيدة السياسية والاقتصادية التي أفشلت البلاد. يعرف أي شخص عاش في المملكة المتحدة في صيف 2016 أن التقشف وآثاره دفعت الرغبة في التغيير بأي ثمن. ومع ذلك، فإن العودة إلى الأرثوذكسية قبل عام 2016 بعد ست سنوات من معارك بريكست، ربما لا تكون ما كان يدور في أذهان هؤلاء الناس.

 

والآن، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الخروج رسميا من الاتحاد الأوروبي، لا توجد أي نتائج إيجابية، بل ظهرت سلسلة من الفضائح والأزمات. ووصف الكاتب كلا من رئيسي الوزراء السابقين: بوريس جونسون وليزا تراس، بأنهما شعرا بالرغبة في "تغيير جذري"، لكنهما لم يعملا من أجل نظام أكثر عدلا وكفاءة، "لقد كانا متمردين أساءا فهم السبب".

 

وبعد أن اجتاز موجة بريكست الثورية، يريد حزب المحافظين الآن الحفاظ على الهدوء. فقد ولدت عملية التخلص من تروس العلنية من الذعر في مواجهة اضطرابات السوق، وبشرت بمحاولة للعودة إلى الخطوط الفاصلة في الماضي. يبدو أن حكومة سوناك قلصت التزاماتها بتسوية وإصلاح التباينات الاقتصادية في البلاد، وتقوم الآن شخصيات مألوفة من حقبة ما قبل بريكست بترويج تخفيضات الإنفاق والتقشف كدواء مؤلم، لكنه ضروري لجمهور يأمل الحزب أن يعود مرة أخرى للإيمان بالمحافظين كحزب الاستقامة المالية.

 

ويرى الكاتب أن هناك اختلافات عميقة بين الآن والوقت الذي تمت فيه تجربة هذا العلاج آخر مرة قبل عقد من الزمن. لم يتبق سوى القليل جدا من الإنفاق الحكومي لخفضه، بل إن هناك رغبة أقل من جانب الجمهور لخفضه. لقد دمر حزب المحافظين سمعته من حيث الكفاءة الاقتصادية.

 

وأشار الكاتب إلى أن هناك ثورة، وقد بنى المحافظون حكومة على خلفية دعم أولئك الذين صوتوا لإنهاء الوضع الراهن القديم، وكان قرار أعضاء الحزب برفض سوناك خلال الصيف، في جزء منه، رفضا لفكرة أن يحكمها رجل مؤمن بالعولمة. وتابع بأن بريكست أدى إلى تغيير شروط الحوار بشكل جذري. إن تجاهل هذه الرغبة قد ينذر بمزيد من عدم الاستقرار السياسي في المستقبل.

 

وأشار إلى أنه لدى سوناك مساحة أقل للمناورة. ولا يستطيع بسهولة وببساطة إرضاء هؤلاء الناخبين من حزب المحافظين.

 

ونوه إلى أن الديمقراطيين الليبراليين يستهدفون الآن مقاعد حزب المحافظين باستمالة الناخبين المحافظين القلقين بشأن ارتفاع تكلفة الرهون العقارية وتأثير بريكست، من بين قضايا أخرى.

 

وأشار إلى أن حزب المحافظين قد دمر سمعته من حيث الكفاءة الاقتصادية. ومن الناحية السياسية بدأ تحالف البريكست في الانهيار. فبينما كان متحدا بشأن ما يُسمى قضايا القيم، إلا أنه ليس كذلك في الاقتصاد -والاقتصاد هو اسم اللعبة السياسية هذه الأيام- والأهم من ذلك، أن أعدادا متزايدة من الناخبين بدأت ترى أن البريكست يضر بالاقتصاد.

 

التعليقات (0)