قضايا وآراء

استقلالية القرار السياسي وصراع الهويّة الوطني

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600
من غرائب المشهد الإعلامي، أن ترى "الخصم" والصديق يُهاجمك في آن؛ فالإعلام المحسوب على السعودية وجَدَ في العدوان الأخير على غزة، فرصة للهجوم على حركة "حماس" للنيل منها باتهامها والتشكيك في مصداقيتها ومشروعها، على الرغم مما تبديه الحركة من حرصٍ على علاقات مع الرياض في الوقت التي تحتجز فيه الأخيرة عشرات الفلسطينيين بتهمة الانتماء لحماس ودعمها سياسياً ومادياً في وقتٍ كانت الدولة تسمح وتقوم فيه بدعم الحركة، والسلطة، والشعب الفلسطيني في مناح متعدّدة.

لكن التبدّل في السياسات الخارجية والحاجة لدعم واشنطن داخلياً، وفي مواجهة النفوذ الإيراني خارجياً، جعل من التخلّي عن حركة "حماس" ثمناً يُدفع لاسترضاء واشنطن، لا سيّما في ظل ارتفاع منسوب العداء أو الخصومة للإسلام السياسي المتمثّل في حركة الإخوان المسلمين على وجه التحديد، والتي تعدّ مدرسة ومرجعية فكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

على المقلب الآخر؛ تابَعْنا الهجوم المتواصل لوسائل إعلام محسوبة على إيران كقناة الميادين وصحيفة الأخبار، وبعض الكتّاب ومنصات إلكترونية، تتهم "حماس" بالتخلّي عن الجهاد الإسلامي في المعركة، وأن الاحتلال نجح في احتواء حركة "حماس" أو تحييدها على قاعدة فرّق تسد الاستعمارية، إلى ما هنالك من صفات؛ وصلت بالسيدة الدكتورة بُثينة شعبان وفي مقال لها بعنوان "وحدة الساحات"، نشرته صحيفة الوطن السورية (15 آب/ أغسطس) وأعادت نشره قناة الميادين، إلى القول: "إن هذه الفصائل لم تؤازر الجهاد في صدّها للعدوان إلا بالكلام والتصريحات، والسبب الأساس في هذا -والقول لشعبان- هو أن الإخوان المسلمين يؤمنون بوحدة ساحات "أخونتهم" وليس بوحدة الساحات الوطنية سواء في فلسطين أو في أي مكان آخر، كما أنهم يقولون ما لا يفعلون، ولنعد إلى الذاكرة أنهم ادعوا الوقوف ضد أوسلو ثم ما لبثوا أن دخلوا الانتخابات بناء على أوسلو". وأضافت: "وفي التأمّل بنتائج سياساتهم في كل بلداننا من مصر إلى فلسطين وسوريا وليبيا والجزائر نستنتج تناغماً عميقاً وحقيقياً بين مخططاتهم وأهدافهم ومخططات وأهداف العدو الصهيوني".

بتلك المواقف، وصل الحد بالإعلام المحسوب على "محور المقاومة" أن يُقارن ويُقارب بين الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، متجاهلاً ثلاثة عقود من النضال، والاعتقال، والشهداء، والجرحى، والتضحيات التي قدمتها المقاومة والشعب الفلسطيني الرافد لها والحاضن لها، ومتجاهلاً عمق الصداقة والتنسيق بين حماس وإيران وحزب الله ومن قبل سوريا. فهل هؤلاء الإعلاميون وبعض السياسيين كالسيّدة بثينة شعبان كانوا ضحية الجهل بحماس والجهل بالشعب الفلسطيني الذي خرج عن بكرة أبيه ليشارك في معركة سيف القدس التي شكّلت نقلة نوعية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني الممتد منذ عشرات السنين؟ أم أنّ وراء الأكَمَة ما وراءها؟!

تلك المواقف الإعلامية السلبية، والتي تجنّبها حزب الله اللبناني ولم ينخرط بها بشكل مباشر، تؤكّد أن هناك أزمة لدى بعض الأطراف المنتسبة لـ"محور المقاومة"، فمن غير المعقول، حتى لو افترضنا جَدَلاً أن حركة "حماس" أخطأت في تقديراتها، أن تنال كل هذا الكم من الهجوم والاتهام من أطرافٍ، من المفترض أنها صديقة وداعمة للمقاومة ولحركة "حماس" تحديداً.

وإذا كان البعض يرى في المقاومة الفلسطينية حالة وظيفية، كحالة بعض الإعلاميين وبعض القوى، على قاعدة أطعم الفم تستحي العين، فعليه أن يراجع حساباته جيداً، وأن يعود بالتاريخ إلى الوراء قليلاً، ليُدرك أن الفلسطيني يرى في استقلالية قراراه الوطني بعمقه العربي والإسلامي أحد معالم قوّته، بل أحد معالم هويته الوطنية التي تَسكن مخيّلته، فهذا شعور ترسّخ عبر أجيال، وقناعة وممارسة سياسية ورثتها الأجيال بعد ياسر عرفات قائد الثورة الفلسطينية الحديثة؛ فجزء من الصراع الذي يخوضه الفلسطيني هو صراع على الهوية، من أنا؟

قوّة الفلسطيني، وحِكمة قراره المبني على المصلحة الفلسطينية أولاً بعمقها العربي والإسلامي، هي نقطة قوّة لفلسطين ولكل صديقٍ مُحب لشعبها، ويجب أن تكون محل احترام وتقدير الجميع. وكما أننا نلتمس العذر لحزب الله في لبنان، ونقول إنه المسؤول عن إدارة المعركة في الجنوب اللبناني وضبط إيقاعها وفقاً لتقديراته السياسية والعسكرية، فأيضاً علينا أن نلتمس العذر للمقاومة وغرفة العمليات المشتركة، ونقول إنها هي المسؤولة عن إدارة المعركة وضبط إيقاعها وفقاً لتقديراتها السياسية والعسكرية، وهي ذات الغرفة التي دعمت حركة الجهاد الإسلامي في المعركة الأخيرة "وحدة الساحات"، وقدّمت لها العون والغطاء السياسي، والإعلامي، والأمني، والميداني على قاعدة الشراكة وتبادل الأدوار، وهذا يُحسب لغرفة العمليات المشتركة التي تضم أكثر من عشرة فصائل فلسطينية مقاوِمة.

الأداء السلبي للإعلام المحسوب على السعودية، والمحسوب على إيران وسوريا، والذي يَشي بأن هناك مايسترو يُحرِّك ويُحرِّض هنا وهناك، كلٌ حسب أجندته، لا يمنع من التطلّع نحو حِكمة الحكيم، وعَقْلانية العاقل، فتتوقّف حالة التوتّر والتوتير، وسكب الملح على الجرح، ففلسطين بحاجة لكل جهدٍ وإلى كل كلمةٍ صادقة، والمقاومة كما الشعب الفلسطيني كانت ولا زالت في مقدمة الصفوف تدافع عن القدس والأقصى، وتقف حائلاً دون تمدد المشروع الصهيوني الذي يشكّل تهديداً لكل المنطقة وشعوبها من الخليج إلى المحيط، وهذا من المفترض أن يكون محل إجماعٍ لا خلاف عليه ولا اختلاف فيه، وسبباً لتوقّف حالة التشويه المُمَنْهج، والذي سينكشف في أول عملية تقودها غرفة العمليات المشتركة ضد الاحتلال الصهيوني.
التعليقات (0)