قضايا وآراء

ثقافة الحرارة وثقافة البرودة وتغيراتها بعد موجات الحرارة الأخيرة

هاني بشر
1300x600
1300x600
يعكس الطقس ثقافة محلية تسعى للتأقلم والتعايش معه في مختلف الأماكن عبر العصور والأزمان، وهي ثقافة تبدأ بالملبس ولا تنتهي بالمسكن والمأكل والعادات والتقاليد. وهي أمور ثابتة نسبيا لأن تحولات المناخ في البلد الواحد غالبا لا تتغير بشكل كبير، المشكلة حين يحدث تغير غير مسبوق في الطقس، كما حدث في موجة الحرارة التي ضربت كثيرا من الدول وخاصة الدول الأوروبية خلال الأيام الماضية، ما يستدعي تغيير سريع في الثقافة والعادات لا يمكن مواكبته في فترة قصيرة سواء على مستوى الأفراد أو الدول.

وقد عرف العالم موجات حرارة غير مسبوقة خلال العقدين الأخيرين، لكن الأخيرة كانت هي الأعنف ربما بعد أن تجاوزت الحرارة في دول مثل بريطانيا وفرنسا الأربعين درجة مئوية لأول مرة. وهنا تجاوز الأمر التأثير البشري ليمتد إلى اندلاع حرائق في العاصمة البريطانية لندن؛ لم تعرفها المدينة منذ الحرب العالمية الثانية والضغط على شبكة الطرق والمواصلات غير المؤهلة أو المصممة لمثل هذا الطقس.

وتثير هذه الظاهرة عدة ملاحظات على التعامل الرسمي والشعبي معها:
تجاوز الأمر التأثير البشري ليمتد إلى اندلاع حرائق في العاصمة البريطانية لندن؛ لم تعرفها المدينة منذ الحرب العالمية الثانية والضغط على شبكة الطرق والمواصلات غير المؤهلة أو المصممة لمثل هذا الطقس

الملاحظة الأولى هي التكرار الدائم لفكرة التغير المناخي كسبب حصري وأساسي ووحيد لهذه الظاهرة، والذي يستدعي إلقاء المسئولية على الأفراد والدول. وبغض النظر عن قضية التغير المناخي في حد ذاتها، فإن الإحالة المباشرة لقضية كونية كبرى عند مواجهة ظاهرة موسمية فيها تهرب من مواجهة المشكلة، ما يعني وجود احتمالية كبيرة لتكرارها مستقبلا بل وتفاقمها.

وقد كان مشهد المذيعة البريطانية في قناة "جي بي نيوز" مأساويا وهي تكرر حرفيا مشهد الكوميديا السوداء في فيلم "لا تنظر لأعلى"، حين تقول لضيفها إن الجو ليس بهذا السوء، فيرد الأخير: لا إنه سيئ جدا. فتكرر وهي تضحك أنها تريد للجميع أن يكونوا سعداء وأن البلاد عرفت هذه الموجات من قبل، ويرد عليها بأن الطقس مميت وسيقع ضحايا.

الملاحظة الثانية هي عدم الاعتراف الغربي العام بفكرة العجز عن مواجهة ظاهرة ما، ففكرة التنظيم والتخطيط الدقيق للأمور لتقليل هامش المفاجآت جعلت من العقل الغربي غير مقتبل لفكرة انقلاب الأمور رأسا على عقب. وهنا ربما يلعب الإيمان الغيبي دورا في تفسير مثل هذا القضايا، الأمر الذي يستدعي بجانب الدراسات حول التغير المناخي؛ الاعتراف بأنه آتٍ لا محالة ويحتاج الاستعداد له بعادات وثقافات جديدة، بدلا من التأنيب المستمر ومحاولة وقفه.
الارتهان لهذه الحلول التقنية هو أمر كارثي؛ لأنه أولا يساهم في زيادة حرارة الأحياء بسبب كثافة الانبعاث الحراري من المكيفات، وثانيا لأنه لا يتسق مع المبادئ الأوروبية العتيقة التي طالما سخرت من الإدمان الأمريكي على مكيفات الهواء واعتبرته نوعا من الإسراف غير المقبول

الملاحظة الثالثة هي المواجهة الاستهلاكية لهذه الظاهرة عبر التوسع في شراء المكيفات، فمتاجر سينسبري البريطانية سجلت ارتفاعا في بيع وحدات تكييف الهواء المحمولة بنسبة 2420 في المئة خلال أسبوع واحد. وهو حل مؤقت لا يلام الأفراد على اللجوء إليه في سعيهم لمواجهة طقس لم يعتادوا عليه. أما على المستوى العام، فإن الارتهان لهذه الحلول التقنية هو أمر كارثي؛ لأنه أولا يساهم في زيادة حرارة الأحياء بسبب كثافة الانبعاث الحراري من المكيفات، وثانيا لأنه لا يتسق مع المبادئ الأوروبية العتيقة التي طالما سخرت من الإدمان الأمريكي على مكيفات الهواء واعتبرته نوعا من الإسراف غير المقبول.

وأخيرا، فإن هناك كثيرا من المسكوت عنه في مثل هذه القضايا في الدول الأوروبية، منها مثلا معايير بناء المساكن الحديثة والتي تم وضع كثير من التشريعات والاشتراطات لها لتكون صديقة للبيئة، ومع ذلك لا يتم التغاضي عن كثير من هذه الشروط، والسبب يرجع لنفوذ عديد من الشركات الكبرى وارتباطاتها بالسياسيين. المسألة لا تقف عند حد مواجهة تصميم المنازل لارتفاع درجات الحرارة، ولكن يمتد لمواجهتها للطقس البارد نفسه. فكثير ممن يسكنون في المنازل المبنية حديثا في بريطانيا مثلا يشتكون من قلة جودة العزل الحراري مقارنة بالمنازل المبنية قديما.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)