هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال زعيم المعارضة التشادية، ونائب رئيس اللجنة المنظمة للحوار الوطني الشامل، صالح كبزابو، إن "الحوار الوطني الشامل الذي تشهده البلاد سينتهي إلى نتائج هامة وسارة جدا خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة"، مؤكدا أن "رئيس المجلس العسكري الحاكم، الجنرال محمد إدريس ديبي، يفعل كل ما بوسعه من أجل إنجاح هذا الحوار والانتخابات المرتقبة".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "ما أستطيع قوله ينبع مما أعرفه جيدا ومن صلب اختصاصي – ولا أتحدث بلسان الحكومة ولا أعبّر عنها- وأنا أؤيد بشكل مطلق المصالحة الوطنية، وأشارك في الحوار الشامل ذي السيادة، والذي سيتمخض عنه قرارات كبرى، وستجد الحكومة نفسها مُجبرة على تطبيق هذه القرارات".
وتابع كبزابو: "هذه القرارات المرتقبة ستقودنا مباشرة إلى انتخابات شفافة وجديدة وحقيقية وجيّدة، وهذا هو الهدف الأساسي الذي يجب أن يعمل الجميع على تحقيقه، ونحن نتجه إلى ذلك بالفعل. ومن خلال دعم كل التشاديين، أعتقد أنه ستُتخذ القرارات السليمة".
وحذّر من خطورة استمرار وضعية الصراعات المجتمعية المتفاقمة، والتي قال إنها تخلق مواجهات مسلحة. وقال: "في السنوات الماضية، اندلعت حروب بين الفصائل المتمردة والقوات الحكومية أسفرت عن سقوط ملايين القتلى. لذلك، أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة تستدعي النظر في كل هذا بدعم من المجتمع الدولي، وكذلك على التشاديين العمل على حلّ مشاكلهم، وهذا ما قررنا فعله بكل استقلالية".
واستطرد كبزابو، والذي كان أبرز خصوم الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، قائلا: "حتى نحقق ذلك، لا بد من تسوية المشاكل السياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لأنها الغرغرينة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، ذلك أنه لو كان هناك هدوء دون تمرّد لما شهدنا هذه الانحرافات الملحوظة".
اقرأ أيضا: السلطات التشادية تشنّ حملة اعتقالات في صفوف المعارضة
المعارض التشادي والذي سبق له الترشّح للانتخابات الرئاسية أكثر من مرة، أشار إلى أن "الوضع ازداد تعقيدا في البلاد بعد أن تقلد الحكم إدريس ديبي في سنة 1990؛ فمنذ ذلك الحين تفاقمت الأوضاع لتشهد تشاد انقسامات وصراعات مجتمعية وسوء حكم واختلاسات".
وواصل حديثه قائلا: "القرار الذي اتخذه التشاديون لتنظيم حوار وطني شامل ذو سيادة يأتي في إطار ما تعيشه بلادنا منذ نحو 31 عاما من مشاكل كثيرة وخطيرة، وكل المشاكل السياسية أصبحت ذات طبيعة عسكرية مع اندلاع حركات تمرّد".
اتفاق الدوحة للسلام
وقال: "في البداية، تمثلت المقاربة في تنظيم حوار مسبق مع الجماعات السياسية - العسكرية، وقد استمرت المفاوضات لخمسة أشهر في قطر، وانتهت بتوقيع اتفاقية سلام مع حوالي 40 جماعة، بينما رفضت نحو 10 جماعات التوقيع، وأهمها جبهة الوفاق من أجل التغيير (فاكت) التي دخلت في حرب أسفرت عن مقتل إدريس ديبي. وأيضا مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (CCMSR)، وهو في الجبهة الليبية الجنوبية على الحدود مع تشاد ويقوم بعمليات توغل".
وأردف: "لكن كل هذا لم يمر دون مشاكل، ولهذا السبب استمرت المفاوضات خمسة أشهر في الدوحة، وبعد ذلك توصلنا إلى اتفاق سلام شامل، وباب الحوار الوطني مفتوح للجميع، وهو ما مكّن كل القوى الفاعلة والمؤثرة في تشاد من المشاركة في الحوار الوطني الشامل. وحقيقة هناك 95 أو 98% من الأحزاب السياسية و98% من المجتمع المدني يشاركون معنا في جلسات الحوار".
وزاد كبزابو: "انخرطت هذه القوى والمنظمات التشادية المختلفة والهامة في فعاليات الحوار المستمرة منذ ما يقارب أسبوعين، وهناك بعض الصعوبات، لأننا لم نعثر بعد على طريقة العمل الصحيحة، وهنا تبرز أهمية الحوار الفرعي، والذي نأمل أن يسفر عن نتائج إيجابية وطيبة قريبا".
ولفت نائب رئيس اللجنة المنظمة للحوار الوطني الشامل، إلى أن هناك "قلة من الأحزاب السياسية، وقلة من الجمعيات، قرروا عدم المشاركة في الحوار الوطني، إلى جانب بعض الأطراف السياسية العسكرية، لكن المهم أن يتواصل الحوار وأن يمضي قدما في طريقه".
المشاركة هي الحل
وشدّد على أن "باب الحوار مفتوح دائما للسماح لمَن لم يوقعوا بعد بالانضمام؛ فليس هناك خيار آخر أو بديل، والحل الوحيد هو المشاركة في الحوار واقتراح حلول لمشاكل بلدنا ليكون هذا الحوار في نهاية المطاف شاملا لجميع الأطراف، ولأخذ قرارات لتحديد المدة الانتقالية، التي قد تمتد من 18 إلى 24 شهرا، وستمكننا هذه المدة من تنظيم انتخابات جيدة ومقبولة بالنسبة للجميع".
ورأى أن "أهم مشاكل التشاد كانت تتمثل دائما في سوء تنظيم الانتخابات بغض النظر عما إذا كانت الانتخابات رئاسية أو استفتاء أو انتخابات تشريعية أو محلية؛ فسوء تنظيم الانتخابات كان دائما نقطة ضعفنا الرئيسية. لذلك، أعتقد أن الحوار سيأخذ منعرجا تطبيقيا وتشريعيا وتنظيميا لضمان حسن سير الانتخابات في كنف الشفافية، وسنصبح أمام انتخابات يشارك فيها جميع التشاديين بفاعلية".
وأضاف زعيم المعارضة التشادية: "يجب أن يكون الحوار شاملا، وهو كذلك بالفعل، ويجب أن يضمن السيادة وسيكون كذلك. وكل المشاركين فيه يساهمون في اتخاذ القرارات الصائبة التي تخدم مصلحة بلادنا".
وأكمل: "أعتقد أن حجة مَن لم ينضموا للحوار هي أن الحزب القديم الذي تقلد الحكم، وهو حزب الحركة الوطنية للإنقاذ، والذي أدى إلى خراب البلاد ما زال يسيطر على النقاشات ومجريات الحوار، لكنني لا أستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، وإنما كل ما أستطيع قوله هو أن الحل يكمن في مشاركة الجميع ومناقشة مشاكل بلادنا، ولا أعتقد أن هناك بديلا آخر سوى ذلك".
قرارات سياسية جوهرية
وقال إن "جميع فرص نجاح هذا الحوار تتوقف على المشاركين في الحوار، ولا أعتقد أن أي مواطن تشادي سيتخذ قرارا خاطئا أو سيقبل باتخاذ قرار خاطئ. هذا ما ننتظره في غضون الشهر الجاري عندما نختم الحوار أو ربما خلال أكثر من شهر - لا أدري تحديدا – حيث ستكون هناك قرارات تصب في اتجاه إنهاء الأزمة وطي صفحة الماضي".
ونوّه إلى أنهم سيتخذون "قرارات سياسية جوهرية متعلقة بإصلاح الجيش، ودمج الجماعات السياسية - العسكرية في الجيش، وإصلاح الإدارة، وستُطرح جميع المسائل ذات البُعد السياسي، وسنحاول إيجاد حلول عملية وواقعية للخروج من الأزمة الراهنة".
وأردف كبزابو: "أما الجماعات التي لم تستجب لدعوة الدوحة - للأسف - فليس لديها القدرة على إلحاق ضرر بالاتفاق الذي جرى توقيعه مؤخرا، لأن الأغلبية العظمى وقعت هذا الاتفاق الهام".
وأضاف: "الحوار الوطني الشامل سيترتّب عليه أحكام حتى يدخل الاتفاق حيز التنفيذ من خلال احتواء حركات التمرّد، والعمل على تحديد مصدرها، وهذه هي المراحل الحاسمة، وذلك لن يتحقق في 6 أشهر، بل قد يستمر عدة سنوات، لكن المهم هو أن يدخل حيز النفاذ مدعوما بحكومة متماسكة وشرعية، وهذا الحل الأنسب الذي يمكن إيجاده".
اقرأ أيضا: معارض تشادي لـ"عربي21": أنباء عن "محاولة انقلاب فاشلة"
وبسؤاله عن مدى فاعلية المفاوضات الجارية، أجاب: "أرجو أن تسفر عن نتائج ملموسة وطيبة تسعد الجميع، لأنها مفاوضات على المستوى الوطني أولا وكذلك على المستوى العالمي أيضا. وهناك بلدان ومنظمات تعمل حاليا ليجتمع التشاديون حول طاولة الحوار، وخاصة بالنسبة للجماعات السياسية العسكرية، لأنه لا يوجد لدينا أي حل آخر، ويجب أن نحاول توقيع الاتفاق، وأن لا يتجاوز عدد الأطراف التي تمتنع عن التوقيع 10 فقط".
انطلاق الحوار الوطني الشامل
وكانت أعمال الحوار الوطني الشامل بين المجلس العسكري الحاكم والمعارضة المدنية، قد انطلقت في العاصمة التشادية أنجمينا، يوم السبت 20 آب/ أغسطس الماضي، بعد تأجيله مرات عدة.
يُذكر أن الأطراف التشادية كانت قد وقعت في 8 آب/ أغسطس الماضي، "اتفاق الدوحة للسلام"، تتويجا لمفاوضات استضافتها قطر لمدة 5 أشهر بين الفصائل المعارضة، والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم بمشاركة إقليمية ودولية.
يشار إلى أنه في 20 نيسان/ أبريل 2021، أعلن الجيش التشادي عن مقتل رئيس البلاد، إدريس ديبي (68 عاما)، متأثرا بجراح أصيب بها خلال تفقد قواته في الشمال، حيث يشن المتمردون هجوما لإسقاط نظامه الحاكم منذ العام 1990.
وقُتل ديبي بعد ساعات من إعلان فوزه رسميا بولاية سادسة في انتخابات رئاسية أجريت في 11 نيسان/ أبريل الماضي.
وعقب مقتله، تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجله محمد (37 عاما) لقيادة البلاد لمدة 18 شهرا، تعقبها انتخابات.
من هو زعيم المعارضة التشادية؟
يعمل في السياسة منذ نحو 32 عاما، ويترأس حزب "الاتحاد الوطني للديمقراطية والتجديد" المعارض، وهو نائب في الجمعية الوطنية في تشاد، وكان مديرا في وكالة الأنباء التشادية (حكومية)، وكان عضوا في الحركة الديمقراطية لاستعادة تشاد.
أسّس في السابق أول صحيفة مستقلة في تشاد "أنجمينا ايدو"، وكان قنصلا في مدينة دوالا التي تُعتبر العاصمة الاقتصادية لدولة الكاميرون، ثم أصبح وزيرا للتجارة عام 1993، ونال المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية لعام 1996.
جرى تعيينه وزيرا للخارجية التشادية عام 1996، كما عُيّن وزير دولة للأشغال العامة والنقل والإسكان والتنمية الحضارية عام 1997.
أما في عام 1998 فتم تعيينه وزيرا للدولة لشؤون المناجم والنفط، وفي 1999 شغل منصب وزير للدولة لشؤون الزراعة، وترشح أيضا في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2001، وأصبح عام 2002 رئيسا للمجموعة البرلمانية الديمقراطية، ثم عضوا في برلمان عموم أفريقيا (مقره مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا) منذ العام 2007 إلى 2017.
كما حلّ كبزابو ثانيا بنسبة 13% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ 10 من نيسان/ أبريل 2016، وهو ما عزّز مكانته في صدارة الصفوف الأمامية للمعارضين في تشاد.
قبل توقيع اتفاق الدوحة للسلام، صرّح بأنّه "مصمّم" على محاربة النظام الحاكم "حتى النهاية"، وذلك باستخدام جميع الوسائل المتاحة ما عدا "التمرّد"، لكنه اليوم بدأ مسارا مختلفا إلى حد كبير عن نهجه السابق.