هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تلقت جهود السلطات المصرية لإجراء حوار سياسي بهدف إحداث انفراجة سياسية في البلاد بعد ثماني سنوات من القمع والحظر، ضربة قوية تهدد بفشل الحوار الذي دعا له رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، بعد إسناده إلى جهات أمنية اتخذت بدورها بعض الإجراءات المناهضة للحوار والمدعوين إليه.
وفي الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات بين القوى السياسية للتوافق حول عدد من المحاور الرئيسية، حظرت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تدير غالبية القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، والتابعة لجهاز المخابرات، تناول أي أخبار أو لقاءات تتعلق بالحركة المدنية الديمقراطية وأعضائها، ووضعهم على القائمة السوداء.
وقالت عدة مصادر صحافية وإعلامية لـ"عربي21" إن "هناك تعليمات مشددة إلى رؤساء التحرير ومنتجي المقابلات بعدم استضافة العديد من رموز الحوار السياسي سواء هاتفيا أو على الهواء مباشرة لحين إشعار آخر"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وأكدوا أن "التعليمات التي جاءت للقنوات والإذاعات والمواقع الإخبارية التابعة للشركة تحظر أيضا تناول أخبار الاجتماعات التي تعقدها تلك الحركة أو الأحزاب والأشخاص السياسيين الموالين أو المجتمعين معهم باستثناء الاجتماعات التي تعقد في الأكاديمية الوطنية للتدريب التي تتولى إدارة الحوار".
وتضم الحركة المدنية الديمقراطية، أحزاب الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والمحافظين والدستور والوفاق القومي والاشتراكي المصري، والعيش والحرية، وحتى كتابة هذه السطور لم تتم استضافة أي سياسي مصري من أطراف الحوار في أي برنامج مباشر على قنوات المتحدة للإعلام.
وتدير الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية شبكة قنوات "دي إم سي" و "سي بي سي" و "الحياة" و "أون تي في"، إلى جانب العديد من المؤسسات والمواقع الإخبارية، مثل اليوم السابع والوطن والدستور ومبتدأ، الخ.. وتمتلك محطات راديو "90 90" و"ميغا إف إم" و "نغم إف إم"، بالإضافة إلى شركات إنتاج وإعلان.
وكان السيسي أعلن نهاية الشهر الماضي، إلى جانب إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، عن إطلاق دعوة للحوار السياسي، بعد سنوات من مصادرة الحريات السياسية والصحفية والنقابية، وكلف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع مختلف التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، ورفْعِ نتائج هذا الحوار إليه شخصيا.
ونقل موقع مدى مصر (مستقل) عن مصادر لم يسمها، أن أسباب القرار "استياء الجهات الأمنية المالكة لمجموعة القنوات والصحف مما طُرح خلال الاجتماع الذي عُقد بحزب المحافظين بشأن الحوار الوطني، وتطرق رئيس التيار الشعبي حمدين صباحي خلال كلمته في الاجتماع إلى قضية تيران وصنافير، وتصريحات رئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، عن أن الحوار الوطني يشبه الحوارات التي عقدت في حقبة مُبارك مع الأحزاب".
وعقد بعض السياسيين اجتماعا، السبت الماضي، انتقدوا خلاله، تولي الأكاديمية الوطنية للتدريب مسؤولية إدارة الحوار الوطني، والتي تشرف عليها جهات أمنية مثل المخابرات العامة والأمن الوطني، بحسب مصادر لـ"عربي21".
وأعرب رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، عن قلقه من "إسناد تنظيمه وإدارته لمؤسسات شبابية تنتمي وتدار بمعرفة أجهزة بعينها"، في إشارة إلى أكاديمية التدريب.
وأضاف السادات، في بيان له على موقعه الإلكتروني: "ولكني غير راضٍ ومطمئنٍ عن إسناد تنظيمه وإدارته لبعض المؤسسات الشبابية، التي تنتمي وتدار بمعرفة أجهزة بعينها في شكل كرنفال مفتوح".
"مضطر أخاك لا بطل"
وقال مصدر بحزب التيار الشعبي الذي يتزعمه حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، طلب عدم ذكر اسمه، إن "هناك استياء من الأنباء المتداولة حول وضع صباحي وغيره من رموز الحوار السياسي على قائمة الحظر الإعلامي".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "مثل هذه الإجراءات، إن صحت، فإنها تنذر بفشل الحوار مسبقا، خاصة أن الاجتماعات لم تبدأ بعد بشكل رسمي ولم يطرح الرؤى السياسية المشتركة للمعارضة أمام الجهات التي تدير الحوار"، مشيرا إلى أن "الشعور العام هو باختصار مضطر أخاك لا بطل، حتى لا يتهمونا (السلطات) بإضاعة الفرص".
لعبة "العرائس"
اعتبر السياسي والبرلماني المصري السابق، محمد عماد صابر، أن هذا الحظر "مؤشر على فشل الحوار قبل أن يبدأ، ولا يرقى إلى أن نسميه حوارا سياسيا، وأنه جاء في سياق محاولة تجميل وجه النظام العسكري، وهي حيلة تمارسها الأنظمة المستبدة كلما واجهت ضغوطا أو كوارث اقتصادية أو عسكرية، واستدعاء بعض الوجوه القديمة".
اقرأ أيضا: ما هي ملامح "الحوار الوطني" الذي دعا له السيسي؟
وانتقد في تصريحه لـ"عربي21" الأحزاب السياسية لأنها "قبلت أن تمارس دور العرائس (الدمى) المعلقة من أقدامها وأرجلها ورأسها، تحركها السلطات متى ارادت وكيفما شاءت، أين كانوا طوال السنوات الماضية، ولماذا لم يستدعهم النظام عندما كان في نشوة انتصاره، وإغداق الأموال عليه من كل جانب سواء بالودائع أو القروض؟".
وحذر صابر من الانجرار وراء "حوار الطرشان ولعب أدوار هزلية صورية لمواجهة الكارثة الاقتصادية التي تحل على البلاد من كل حدب وصوب، في ظل حالة الغلاء، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتذمر المواطنين من ضيق ذات اليد، وزيادة الأعباء، وقلة الحيلة، وانعدام أي رؤية حكومية للخروج من الأزمة".