قضايا وآراء

أزمة التسريبات الصوتية ومستقبل نوري المالكي السياسي

عبد الوهاب كريم العلواني
1300x600
1300x600
ينطلق هذا المقال من تساؤل آلان دنو (2020) في كتابه "نظام التفاهة" حيث يقول: لقد تبوأ التافِهون موقِع السلطة! ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر، معا يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار(1). هذا ما انطبق على حال العراق بعد الاحتلال عام 2003.

انتشرت على مدار الأيام الماضية ومنذ 13 تموز/ يوليو 2022، تسريبات بصوت نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء الأسبق (2010-2018)، نشرها الإعلامي علي فاضل. ويحتوي التسجيل على 48 دقيقة كاملة لحوار أجراه المالكي مع مجموعة يتبين من خلال الحديث والحوار أنهم ينتمون إلى مليشيات إرهابية من القتلة يريدون حرق العراق، وانتماءاتهم وولاؤهم لإيران، حسب ما أذيع من خلال هذه التسريبات. وحتى كتابة هذا المقال تم تسريب المقطع السادس من الحوار بين المالكي والمجموعة المليشياوية.

وخلال متابعة التسريبات وفق تسلسلها كما يلي:

ففي الجزء الأول من التسجيل المسرب اتهم المالكي رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بـ"ضرب الشيعة" عبر احتضان "السنة"، واختراق الوضع الشيعي باستخدام مقتدى الصدر.

وفي التسجيل الثاني قال المالكي: "أنا أعرفهم (الصدريين).. ضربتهم في كربلاء وفي البصرة وفي مدينة الصدر.. جبناء، والآن صاروا أجبن لأن أيديهم صارت متروسة دهن وفلوس وحرام"، حسب تعبيره.
يحتوي التسجيل على 48 دقيقة كاملة لحوار أجراه المالكي مع مجموعة يتبين من خلال الحديث والحوار أنهم ينتمون إلى مليشيات إرهابية من القتلة يريدون حرق العراق، وانتماءاتهم وولاؤهم لإيران، حسب ما أذيع من خلال هذه التسريبات

وتساءل المالكي: "كم قتل مقتدى الصدر من بغداد؟ وخطف بسيارات البطة (تويوتا كراون)"، وقال: "أردت جعل الحشد الشعبي مشابها للحرس الثوري الإيراني".

وقال المالكي -وفق التسجيل المنسوب إليه- إن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر "جاهل" و"لا يفهم بالسياسة"، وإن إيران دعمته من أجل جعله "نسخة ثانية" من زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، محذرا من تسلم الصدر السلطة في العراق.

أما التسجيل الثالث فقد أشار إلى أن "منظمة بدر (التي يتزعمها هادي العامري) لديهم قوة ويأخذون رواتب لـ30-40 ألف مقاتل، كما أن مقتدى الصدر لديه ألفا جندي في سامراء، لكنه يتسلم رواتب لـ12 ألفا".

ووفق ما زعم القائمون على تسريب التسجيل، فإنه جرى خلال اجتماع المالكي مع عدد من كوادر وأعضاء حزب الدعوة قبل عدة أشهر.

في التسريب الرابع يحذر المالكي في الشريط المنسوب إليه من أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة قتال في العراق، ويهاجم مجددا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

في المقطع الذي نشر يوم 16 تموز/ يوليو 2022، يقول: إن "المرحلة المقبلة هي مرحلة قتال، وإن الصدر يريد الدم كما يتحدث هو بذلك، وأخبرت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أني لا أثق بالجيش والشرطة، وكل واحد سيدافع عن نفسه، وأنا سأدافع عن نفسي وأنا أعمل لها ولدينا دبابات ومدرعات ومُسيّرات، وهناك إحساس من قبل الناس، وأول عشيرة استعدت لذلك هي عشيرة بني مالك (قبيلة المالكي) التي ستعلن في مؤتمر صحفي بالبصرة وبغداد أنه في حال التحرش به (المالكي) فإننا سنتدخل، لذلك أتمنى على أمة الأخيار أن نكون مستعدين، فالمسألة ليست إعلاما، وإنما استعداد نفسي وعملي بالسلاح وتوفير الغطاء".

من جهة أخرى، أعلنت عشائر بني مالك بانها تتبرأ من نوري المالكي الذي وصل به الحد إراقة الدماء من أجل الوصول للسلطة مرة أخرة، ونددت العشيرة بذلك في أغلب مناطق الجنوب المتواجدة فيها تلك العشيرة العربية.

أما التسجيل الخامس والذي نشر بتاريخ 18 تموز/ يوليو، فقد تطرق المالكي عبر حواره مع المجموعة المليشياوية التي تنتمي لما يسمى لواء "أئمة البقيع"؛ لإراقة الدماء في العراق وبموافقة مراجع وقيادات وبينها شرعية بحسب محاوريه. وصرح بأن الفتح والكتائب والعصائب وسيد الشهداء وبدر تابعين لإيران، وقادة الحشد لا يهمهم شيء غير المزارع والأموال، "وهم في عالم آخر، وأنصحكم بالذهاب مع الحرس الثوري لا مع الاطلاعات". أي أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يمسك زمام الأمور في العراق، ومنذ مقتل الجنرال قاسم سليماني بدأ هذا النفوذ بالانحدار.

في التسجيل السادس المسرب لنوري المالكي ونشر بتاريخ 21 تموز/ يوليو، يتكلم عن أن الشيعة "أراذل، والمرجعية صامتة وليست لها علاقة، وكأن الحدث سيقلب الطاولة عليهم وعلينا وعلى التشيع". وأضاف أن اجتماعات الإطار مخترقة وكلها تصل للحلبوسي (رئيس البرلمان)، وقال إن الكاظمي يطيع الحلبوسي، وأضاف أن الحلبوسي اشترى الكثير من المراجع.

أما محاوروه فقالوا إنهم سيحرقون العراق وخلق ثورة بكل مناطق العراق، ومستعدون لمبايعة الخامئني.
جميع هذه التسريبات هاجم المالكي كل أطياف الشعب العراقي، شيعة وسنة وأكرادا، وحتى المرجعية لم تسلم منه، وأظهر تمسكه الأعمى من أجل السلطة ولو كلف ذلك إراقة دماء العراقيين جميعا، ومستعد لأن يحرق العراق من أجل تسلمه رئاسة الوزراء

وسيظهر التسجيل السابع والثامن والتاسع.. في جميع هذه التسريبات هاجم المالكي كل أطياف الشعب العراقي، شيعة وسنة وأكرادا، وحتى المرجعية لم تسلم منه، وأظهر تمسكه الأعمى من أجل السلطة ولو كلف ذلك إراقة دماء العراقيين جميعا، ومستعد لأن يحرق العراق من أجل تسلمه رئاسة الوزراء لولاية ثالثة.

المالكي بحكم استلامه رئاسة الوزراء لدورتين من ثماني سنوات استطاع خلق موالين له، وأسس ما يسمى تيار دولة القانون، وله حلفاء ومساندون، ووزع الغنائم والامتيازات والوظائف عليهم. فقد وصلت ميزانية العراق في سنة 2012 ما يقارب 170 مليار دولار، وهي ميزانية ضخمة، واختفت تلك الميزانية دون حسيب أو رقيب، كما أهدرت باقي الموازنات المالية السنوية خلال ولايته الأولى والثانية وما تلاهما. نفسه المالكي قدم آراءه بحلفائه وخصومه على حد سواء، بين ذم واحتقار وإضمار الشر بعضهم لبعض.

حاول المالكي إنكار التسريبات واعتبرها ملفقة، هذا ما صرح به لقناة "العهد" في 20 تموز/ يوليو.

بعد التسريب الخامس حدث قصف لأحد المنتجعات السياحية بمدينة دهوك، فهل كان هذه الحدث لإدارة ملف التسريبات باتجاه خلق أزمة مع تركيا بعد اتهامها بأنها وراء القصف للمنتجع وقتل تسعة مواطنين عراقيين، رغم نفي وزارة الخارجية التركية ذلك؟ هو حدث سواء كانت تركيا وراء القصف أم لا؛ أريد به بقصد أو بدونه الانتقال من إدانة جرائم المالكي ونواياه لإشعال العراق بحرب دموية إلى وجهة إدانة القصف.

ما زال القضاء العراقي لم يحرك ساكنا إلا من خلال بعض التصريحات بدراسة حقيقة التسريبات ومدى صدقيتها، ومن خلال تصريح بعض الخبراء في مسائل التنصت والتسجيلات المسربة (منهم أبو خمرة) التي أكدت أنها تعود فعلا للسيد نوري المالكي. ودار الحديث بين مؤيد ومناصر للمالكي، وبين مستنكر ومدين لهذه التسريبات، وبين موقف التيار الصدري منها، وقد أبانت عن حجم العداء بين الأطراف.
هل حكم المالكي على مستقبله السياسي بعد هذه التسريبات، أم أنه ما زال يصارع من أجل البقاء في السلطة؟ أم أن القضاء سيأخذ مجراه في التحقيقات ومحاسبته على تلك التسجيلات، بما تحتويه من أخطار تهدد أمن واستقرار العراق وحياة المواطنين؟

وتزامن ذلك مع الحوارات العديدة بين أطراف العملية السياسية من أجل تشكيل الحكومة، بعدما مضى على انتخابات البرلمان أكثر من 10 أشهر دون تسمية رئيس الوزراء. وقد أفرحت التسريبات بعض السياسيين في الإطار التنسيقي الشيعي الذي استبعد نوري المالكي من تشكيل الحكومة، مع تسمية أشخاص كانوا بالأمس معه، حيث أتيحت الفرصة للتخلص منه بعد هذه التسريبات. إذن المصالح تلعب دورا بعيدا عن الولاءات الضيقة.

فهل حكم المالكي على مستقبله السياسي بعد هذه التسريبات، أم أنه ما زال يصارع من أجل البقاء في السلطة؟ أم أن القضاء سيأخذ مجراه في التحقيقات ومحاسبته على تلك التسجيلات، بما تحتويه من أخطار تهدد أمن واستقرار العراق وحياة المواطنين؟ هذا ما تكشفه الأيام القادمة.

رغم أن هذا النظام الذي تأسس على يد قوات الاحتلال الامريكية قد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد رفض الشارع العراقي له منذ انتفاضة شباب تشرين، وهو يصارع للبقاء رغم تبادل الأدوار والوجوه، لكن مصيره قد توضح بالانتخابات الأخيرة وتعثر تشكيل الحكومة ما بين التيارات السياسية، وخاصة بعد انسحاب التيار الصدري حيث رمى الصدر الكرة بملعب الإطار الشيعي.

وبعد شد وجذب تم اختيار محمد شياع السوداني الذي يوصف بأنه ظل المالكي وهو الذي دفع به للواجهة، رغم أن السوداني تم رفضه من ثوار تشرين عام 2019، بعد الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي. وسوف تتخبط هذه السياسات لغاية التغيير النهائي الذي سيخلص الشعب العراقي من معاناته طوال 19 عاما مضت من الاحتلال؛ وهو يرزح تحت وطأة الألم والظلم والفساد والتدمير.. سينهض العراق قريبا ليقود عجلة القوة والنهضة العربية وشعلتها المتوهجة.
__________
[1] - الان، دنو (2020)،" نظام التفاهة"، ترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنشر، بيروت، الطبعة الأولى، ص 70.

التعليقات (0)