ملفات وتقارير

ما هي دوافع الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري؟

غالبية السوريين يرغبون بالهجرة وخاصة بين الشباب- جيتي
غالبية السوريين يرغبون بالهجرة وخاصة بين الشباب- جيتي

استعرضت دراسة جديدة أجراها مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، ظاهرة هجرة السوريين من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.


ووجدت الدراسة المعنونة بـ"الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري بعد عام 2019، الدوافع، الوجهات، الآثار"، أن غالبية السوريين يرغبون بالهجرة، وخاصة بين الشباب، في حين أبدى كبار السن رغبة أقل.

الدوافع

ومطولا، استعرضت الدراسة بالاعتماد على استبيانات ومقابلات مع أشخاص داخل سوريا وخارجها، دوافع الهجرة.

وكان لافتا أن حسابات الموت والإصابة من القصف لم تعد من بين المسببات التي تدفع بالسوريين للهجرة، بعد هدوء الجبهات وحالة شبه الاستقرار التي تعيشها مناطق النظام، وفي هذا الصدد تنقل الدراسة شهادة لأحد السوريين يقول فيها: "أريد أن أسافر لأجل العمل، يعني السبب المالي أولاً، في بداية الأحداث كان الناس يهاجرون كي لا يموتوا، اليوم نفكر كيف سنعيش، كيف سأعيل أولادي وأساعد أهلي بهذا الفقر".

وتصدر الواقع الاقتصادي الصعب وما يرتبط به من عدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية للحياة أبرز الأسباب التي تدفع إلى الهجرة، خاصة بعد فقدان الأمل بالحل بعد 11 سنة من الحرب.

كذلك، كانت المخاوف الأمنية (الاعتقال الملاحقة الأمنية) والخدمة الإلزامية للذكور، من بين الأسباب، علاوة على انعدام الأمن بالنسبة للإناث.

 

اقرأ أيضا: ماذا يعني إطلاق "قافلة" هجرة سورية من تركيا إلى أوروبا؟

ولاحظت الدراسة التي تسلمت "عربي21" نسخة منها، أن غالبية المهاجرين من المتعلمين وأصحاب المهن والحرف، ومن هم في سن الجامعة، ورجال الأعمال والمستثمرين والصناعيين.


الوجهة

 

وطبقا للدراسة تشكل الإمارات ومصر وإقليم كردستان العراق الوجهات الأكثر هجرة إليها، علاوة على الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، والمحافظات الشرقية السورية الخاضعة لسيطرة ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ورأت الدراسة أن الصناعيين والتجار وبعض من يرغب في متابعة التعليم اختار مصر، أما أصحاب رؤوس الأموال والحرف المميزة فتوجهوا إلى الإمارات، أما من ليس لديه إمكانات مادية كبيرة، فاختار الشمال السوري، للدخول نحو تركيا والتوجه نحو أوروبا.

وبعد ذلك، قالت الدراسة إن الهجرة التي تجري من مناطق النظام هي هجرة اقتصادية، تهدف إلى تأمين فرص عمل أفضل وحياة كريمة، ما يعني أن المهاجرين لا تنطبق عليهم صفة اللاجئين، لعدم وجود خطر على حياة أغلبهم.

وعن ذلك، يقول الباحث في مركز "حرمون للدراسات" الدكتور سمير العبد الله، وهو معد الدراسة، لـ"عربي21" هي هجرة اقتصادية لأنها مرتبطة بأسباب متعلقة بالرغبة بالحصول على عمل ودخل أفضل في بلد الهجرة، بعد تراجع الأمور الاقتصادية بشكل كبير في مناطق سيطرة النظام، ولا يمكن أن يُطلق عليهم صفة لاجئين لأن اللاجئ هو من يُجبر على مغادرة بلده نتيجة الخوف على حياته أو الخوف من الاعتقال، أما المهاجرون بعد 2019 من تلك المناطق ليس لديهم مشاكل أمنية مع النظام السوري، وهم من اتخذوا القرار بمغادرة البلد بحثاً عن حياة أفضل، ولديهم إمكانية العودة لمنازلهم.

وكانت الدراسة قد أشارت إلى دوافع أمنية، وحسب العبد الله، فإن الدوافع الأمنية مرتبطة هنا بالطلب للخدمة الإلزامية بالنسبة للذكور، والقلق من تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار العصابات بالنسبة للإناث، فهي ليست مرتبطة بالخوف من الاعتقال نتيجة موقف سياسي على سبيل المثال.

آثار سلبية وإيجابية

ووقوفا عند نتائج الهجرة على المجتمع، تحدثت الدراسة عن آثار سلبية منها نقص عنصر الشباب في المجتمع السوري ما يحوله إلى مجتمع كهل غير منتج.

وفضلا عن ذلك، بدأت البلاد تعاني نقصا في اليد العاملة ببعض المهن كالطب والمهن الحرفية، وخللاً ديموغرافياً يؤدي لزيادة نسبة الإناث على الذكور، ما يؤدي لظهور مشكلات اجتماعية.

في المقابل، نوهت الدراسة بالآثار الإيجابية على المهاجرين، من حيث أن الهجرة تؤمن لهم في الغالب حياة كريمة، وتتيح لهم إرسال حوالات مالية لأهلهم داخل سوريا.

ما دور النظام السوري؟

وفي حين لفتت الدراسة إلى "تسهيل" بعض الجهات السورية للهجرة، قالت: إن "الهجرة هي انعكاس لسوء الأوضاع التي تعيشها مناطق النظام".

لكنها، أوردت بعض الشهادات التي اتهمت النظام بالرغبة في السيطرة على ما تبقى من ثروات السوريين، وكذلك في إجراء تغيير ديموغرافي وتحديداً هجرة المكون السنّي.

وجاء في شهادات أخرى أن هناك جهات خارجية تشجع وترغب في هجرة السوريين، وعلى رأسها روسيا وإيران.

وتعليقا، يقول الباحث السوري غسان الأحمد، إن من بين أسباب موجة الهجرة من مناطق النظام هي تسهيلات النظام وغض النظر من جانبه عن طرق التهريب.

ويؤكد لـ"عربي21" أن الانتهاكات من جانب المخابرات تدفع بأعداد كبيرة للخروج، كذلك الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياط.

 

اقرأ أيضا: NYT: محاولات عربية لإخراج الأسد من عزلته وسط انهيار اقتصادي

ويقول الأحمد، إن النظام يتعامل مع اللاجئين كورقة ضغط على الغرب عموماً، لدفع تلك الدول إلى التخفيف من العقوبات الاقتصادية عليه، وكذلك حتى يقبلوا بالأمر الواقع، أي التطبيع معه دون الحديث عن حل سياسي.

أما سمير العبد الله، فيرى أن النظام مستفيد ومتضرر من الهجرة بنفس الوقت، فهو يستفيد من رسوم جوازات السفر والتي أصبحت تشكل مصدر دخل مهم لحكومته في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها، ومتضرر من ناحية هجرة الكفاءات وأصحاب المهن والحرف، والتي بدأت تظهر آثارها السلبية على المجتمع.

وبرأيه لا يستطيع النظام إيقاف تلك الهجرة، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تزداد سوءاً.

في خدمة إيران

أما المحلل السياسي فواز المفلح، فقال إن هجرة السوريين تصب في صالح إيران، ومشروعها الهادف إلى التلاعب بالتركيبة السكانية في سوريا.

وأضاف لـ"عربي21" أن إيران تخطط لجعل سوريا دولة تابعة لها، ولا يمكن تطبيق ذلك دون التلاعب بتركيبة سكان سوريا، أي توطين الشيعة في سوريا، وتقليل نسبة الأكثرية السنية من خلال الهجرة، وكذلك من خلال نشر المذهب الشيعي.

هل سوريا ملائمة للعودة؟

وتزامنت الدراسة مع إعلان دول إقليمية عن رغبتها بإعادة اللاجئين السوريين، ومنها تركيا ولبنان، وفي هذا الإطار يؤكد سمير العبد الله أن الدراسة أثبتت أن الأوضاع غير مناسبة حالياً للعودة، حيث أن 71 في المئة من المقيمين بمناطق النظام يرغبون بالهجرة لعدم تمكنهم من تأمين الاحتياجات الأساسية لحياتهم، ولفقدانهم الأمل بحصول أي تغيير في الأوضاع بعد أن كانوا يعيشون على أمل بذلك.

ويختم بقوله: "بعد عام 2019 لم تشهد سوريا أي عمليات عسكرية كبيرة لكن الأوضاع تزداد سوءاً في مناطق النظام في مختلف الجوانب، فمن يقيم هناك يرغب بالهجرة، والوضع لا يسمح بعودة اللاجئين".

 

التعليقات (0)