هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا، تطرّقت فيه لنداءات المقاطعة الرياضية لمونديال قطر 2022 - احتجاجًا على مزاعم عدم احترام حقوق الإنسان في قطر- والتي على الرغم من الضغوط الممارسة من بعض وسائل الإعلام، وحتى من المواطنين، لم يكن لها أي تأثير على سير الاستعدادات لهذه البطولة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن قضية المقاطعة تعيد إلى أذهاننا الموقف الذي اتخذه نجم المنتخب الفرنسي سابقًا، ميشيل بلاتيني، في مونديال الأرجنتين 1978. فمع اقتراب النهائيات، رفض نجم "لي بلو" جملة وتفصيلًا فكرة التخلي عن المشاركة في كأس العالم، ورفض هو وزملاؤه في المنتخب، السباحة في فلك أولئك المثقفين من أمثال لويس أراغون ورولان بارت ومارغريت دوراس، ممن نادوا بمقاطعة المونديال، احتجاجًا على انتهاكات نظام الجنرال فيديلا في ذلك الوقت.
وبعد أربعة وأربعين سنة من ذلك، يعيد التاريخ نفسه، إذ أن لاعبي منتخب فرنسا، لن يخضعوا لنداءات المقاطعة التي تتعالى من هنا وهناك، في بعض المدن الفرنسية، وسيسافرون إلى قطر في رحلة عادية بالطائرة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ومع بقاء ما يزيد قليلاً عن شهر قبل بدء البطولة (20 تشرين الثاني/نوفمبر- 18 كانون الأول/ديسمبر)، قد تربك قضية المقاطعة استعدادات الدوحة، لكنها لن تعرف طريقها للنجاح لأسباب عديدة؛ حيث لا توجد أي دولة حتى الآن، تبنّت الفكرة رسميًا، خاصة وأن هناك الكثير من الرهانات الاقتصادية التي تتم على كأس العالم باعتباره أكبر مشهد كروي.
وتلفت الصحيفة إلى أن ما يسمى بالمقاطعة "الكلية" - التي تتمثل في إبقاء الفريق أو الرياضيين في المنزل - هي أسلوب تجاوزه الزمن يشير إلى حقبة الحرب الباردة، عندما قاطع الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس 1984، ردًّا على قيام الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بالمثل، قبل أربع سنوات، حين قاطعوا أولمبياد موسكو 1980.
وأوضحت الصحيفة أن الأجواء الجيوسياسية لسنة 2022 ليست هي نفسها في ذلك الوقت؛ حين كان جيمي كارتر وليونيد بريجنيف يتحادثان عبر الخط الأحمر. فالمقاطعة استُخدمت في السبعينيات والثمانينيات، لكنها ظلت منذ ذلك الحين تشكل تهديدًا بسيطًا، كما يقول جان بابتيست غويغان، المتخصص في الجغرافيا السياسية الرياضية. وفي الواقع، لم تأتِ تلك المقاطعات سوى بنتائج عكسية على الرياضة في المعسكرين، ولم تغير من ميزان القوى شيئًا.
وبحسب الصحيفة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد هزيمتها في 2010 أمام قطر في سباق الظفر بتنظيم المونديال، كانت في طليعة المعركة القانونية للتنديد بمنح تنظيم المونديال لقطر بطريقة غير قانونية حسب مزاعمها؛ ومع ذلك، لم ترق هذه الحملات مطلقًا للتفكير في عدم إرسال منتخبها للمشاركة، والدولة الوحيدة التي حرّكت القضية بنوع من الجدّية، هي النرويج، وكان ذلك بدعوة من الأندية والمشجعين ردًا على مزاعم ظروف العمال المهاجرين التي كشفت عنها مقالة الجارديان في شباط/فبراير 2021، وتم تنظيم تصويت في حزيران/يونيو من نفس العام من قبل الاتحاد النرويجي لكرة القدم خلال مؤتمر استثنائي.
قضية أخلاقية ومدنية
وبحلول سنة 2022، فشل منتخب النرويج في التأهل لكأس العالم ولم يعد يعنيه هذا النقاش. عدا ذلك؛ أظهر 48 بالمئة من الألمان الذين تم استجوابهم أنهم سيؤيدون سحب منتخبهم، وفقًا لاستطلاع أجرته وكالة الأنباء الألمانية.
وفي فرنسا، أبدى 39 بالمئة، في نيسان/أبريل الماضي، رغبتهم في تخلي منتخبهم عن الذهاب إلى الدوحة، وفقًا لاستطلاع لقناة "أر تي أل" لم تكن له أي صلة بالاتحاد الفرنسي لكرة القدم، الذي لا يفكر في عدم الدفاع عن لقبِِ فاز به سنة 2018، تحت أنظار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أربع سنوات من ضم شبه جزيرة القرم.
ونوّهت الصحيفة بأن منظمة العفو الدولية لم تدع إلى أي مقاطعة، وهو أمر تعرف أنه مستحيل، وتفضل أساليب عمل أخرى أكثر دبلوماسية إن صح التعبير.
وخاطبت هذه المنظمة الدولية في رسالة موجهة إلى لاعبي المنتخب الفرنسي "أحضروا الكأس إلى الوطن"، روحَ الوعي السياسي والمدني والبيئي لأبطال العالم، قائلةََ: "شاركوا في إيصال صوتكم، من خلال التعبير بوضوح عن تضامنكم، عبر خطابات على شبكات التواصل الاجتماعي، أو عن طريق التوقيع على عريضتنا".
في هذا السياق، أبدى جان بابتيست جيغان ملاحظة قائلًا: "في الوقت الحالي، نشهد ظهور الرغبة في المقاطعة الأخلاقية". الآن، في العلاقات الدولية، الأخلاق هي بوصلة، لكنها ليست إجابة حتمية.
وأضاف الممثل الفرنسي فينسينت ليندون: "لا يحق لدولة أن تطلب من اللاعبين مقاطعة كأس العالم؛ اللاعب حر في تصرفاته، لأنه في نهاية المطاف فنان".
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن إعلان المجالس البلدية في فرنسا، أنها لن تقوم بتركيب شاشات عملاقة لبثّ مباريات كأس العالم هذا الخريف، حوّل المقاطعة إلى قضية ساخنة لدى مشجعي كرة القدم. في حين أن البعض قد حسم الأمر، إذ أيّد اللاعب السابق إريك كانتونا - الذي لم يسبق له أن لعب كأس العالم - أنه يفضل المقاطعة. وربما أصبحت المقاطعة قضية وطنية، ولكن، سيكون من السهل قياس مدى تأثيرها، اعتبارًا من 20 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد مشاهدتنا للجماهير وهي تغزو ملاعب كأس العالم.