الحرب العالمية الأولى بين جوني وآمبر

انشغلت وسائل الإعلام العالمية بقصة الحرب التي دارت رحاها في سوح المحاكم ووغى القضاء بين جوني وآمبر، حتى غلبت أخبارهما أخبار انقطاع القمح عن مئات الملايين في آسيا وأفريقيا، وأخبار الحرب العالمية المندلعة بين الغرب وروسيا في أوكرانيا.

وحرب روسيا وأمريكا في أوكرانيا عالمية ما تزال في مرحلة الحضانة، إلا أن الحرب بين الزوجين السابقين جوني وأمبر عالمية أيضا، ليس لانشغال وسائل الإعلام بها، وبثّها "مباشر" على قنوات عالمية وعربية، وإنما لأنه أريد لها أن تكون حربا بين الذكر والأنثى. وقد ظنّت آمبر أنها ستغلب زوجها السابق، بسبب ميل الحكومة العالمية الخفية إلى القوارير، ليس رفقا بهن وإنما لأسباب حربية خالصة، حتى أن عبد الفتاح السيسي، رئيس صندوق تحيا مصر، عندما تذمّه تقارير منظمات حقوق الإنسان يرد المدافعون عنه قائلين: انظروا إلى هذا الحمل الوديع كم أنثى في برلمانه وحكومته.

لا تشبه قصص الحب ما بعد الحديثة قصص الحب التي خلدت في الذاكرة، وعرفت بالتضحية والبذل والإخلاص، قيس وليلى، عنتر وعبلة، عروة وعفراء، روميو وجولييت، ممو زين..

وقد استمرت قصة زواج الممثل الشهير جوني ديب والممثلة آمبر هيرد 15 شهرا لا أبالك يسأم، وهذا زواج بالقياس الأمريكي والفني ماراثوني، لكن يبدو أنَّ الممثلة التي تسلقت الشهرة على ظهره، ولعبت أدوارا اجتماعية، وأصبحت سفيرة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وحقوق المرأة، والعنف القائم على النوع، وقدمت إعلان خدمة عامة عن العنف المنزلي، شعرت بأنَّ طريق المجد مفتوح أمامها إذا صارت هي الضحية، فطمعت في بطولة أخرى حقيقية غير تمثيلية. وكانت إضافة إلى نضالها النسوي؛ قد تحولت من الكاثوليكية إلى الإلحاد، ثم إلى المثلية، وهي مناقب تورث حمدا في الغرب.

ولأن الأمريكان ثقافتهم رومانية، فهم يعشقون العروض، ومشاهد الصراع في الحلبات، فتحولت المحكمة إلى عرض قضائي، وحلبة صراع ذكورة مع أنوثة استمر ستة أسابيع حسوما، بين فريقين من المحامين المدججين بالقوانين والأكاذيب. فريق جوني ديب يضمُّ في الهجوم خمس محاميات جميلات، وثلاثة محامين في الدفاع، أما محامو آمبر، فهم ثلاثة محامين في الهجوم. لقد أدرك قرصان الكاريبي أنه لا يفلُّ النساء إلا النساء، ولا يفلّ الرجال إلا النساء.

ذكّرتنا المحاكمة بمحاكمات شهيرة، مثل محاكمة لاعب الكرة الأمريكي جاي سيمسون، ومحاكمة رئيس أمريكا كلنتون في قضية لوينسكي.

وقد أصدرت المحكمة حكمها بتغريم آمبر 15 مليون دولار، لأنها لم تستطع إقناع المحكمة بدعواها، بل ظهر للمحكمة أنها هي التي مارست العنف ضد زوجها وصفعته، وصوّرته وهو نائم. وبدا للمحكمة أن ملك القراصنة جاك سبارو، والحائز على جوائز سينمائية كثيرة، وأكثر نجوم هوليود شهرة، رجل حليم، وله مساهمات إنسانية مثل بناء مشاف للأطفال، وإعادة منطقة للهنود الحمر منهوبة منهم بأمواله، وهي أموال كثيرة قدرت بنحو 650 مليون دولار، فلنجم الكاريبي جزيرة في البحر. أما أعمال آمبر الإنسانية، فبقيت وعودا ومواعيد مثل مواعيد عرقوب.

صرفت أموال طائلة على فيلم المحاكمة، أو المباراة بين الجنسين، بلغت مليوني دولار إلى أن نُطق بالحكم لصالح جوني، الذي استُقبل استقبال الأبطال الفاتحين في حفلة موسيقية أقيمت في أسكتلندا، بعد أن تبين للمحكمة ومحلفيها أن الرجل قد ضُرب وسكت حلما منه، وكان قد سرحها بإحسان مع تعويضات قدرها سبعة ملايين دولار مؤخر صداق أو مؤخر طلاق، أو ورشوة من أجل ستر الفضائح.

يوصف العربي المعاصر بأنه ذكوري، وقرأت مقالات لنسويات محجبات تصف الفقهاء بأنهم ذكوريون، وقد ارتفعت نسب الطلاق في العالم العربي بسبب الغزو الفكري وسوء الحال الاقتصادي، وتأجيج الصراع بين الذكور والإناث.

للطلاق في التاريخ العربي أحوال تثير العجب بحلم العرب ونخوتهم من الجاهلية الأولى حتى الجاهلية الثانية، سنروي ثلاث قصص منها، أولها خبر الحارث بن سليل الأسَدِي، وكان حليفا لعلقمة بن خَصَفة الطائي، فزارَه، فنظر إلى ابنته الزَّبَّاء -وكانت من أجمل أهل دهرها- فأعْجِبَ بها، وكان شيخا كبيرا، فزهدت فيه، راغبة في فتى من عمرها، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها، لغناه، فتزوجها الحارث على 150 من الإبل، وخادم، وألف درهم، فابْتَنَى بها ثم رَحَل بها إلى قومه، فبينا هو ذاتَ يوم جالسٌ بفِناء قومه وهي إلى جانبه إذ أقبَلَ إليه شَبَابٌ من بني أسد يعتلجون فتنفَّست صُعَداء، ثم أرْخَتْ عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يُبْكِيكِ؟ قالت: مالي وللشيوخ، الناهضين كالفُرُوخ، فقال لها: ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَجُوع الحرة ولا تأكل بثدييها. وطلقها من غير انتقام أو محاكمة.

والمثال الثاني في الإسلام لعبد الملك بن مروان وكان يلقب بأبي الذبان، وهو غير "الذبان" الإلكتروني، قال: ونبذ إلى امرأة له تفّاحة قد عضّها، فأخذت سكّينا؛ فقال لها: ما تصنعين؟ قالت: أميط عنها الأذى، فطلّقها من غير انتقام للإهانة التي لحقت به. وهو أقوى ملك في الأرض يومها!

والثالث فني من مسلسل باب الحارة الشهير، وسبب شهرته أنّ حلاق باب الحارة غضب من زوجته، فطلقها، فحرمت عليه، فوجب أن يبين عنها، ويخلي لها بيته حسب الشرع، فنام في الدكان، فعرف بقصة الجاسوس.

دارت مؤخرا معركة بين الأزهر والسيسي حول الطلاق، يريد حاكم مصر الفصيح أن يصير ولي أمر نساء مصر جميعا، ويزيد من مدخول صندوق تحيا مصر بأرباح وثائق الطلاق، وإجراءات التقاضي، ويقسم مصر إلى حزبين، ذكور وإناث. لم يوافق الأزهر حتى الآن لمخالفة رغبة الحاكم صريح القرآن. الرئيس المصري يبغي من وراء ذلك قتل المروءة والكلمة قتلا ذريعا.

انتصر جوني ديب في الجولة الأولى، وانتهى الموسم الأول، لكنّ الأسرة خسرت كثيرا، والحرب ستزداد ضراوة بين الجنسين، وقد ينتصر الجنس الثالث. تقول محامية آمبر إن موكلتها غير قادرة على دفع الغرامة، وإن خياراتها محدودة، فإما أن تدفع بعض الغرامة وتستأنف الحكم، وإما أن تلجأ لقانون الإفلاس، وهو طريق طويل سلّمه، وإما أن يتنازل زوجها وخصيمها عن حقوقه المالية التي قضت بها المحكمة. ونسيت المحامية أمرا رابعا، وهو أن يتطوع ملك عربي لنجدتها، ويغيثها بأمواله، فالمستنجدة اسمها عربي وهو "عنبر"، والملوك العرب لا ينامون على ضيم امرأة شقراء وأمريكية ونجمة، وتستغيث باكية من جور الظالمين والفقر، ولها في إيفانكا أسوة. لم تخلُ بلاد العرب من نخوة المعتصم، وللملوك سوابق كثيرة في النجدة وإغاثة الملهوفات وحماية الظعائن.

فأبشري يا عنبر يا قطعة مسك وسكّر.