الثلاثاء، 16 أغسطس 2022 / 18 محرم 1444
تغلب على خطاب أصدقائنا في الجبهة جمل مواربة تستجدي العطف من دعاة الاستئصال والعاملين عليه، كالسعي المسكين وراء النقابة بدعوى توسيع جبهة النضال، وهو ما يؤخر الحسم مع الانقلاب ومع حزامه الاستئصالي
ونعتقد أن هذا البحث المضني يدخل ضعفا قاتلا على عمل الجبهة ويكبله. إننا نسمي هذا التمشي بالتذلل للفريق الاستئصالي، وهو عين التمشي العاجز الذي حكم سلوك المنحازين للثورة منذ بدايتها رغم الصفعات الكثيرة التي تلقوها، وحكم سلوك المنحازين ضد الانقلاب وأنتج خسارات بلا حصر للبلد وللثورة. ولا نرى جدوى من استعراض تلك الجمل الذليلة عن التوافق والأخوة والحرص على المشتركات الوطنية، فهي عندنا لغو لم يثمر ديمقراطية.
إن الخطاب الذي يقوم على مبدئية العودة إلى دستور 2014 ثم يعمل على التوافق مع القائلين بأن انقلاب 25 تموز/ يوليو، هو حركة تصحيحية يحمل في داخله تناقضا قاتلا.
ألن تكون هذه دعوة إلى تعميق قطيعة في المجتمع أو دعوة إلى احتراب أهلي؟ من هنا تبدأ المغالطة، فالقطيعة الفعلية قائمة بين الشعب وبين النخب، وهي قائمة منذ خمسين عاما والانقلاب واحد من نتائجها. وهذا التذلل السياسي للاستئصاليين الذي نسمعه في خطاب الجبهة هو الذي يزيد في تأبيدها، ويحول الجبهة الآن إلى حجاب يحمي المنقلب من الشعب المفقر تحت مسمى اتقاء الفوضى.
من أين عاد هذا الخطاب المسكين؟
كانت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" تحمل بذور مواقف جذرية ضد الاستئصال السياسي وتوحي بالحسم، لكن هذه المبادرة كانت تحمل في أصلها عوائق بنيوية؛ الأول أن مكوناتها لم تؤمن بزعامتها وبحثت عن زعيم (رأس)، والثاني أنها أملت في إنهاء سريعا للانقلاب متغافلة عن/ أو مستهينة بحزامه المعادي للديمقراطية، والثالث وهو نتيجة السببين الأولين؛ أنها استلفت جمهور حزب النهضة لتعبئ الشارع. وبالنظر إلى حاجتها للجمهور، فإنها وقعت تحت تأثير توجيه حزب النهضة وأجندته القائمة على عدم المواجهة المباشرة بجمل سياسية واضحة وجذرية.
القطيعة الفعلية قائمة بين الشعب وبين النخب، وهي قائمة منذ خمسين عاما والانقلاب واحد من نتائجها. وهذا التذلل السياسي للاستئصاليين الذي نسمعه في خطاب الجبهة هو الذي يزيد في تأبيدها، ويحول الجبهة الآن إلى حجاب يحمي المنقلب من الشعب المفقر تحت مسمى اتقاء الفوضى
من هذا الباب دخل السيد نجيب الشابي على "مواطنون" فقدموه عليهم فهمشهم وقسمهم، معتمدا بالخصوص على توافقه مع شيخ النهضة المالك الوحيد لجمهور نشط، والمهووس ببناء التوافقات بديلا للمواجهة الصريحة (وعنده في ذلك مبررات كثيرة لم يتم تحديثها منذ المذبحة).
التقى الشيخان الجديدان أو الزعيمان (وهما يحبان التسمية).. على تخفيض سقف (مواطنون) وإدخالهم في لعبة التوافقات فإذا الجميع في سياق استجداء الصف الاستئصالي، وفي مقدمته النقابة وحزامها السياسي القائل بأن الانقلاب حركة تصحيحية. وكان هذا بابا لعطالة الجبهة وترددها في الحسم وسببا لقولنا إنها تحتاج خلاصا.
حشر زعيم النهضة جمهوره مرة ثانية أو عاشرة في قمقم التوافق وقدمه هدية للشابي، ليفاوض به مع الداخل الاستئصالي والخارج الأشد استئصالية (أعني فرنسا بالتحديد).
يقال في الشارع السياسي إن السيد الشابي مفاوض بارع فضلا على أنه زعيم تاريخي في مقارعة الدكتاتورية، ولكننا ممن يرون أن الشخص الذي لم يفلح أبدا في بناء حزبه الخاص وتوليف كتلة أنصار فعالة حول فكرة قابلة للبقاء رغم مناخ الحريات الشاملة؛ ليس زعيما وإنما نجم سياسي فرد يعيد باستمرار تحديث اسمه في السوق كقطعة أثرية لكن من خشب عادي. وهذا الظهور الأخير ليس إلا تحديثا آخر بلا أفق منتج، ولا يكفي أن يستعان فيه بزعيم وسيم يردد خطابا طلابيا لقيادة شارع حائر وخائف.
التقى الشيخان الجديدان أو الزعيمان (وهما يحبان التسمية).. على تخفيض سقف (مواطنون) وإدخالهم في لعبة التوافقات فإذا الجميع في سياق استجداء الصف الاستئصالي، وفي مقدمته النقابة وحزامها السياسي القائل بأن الانقلاب حركة تصحيحية. وكان هذا بابا لعطالة الجبهة
هل هذه مزايدة يا عم؟
ستبدو كذلك من شخص يسير مع الناس بلا اسم ولم يدخل السجن زمن المذابح. ليكن، ولكن لدينا شجاعة لمراجعة ما نقول. لقد استهنا بالانقلاب ورأيناه فعل شخص وليس فعل ماكينة، ولا نزال نسلط النقد والسخرية وحتى الدعاء على شخص يبدو أنه الحلقة الأضعف في الانقلاب.
نعرّف الانقلاب بعد سنة منه فنقول هو خطة استئصالية موجهة بدرجة أولى ضد الثورة وضد ما أفرزته من مؤسسات، وأهمها الدستور وهيئاته، وبدرجة ثانية ضد كل من آمن بالدستور وفي مقدمتهم حزب النهضة. ولذلك فإن كل قائل بأنه حركة تصحيحية هو جزء مكين منه وليس معارضا له، وعلى هذا نرى البناء الاستراتيجي للمستقبل. وقد كان هذا نواة خطاب ائتلاف "مواطنون ضد الانقلاب"، لكنهم رضوا بتسقيف خطابهم داخل جبهة الخلاص وإن احتفظوا باسمهم كجزء من الجبهة.
التركيز على إسقاط شخص المنقلب أراه بعد المراجعة ينتهي بنا إلى إنقاذ ماكينة الانقلاب، أي إعادة القوى المناصرة له إلى سدة الحكم دونه واستدامة خطاب الاستئصال وممارساته، أي العودة فعلا إلى ما قبل الثورة نفسها وليس إلى يوم 24 تموز/ يوليو. هل هذه المراجعة دعوة للانسحاب من الساحة وترك ماكينة الانقلاب تحكم بعده؟
هذا استخلاص سريع يُرد عليه بخطاب واضح: إما أن يأتي الانقلابيون الذين اتضحت أسماؤهم وعناوينهم تحت سقف الدستور ويبنون شراكة مع الجميع (وفي مقدمتهم النهضة وائتلاف الكرامة)، ويضعون حدا لخطاب الاستئصال وممارسات الإقصاء، أو أن تتوقف جبهة الخلاص عن إنضاج الغلة ثم وضعها على مائدتهم (بواسطة اليد العاملة النهضوية)، فلا يتركون للجبهة إلا غسل الأواني.
هل تملك الجبهة القدرة على ذلك؟ نظن نعم إذا كنت تؤمن فعلا بأن دستور 2014 يشكل قاعدة عمل وطني وديمقراطي.
الدعوة إلى تراجع استراتيجي يبني على أننا نحارب فرنسا ولا تمكن محاربتها بمصافحة يدها الباطشة بالديمقراطية. وهذه اللحظة البائسة مناسبة لتجذير خطاب الجبهة في خطاب تحرر وطني يعيد بناء العمل السياسي على مشروع استقلال تام، ومن ثم الاستعداد لمعركة سياسية طويلة المدى
نحن نرى أن المنقلب قد دخل منطقة الإضرار بمصالح الاستئصاليين أنفسهم وبمواقع الفائدة التي كانوا يجنونها من الدولة، وهو إذ يستعديهم يدفعهم إلى الخروج ضده، وما لم يفيئوا إلى الشرعية الدستورية سيظلون تائهين بحثا عن سند أخلاقي وسياسي لن يجدوه خارج دستور 2014 ولن تمنحه لهم السفارة الفرنسية.
أختم بالدعوة إلى تراجع استراتيجي يبني على أننا نحارب فرنسا ولا تمكن محاربتها بمصافحة يدها الباطشة بالديمقراطية. وهذه اللحظة البائسة مناسبة لتجذير خطاب الجبهة في خطاب تحرر وطني يعيد بناء العمل السياسي على مشروع استقلال تام، ومن ثم الاستعداد لمعركة سياسية طويلة المدى (لا توفر الخبز للجياع سريعا) لأنها تتجاوز أجندة إسقاط الانقلاب إلى أجندة إسقاط الاحتلال (راعي الانقلاب وحزامه الاستئصالي).
إنها حرب طويلة نعم ومكلفة أيضا، إذ تفتح الباب لفوضى مجهولة، ولكن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, أما القيادة الحالية فلن تكون في مستوى هذه المعركة، فهي محكومة بفناء سريع ويمكنها منذ الآن بدء نظم قصائد طويلة للبكاء على أطلال أمجادها الصغيرة. بخلاف ذلك سيستعين الاستئصاليون بضحاياهم الأزليين ليعودوا إلى الحكم على جثثهم، كما فعلوا عشية تفكيك القصبة الثانية وخطف الثورة من أولادها.
بواسطة: "كوليسيوم" السياسة
الثلاثاء، 14 يونيو 2022 10:35 ميا سيدي نور الدين إذا كان للهند "غاندي" واحد فلدينا نحن آلاف و إذا كان للتبت "دالاي لاما" واحد فلدينا آلاف كذلك. مشكلتنا أننا نسميهم ساسة و هذا خطأنا نحن، علينا أن ندرك أن حلبة أو "كوليسيوم" السياسة يرفضهم
بواسطة: ناصحو أمتهم
الأربعاء، 15 يونيو 2022 02:35 معار وهوان عليكم يا أهل القطر أن يبقى يحكمكم هذا الدّعي الذي فشل في العمل مع كل من اختارهم بنفسه وفشل في منع أقربهن من الخروج رغم أنفه إلى بلد سيّده ونشر فضحائه (ألم يأمر بالتحقيق في تسريباتها الهاتفية ؟ ألم يّثبت الاختبار الفني أنها صحيحة؟ فلماذا لم يعلن على مصير تحقيقه؟ ألم يعترف منذ ثلاثة أيام الشخص الذي كانت تحادثه هاتفيا بصحّتها؟). لو أنكم يا نخب الفشل وقفتم له بمؤسساتكم القائمة (الدستور، مجلس النواب، الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين) وقفة عزل يوم ثبت فنيا وقضائيا كذبه في مسرحية الظرف المسموم أو يوم أصّر في مناسبتين على رفض توقيع قانون تشكيل المحكمة الدستورية ما وصلتم إلي وضع اليوم البئيس.
لا يوجد المزيد من البيانات.