قضايا وآراء

الأمن القومي العربي والأمن الغذائي.. أي علاقة تكامل؟

عبد الوهاب كريم العلواني
1300x600
1300x600
لا بد من الإشارة هنا إلى أن مشكلة الأمن الغذائي العربي دليل على فشل السياسات الاقتصادية العربية التنموية، التي صدعت رأس المواطن العربي في القمم العربية واللجان المنبثقة منها، عن وضع خطط ودراسات وبرامج، وبمجرد انتهاء القمة أو الاجتماع توضع تلك القرارات أو الدراسات على الرفوف وتكون طي النسيان.

إن إخضاع الدول العربية للتبعية الغذائية من قبل الدول المتحكمة بالاقتصاد العالمي؛ هو جزء لا يتجزأ من سياسة تلك الدول تجاه الوطن العربي من أجل إخضاعه وتفتيته وتجزئته.

فبعد كل أزمة يسلط الضوء على حجم الأخطار الاقتصادية والمعيشية التي تهدد العالم العربي، وربما كانت الأزمة الأكبر هي أزمة الحصار على العراق وما تبعه من أزمات قد أبانت عن هشاشة السياسات الزراعية والفلاحية للدول العربية. وأستعين بمقولة داهية السياسة العربية العاهل المغربي الحسن الثاني (رحمه الله) حين قال باللهجة المغربية: "اللي ما يخيط كساتو، ويطيب عشاتو، ويذبح شاتو، موتو أحسن من حياتو..". وعنى بهذه المقولة أن الاكتفاء الذاتي للإنسان إن لم يقم به بنفسه فما قيمة حياته إذا كان يعتمد على كل شيء من الآخر؟
إخضاع الدول العربية للتبعية الغذائية من قبل الدول المتحكمة بالاقتصاد العالمي؛ هو جزء لا يتجزأ من سياسة تلك الدول تجاه الوطن العربي من أجل إخضاعه وتفتيته وتجزئته

فالعاهل المغربي الملقب بباني السدود جعل المغرب يعتبر من أكبر الدول بعدد السدود، حيث بلغت لغاية 2020 ما يقارب 133 سدا، ويعتبر سد الوحدة أكبر السدود العربية بعد السد العالي المصري، لاهتمامه بالمياه ومستقبل المياه والمشاريع الاقتصادية الكبيرة ومنها الثروة الزراعية، خاصة المحاصيل الغذائية التي مكنت المغرب من الاكتفاء الذاتي، لكن ما زال يمر بأزمة إدارة وتحديات مع الاتحاد الأوروبي.

فالدولة التي تحقق اكتفاءها الذاتي من توفير محاصيلها الزراعية الغذائية ومنتوجاتها الصناعية؛ تحقق أمنها القومي وتحافظ على سيادتها واستقلالية قرارها السياسي، أما الدولة التي لا تستطيع توفير ذلك فأمنها القومي معرض ومهدد في أي لحظة للاختراق بل للتدمير، وتصبح دولة تابعة إن لم تكن دولة فاشلة.

فالسودان كان يوما سلة الغذاء العربي، وكانت دول مثل العراق وسوريا تكتفي ذاتيا من محاصيلها الزراعية والغذائية وصناعاتها المحلية، ومصر كانت رائدة في الإنتاج الزراعي وسميت مصر هبة النيل لما له من دور في توفير البيئة المناسبة والطبيعية للمحاصيل الزراعية ومنتوجاتها الصناعية، والمملكة العربية السعودية ودول المغرب العربي حظيت بطبيعة زراعية استطاعت تحقيق ذروة الإنتاج الفلاحي والسلع الغذائية، خاصة المملكة المغربية التي استطاعت الهيمنة على السوق الأوروبية ومنافسة الدول الكبيرة.

كذلك تفاقم هجرة الفلاحين إلى المدينة مما سبب ترك الأراضي الزراعية، بل إن البعض عرضها للبيع أو تركها من أجل العيش حياة المدنية، رافقت ذلك أزمة التصحر وشح المياه وغيرها، وفاقمت من أزمة الغذاء وتوفير السلع الغذائية لكل المواطنين مع ارتفاع أسعارها.

أسباب كثيرة وعديدة، ما هو داخلي أو ما هو خارجي، ولكل سبب عوامله ذكرنا بعضا منها أعلاه، والبعض مرتبط أيضا بالتنافس الدولي والهيمنة على المنطقة، من خلال إضعاف الإنتاج المحلي للدول وإغراء أو ترهيب المزارعين من زراعة أراضيهم. ولعب الكيان الصهيوني دورا كبيرا من خلال شركاته بعلامات عربية وبأشخاص من دول عربية، ومن خلال تجارة السلع الغذائية والسيطرة على السوق العربية وإغراقها بالبضائع "الإسرائيلية" المغلفة بعلامات عربية (مثلا صنع في الأردن، أو صنع في مصر.. وهكذا). وقد كشفت عنها وزيرة الثقافة الأردنية "جمانة غنيمات" وغيرها من الحالات.

كما أثرت الأزمات والنزاعات والحروب وثورات الربيع العربي في المنطقة العربية، ولعبت دورا كبيرا في إضعاف الكثير من القطاعات الإنتاجية ومنها الفلاحية والزراعية، خاصة السلع الغذائية وارتفاع أسعارها، كما أبانت أزمة فيروس كورونا عن هشاشة القطاع الزراعي العربي في تغطية احتياجات المواطن العربي من رغيف الخبز، تلتها الحرب الروسية- الأوكرانية التي أضحت أزمة عالمية بسبب نقصان الحبوب، خاصة القمح الذي تنتجه أوكرانيا ويغطي ثلثي المنتوج العالمي.
مشكلة الأمن الغذائي لم تعد مشكلة زراعية بقدر ما أصبحت مشكلة سياسية، لأن أزمة الغذاء تؤدي إلى ثورة الفقراء ضد أي نظام سياسي مهما كانت قوته


أثبتت التجربة أن الأزمات التي مرت بها منطقتنا العربية قد أبانت عن زيف المبادئ التي ينادي بها الغرب الذي لا قيم له تجاهنا، والتجربة الأوكرانية والنزاع مع روسيا كشفت هذا الزيف. فلا يهمها المواطن العربي ودوله بقدر ما يهمها المواطن الأوروبي وديانته.

فمشكلة الأمن الغذائي لم تعد مشكلة زراعية بقدر ما أصبحت مشكلة سياسية، لأن أزمة الغذاء تؤدي إلى ثورة الفقراء ضد أي نظام سياسي مهما كانت قوته.

من هنا يرتبط الأمن الغذائي بالأمن القومي، فمتى تحقق الأمن الغذائي تحقق الأمن القومي أي أن الأحداث الجسام والأزمات جعلت الأمن الغذائي جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لأي دولة. فمفهوم الأمن القومي الشامل يتضمن الأمن القومي الداخلي والخارجي على حد سواء، والذي يقع على عاتق الحكومات تحقيقه وتأمينه في كل الظروف التي تمر بها في وقت السلم كما في وقت الحرب.

فهل تعي أنظمة الحكم العربية مخاطر ذلك؛ وهي تعجل بوضع خطط استراتيجية من أجل النهوض بالثروة الزراعية والحيوانية وتحسين استغلال الموارد التي حباها الله بها، لتحقيق حياة أفضل لشعوبها وتوفر الاستقرار والاستقلال لقرارها السياسي، وتحافظ على أمنها القومي؟

 

التعليقات (2)
سعيد المعشني
الأربعاء، 20-07-2022 07:37 م
مقال عظيم من رجل عظيم الأمن القومي وتمكين مصادره شيء مهم فإن رغيف الذي تحصل عليه اليوم لا تضمن أن تجده في الغد إلا بخطط واضحة وبصائر تستبق الأحداث باقتدار.. تحياتي
صالح الخنجري
السبت، 16-07-2022 03:50 ص
مقال في العمق فالأمن القومي لا يتحقق فئ زاوية محددة بل مرتبط بالعديد من القضايا التي تشمل الأمن الزراعي والاجتماعي والسياسي وغيرها من الاتجاهات الفكرية والثقافية والاقتصادية