آراء ثقافية

"رابرز" مصر.. من رفض السلطة إلى نجوم الشاشة

الرابر رامي عصام الذي تعرض للاعتقال ثم النفي والإبعاد
الرابر رامي عصام الذي تعرض للاعتقال ثم النفي والإبعاد

لم تكن أغنية الراب في مصر ذات رواج كبير كما هي الآن، ولم يكن مؤدوها من نجوم الصف الأول في الدراما والسينما والإعلانات ورواد مهرجانات كويجز ومروان بابلو وغيرهم، بل كان مؤدوها أشخاصًا مهمشين، ذوي قاعدة جماهيرية ضيقة للغاية، وجمهور فئوي، وهو ما قد سمح لتلك الأغنية في بدايتها في مصر بأن تكون صوتًا معبرًا عن الرفض للكيانات السلطوية والاجتماعية التقليدية.

رامي


حين ظهر مشروع التوريث الخاص بأن يخلف جمال مبارك أباه في الحكم، كان ذلك مترافقًا مع بزوغ أغنية الراب في مصر، التي حملت في رسائلها مضامين سياسية رافضة لذلك المشروع..

 

ومن أشهر الفرق التي ظهرت في ذلك الصدد في الإسكندرية كانت فرقة "DaCliQue 203".. وأغنيتها "يا عم الحج" التي أصدروها عام 2009..

 

وبالتوازي مع تلك الفرقة كانت هناك فرقة "رفليوشن ريكوردس" التي تأسست عام 2006م ولعبت دورًا كبيرًا أثناء الثورة وبعدها، وكان إسهامها الأشهر أغنيتي "الثورة مستمرة" و"عسكر كاذبون".

كانت تلك الفرق الموسيقية الخاصة بالراب، تنتج أغانيها في مناخ ثوري عام مصحوب بانفراجة أمنية، لذلك فقد لعبت أغنية الراب دورًا تحريضيًا ساهم في دفع المعتصمين في ميدان التحرير إلى التشبث بمطالبهم.

 

وكان من أوائل أغاني الراب السياسية تلك الأغنية الغاضبة "ضد الحكومة" التي ظهرت يوم العاشر من يناير في فورة الغضب بعد مقتل خالد سعيد وتفجير كنيسة القديسين.. قدم تلك الأغنية مطرب اسمه رامي دونجوان وبثها عبر اليوتيوب للمرة الأولى.

كان رامي دونجوان أحد أصوات الثورة في ذلك اللون الغنائي، ولم يتوقف دوره عند يناير 2011 بل امتدت أغانيه في فترة المجلس العسكري ووجه أغاني للمجلس والمشير طنطاوي حينما شعر الثوار بأن المجلس يتأهب للانقضاض على مطالب الثورة: "سيادة القائد طنطاوي، الشعب منبوح، وأنت مش بتداري، وكذلك مفضوح، واكل قوت الغلابة، ومحايله كذابه"..

ولكن لم يكن "دونجوان" وحيدًا، فقد كان هناك أيضًا رامي عصام المنفي خارج مصر الآن، وصاحب أغنية "بلحة" التي مات مخرجها في المعتقلات المصرية.

في تلك الآونة، كان رامي عصام مطربا شابا يؤمن بأن للفنان موقفا يجب ألا يحيد عنه وأنه يجب أن تلعب أغانيه دورًا إيجابيًا في مجتمعه، وقد قدم الكثير من الأغاني ذات الطابع السياسي قبل 25 يناير وشارك في الثورة بأغانيه منذ بدايتها، وقد لاقت أغنيته "ارحل" النصيب الأكبر من الشهرة..

 

وبعد الثورة، تعرض عصام في أغانيه للقضايا السياسية المتفاعلة في الشارع المصري آنذاك وأهمها الصراع بين الديمقراطية والثيوقراطية. وكان عصام من أكثر الأصوات المستهدفة من المجلس العسكري في أيام الثورة ذاتها حتى إنه تعرض للتعذيب والضرب والصعق بالكهرباء أكثر من مرة.

موجة الأغاني الثورية

في أعقاب نجاح الثورة، واستمرار الاشتباكات اليومية، والجدل الدائر حول الدستور والانتخابات ومعارك السياسة، اجتاحت البلاد موجة من الأغاني الوطنية الثورية، وكان للراب جزء منها وفاعل بقوة، حيث تصدرت أوجه جديدة المشهد وراء رامي عصام، فظهر "زاب ثروت"، وأحمد ناصر "الجوكر" الذي قدم العديد من أغاني الراب الرافضة، أشهرها "في اختلافنا رحمة" والتي لاقت رواجًا كبيرًا مزلزلاً بسبب توافقها مع المزاج العام الرافض لحكم الإخوان المسلمين آنذاك.

لقد كان المشهد آنذاك حافلًا بمطربين من خارج دوائر الإنتاج الموسيقي المعهودة، وقد فقدت الدولة من طرفها السيطرة على تلك الدوائر التي كانت تساعدها في تصدير مطربين بعينهم للساحة والمشهد في اللحظات الوطنية، وقد أصبح هناك العديد من المطربين المحسوبين على الدولة ونظامها البائد..

 

وبعد الثورة تنبه الناس إلى أنه من خلال الإنترنت، انطلقت دائرة إنتاج جديدة غير خاضعة لأي قيود سياسية أو رقابية، وهو ما شجع أصواتا أخرى وجديدة على الظهور والغناء عن موضوعات سياسية، فكان الراب لونًا هامًا ومستقلًا في ذلك المشهد آنذاك.

لكن، بمجرد تولي السيسي للسلطة، فقد سعت الدولة فورًا للسيطرة على الخطاب الإعلامي من جميع الزوايا، وجزء منه ذلك هدف إلى التحكم في المشهد الموسيقي بشكل رئيسي، وقد اتخذت بعض الإجراءات والخطوات الأمنية المباشرة وغير المباشرة لقمع الأصوات المستقلة التي تغني عن السياسة، سواء في الراب أو في غيره.. ولدينا المثال الأشهر في ذلك ما تعرض له الرابر رامي عصام من الاعتقال ثم النفي والإبعاد، وهناك أيضًا مطربون آثروا الصمت، مثل فرقة "كايروكي" و"زاب ثروت"، وحمزة نمرة وعبد الله المنياوي اللذين تركا البلاد كلها.

وقد تعرض البعض لتهديد مباشر من وسائط بينهم وبين الحكومة، مثل أعضاء فرقة "ريفليوشن ريكوردز"، حين أطلقوا أغنية "مايصحش كدا"، وهي الكلمة الشهيرة للسيسي في أحد المؤتمرات.. فوصلهم تهديد من الرئاسة على حد قول مؤسس الفرقة: إنهم إذا تعرضوا للنظام في أغانيهم مرة أخرى فسيكون هناك تصرف آخر معهم.

رابرز المليونيرات

حين تولى السيسي منصبه وأقر دستور 2014، أدخلت بعض التعديلات على قانون نقابات الفنون والتي على أساسها تغيرت العديد من اللوائح التي تحكم عمل هذه المؤسسات، فقد منح رئيس نقابة الموسيقيين صلاحيات التحقيق القضائي، وهو بدوره بدأ بشن الحرب على كل ما هو جديد على الساحة الموسيقية، وبموجب تلك الصلاحيات، كان لرئيس نقابة الموسيقيين، سلطة تفتيش الفنادق والمطاعم والتحقق من تصاريح الغناء والعزف الموسيقي لأي مطرب، لقد أصبح رئيسًا للشرطة وليس للمطربين.

لكن، كانت سلطة النقابة مجرد سلطة إجراءات بيروقراطية، يمكن مرواغتها، فقد أطلق كل رابر أو مطرب شعبي قناته الخاصة على اليوتيوب وعمل باستقلالية عن النقابة، لكنّ منصة اليوتيوب لا تمنح الأمان الكافي للاشتباك سياسيًا مع القضايا اليومية في مصر، وفي تلك الفترة لاحظنا أن هناك بعض الأصوات التي بدأت بالخفوت، أبرزها نموذج الجوكر الذي آثر الصمت على الغناء للسياسة، وظهر جيل جديد من المطربين الرابرز المتعلقين بمعارك قضايا حياتهم المعيشية اليومية والعاطفية والنفسية.

وحين غيرت تلك المجموعة من الشباب المشهد الموسيقي في مصر من أمثال "مروان بابلو" و"ويجز" و"أبيوسف" وغيرهم، شعروا بالتضييق والخناق يطبق عليهم أيضًا من خلال نقابة الموسيقيين لأسباب أخرى تتعلق بالذوق العام كما تدعي النقابة، ولكنها لم تكن مشكلة دفاع عن الذوق العام، بقدر ما كان تهديدا ومطاردة لهؤلاء الشباب الذين يعملون بمنافذ مستقلة عن شركات الإنتاج الضخمة الخليجية والمصرية المعروفة، والشركات المملوكة للمخابرات، وقد كانت قبضة النقابة خانقة بالفعل، وهنا قرر ذلك الجيل المهادنة أكثر فأكثر.

الجيل الذي يمثله "ويجز" و"أبيوسف" و"مروان بابلو" و"أبو الأنوار" وغيرهم من الرابرز، جيل تم إخصاؤه سياسيًا، وتسليعه ليكون مفيدًا وعصريًا متطورًا يساعد الشركات الإنتاجية الكبرى في السينما والدراما والإعلان في الوصول إلى الفئة الجديدة من الشباب، وثقافتها المضادة التي يبدو أنه تم احتواؤها بسهولة وبإغراءات مادية لم تكن تتوفر لمغني الراب في مصر من قبل.

استطاع هؤلاء النجوم المطاردون دومًا من هاني شاكر، وتحت إغراء من شركات الإنتاج، أن ينخرطوا في السردية التي وإن لم تكن تتبناها السلطة وترضى عنها بشكل كامل، إلا أنها لا ترفضها أيضًا، طالما أنها تبتعد عن السياسة، وتزيد من ثروة رجال الأعمال المرتبطين مع الدولة، وهو ما انعكس على كلمات أغانيهم ومواضيعها التي ازدادت ابتذالًا وتفاهًة ولامبالاة، وأسعار حفلاتهم أيضًا، بعدما كان مغني الراب قاعدته الجماهيرية هي الشارع والاحتكاك بمشكلاته اليومية، ومسارح حفلاته هي نواصي الشوارع.

3
التعليقات (3)
نسيت إسمي
الأربعاء، 24-08-2022 08:28 ص
2 ـ '' مبارة في كرة القدم لا تنسى '' ربع نهائي دوري أبطال أوروبا من موقعة سانتياغو بيرنابيو ؟ ريال مدريد ـ باريس سان جيرمان .. الريمونتادا عبقرية بنزيما تفوق الوصف ، عندما يكون التواضع خارج حسابتك هذا ما سوف يحدث حتى لو كانت مجرد مبارة في كرة قدم. فجاء الرد من الملوك في أرض الملعب .. ضغط على حامل الكرة .. إغلاق المساحات .. خصوصاً اليسرى لباريس .. تهديد .. إغلاق على إمبابي .. كثافة هجومية و تهديد .. ملئ المساحة .. تحويل سريع .. سرعة .. تحركات ديناميكية .. توغل من الجهة اليمنى لباريس .. الأمر الذي سبب نقص عددي في الهجوم لباريس .. نقل اللعب إلى الجهة البعيدة عن إمبابي .. و النتجة هي .. هدف1 .. هدف2 .. هدف3 .. كيف توقف لاعب مثل إمبابي .. هذا غير ممكن إسأل ميسي و سيخبرك .. المشكلة هي أنهم جميعاً نجوم في مدريد أنت بحاجة لمن يحمل الماء إلى البئر. مقولات لا يتجرأ على نطقها سوى مارادونا لكن بنزيما عكسها على الخصم في هذه المبارة.
نسيت إسمي
السبت، 20-08-2022 07:50 م
1 ـ (بنزيما يهاجم مبابي على طريقة نجوم الراب!) مستوى الخيانة الذي يشعر به كريم بنزيما نجم ريال مدريد من كيليان مبابي لاعب باريس سان جيرمان واضح تمامًا، خاصة بعد الإشارة الأخيرة في الصورة التى نشرها بنزيما عبر الاستوري، على حسابه الرسمي بموقع التواصل الإجتماعي “انستجرام”. ويشعر كل لاعبي المدريديستا بالخيانة من قبل المهاجم الفرنسي الشاب لكن لا أحد منهم أكثر من بنزيما. في السنوات الآخيرة كان بنزيما يجهز نفسه لمزملة مواطنه كيليان مبابي في ريال مدريد، لكن مبابي رفض الانضام إلى ريال مدريد وقرار البقاء في باريس سان جيرمان. كانت الصورة التي نشرها بنزيما بمثابة ضربة مباشرة لصديقه في المنتخب الفرنسي، وهي إشارة ثقافية لموسيقى الهيب هوب والتى تعد جزءًا من التاريخ هذه الموسيقي وأيقونة على الغدر. لماذا أشار بنزيما إلى توباك شاكور؟ في الصورة التي نشرها النجم الفرنسي على “قصص الانستجرام”، أسقط بنزيمة صورة توباك شاكور وهو يصافح الممثل ستيفن بالدوين. للوهلة الأولى، سيشعر الأشخاص الذين لا يعرفون ثقافة الهيب هوب بالحيرة من الصورة. لكن أولئك الذين يدركون ذلك سيدركون أن الاهتمام ينبغي أن يكون على بالدوين. الرجل الذي يقف خلف توباك والذي ينظر مباشرة إلى الكاميرا هو “الصديق” الذي زعم أنه خان توباك وقتله في النهاية، وهي إشارة واضحة إلى شعور بنزيما بالخيانة من قبل مبابي. "بقلم نور الدين زعتر2022ـ05ـ22"
علي طه النوباني
الإثنين، 15-08-2022 11:25 ص
مراجعة عميقة ومفيدة جدا. أشكر الكاتب على الجهد المبذول في هذه النظرة الشاملة