قضايا وآراء

قوانين التحرر من الاستبداد (2)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
تناولنا في المقال السابق القوانين الخمسة الأولى لفهم الاستبداد والتحرر منه، والواجب فعله شعبيا إزاء هذه القوانين:

القانون الأول: الاستبداد يفسد ويدمر كل شيء.

القانون الثاني: الاستبداد يحول بوصلة الدولة لخدمة المستبد وعصابته.

القانون الثالث: الاستبداد لايريد أية مصالح للشعب، إنما تجهيله وإضعافه واستعباده واستخدامه مجانا.

القانون الرابع: مهام نظام الاستبداد المحلي وعلاقته بالنظام العالمي الاستبدادي

القانون الخامس: الاستبدادان المحلي والعالمي وجهان لعملة واحدة.

واليوم نستكمل بقية القوانين حتى القانون الثالث عشر، والواجب فعله شعبيا تجاهها.

القانون السادس: قانون التوظيف العكسى لأبناء جلدتنا

الاستبداد لا يأتي بقوة بشرية أجنبية لمساعدته ودعمه في السيطرة على الدول ومقدراتها، بل يعيش بقوة ومشاركة ودعم أناس كانوا إخواناً لنا ومن وأبناء جلدتنا، بعد استقطابهم وتحويلهم إلى فئة العملاء الخونة والشعوب المغيبة عن الوعي، وفيما يلي بعض صفاتهم:
الاستبداد لا يأتي بقوة بشرية أجنبية لمساعدته ودعمه في السيطرة على الدول ومقدراتها، بل يعيش بقوة ومشاركة ودعم أناس كانوا إخواناً لنا ومن وأبناء جلدتنا، بعد استقطابهم

1- العملاء الخونة الذين استقطبهم للعمل معه من ضعاف وفاسدي النفوس خونة الوطن والشعب.

2ـ مغيبو الوعي، السكارى الحيارى التائهون الواقعون تحت تأثير إعلام الاستبداد الذي يزيف ويشوه ويبدل الحقائق، ويصنع القصص والروايات الكاذبة لتفريغ الوعي وتغييب العقول وتضليل العقول والسيطرة عليها وتغيير قناعتها وميولها وقراراتها وبوصلتها وولاءاتها وانتماءاتها، للعمل معه ضد شعبها ووطنها ومصالحها، والتحول لتكون شريكاً له في جرائمه مقابل الفتات المتناثر من مائدته.

القانون السابع: الاستبداد لا يرحم ولا يتواصل

المستبد يرى في نفسه إلهاً يستحق كل شيء، ولا يعترف بالكرامة الإنسانية لغيره، فليس لغيره أية حقوق مادية ولا معنوية، ولهذا هو يستخدم قوة البطش بطلاقة ليقهر ويحرق ويقتل ويبيد، ولا يعرف غير منطق القوة والبطش، فالمستبد:

- لا يهادن ويجلس للتفاوض إلا مكرها وللمراوغة والاستدراج وكسب الوقت، حتى يستعيد الفرصة للبطش.

- لا يشارك أحداً فهو يمتلك ويسيطر ويهيمن فقط ثم يمنح بقدر الحاجة لكسب ود وجهود وتبعية الآخرين.

- لا يتنازل أبدا لأنه يدرك أن التنازل يعنى نهايته، فيتجه إلى سياسة الأرض المحروقة لحرق الجميع معه.

- المستبد لا عهد له إنما هو خائن لله تعالى وللشعب، وإذا عاهد غدر حينما يستطيع ذلك.

- لا يصلح للتقويم والعلاج، فنفسه فاسدة تمام الفساد، تجاوزت كل فرص الإصلاح والتقويم، ولم يشهد تاريخ البشرية مستبدا تم إصلاحه.
لا يصلح للتقويم والعلاج، فنفسه فاسدة تمام الفساد، تجاوزت كل فرص الإصلاح والتقويم، ولم يشهد تاريخ البشرية مستبدا تم إصلاحه

- المستبد فاقد البر، فهو لا يمنح شيئا إلا للمراوغة والاستدراج أو حيلة ومكرا.

- المستبد يستخدم المكيدة والمكر الفاسد بطلاقة كاملة، لا تحده أية ضوابط وحدود.

القانون الثامن: قانون البتر النهائي من الجذور

الاستبداد لا يقبل القسمة على اثنين، ولا يقبل التعامل الجزئي معه لأنه يتكون من مكون مادي وذهني ونفسي متجذر في نفوس وأعماق المجتمع، سواء للمستبد وعصابته وأعوانه وداعميه وخدامه. هو بمثابة خلايا سرطانية تتمدد وتقتل كل أسباب القدرة والحياة والكرامة وكل شيء عند الإنسان والمجتمع وكذلك عند الشعب، ومن ثم الاستبداد لا يمكن تخديره أو تقويمه وعلاجه أبدا أبدا.

لا يصلح معه إلا البتر النهائي ومن جذوره المعنوية؛ من أفكار ومفاهيم وتداعيات نفسية دفينة في أعماق المجتمع

القانون التاسع: المصداقية مع النفس والله والشعب بتحديد موقفك من الاستبداد

المعركة مع الاستبداد معركة تاريخية ممتدة من لدن آدم عليه السلام وحتى نهاية العالم، تتعاقب عليها أجيال متتالية ومستبدون وطغاة لكل عصر، وكذلك أنبياء ومرسلون ثم مصلحون ومحررون وحركات تحرر موازية في كل عصر.

من أهم قوانين التحرر هو التحديد الدقيق والوضوح، والمفاصلة الكاملة بالكفر بالمستبد والخروج على الطاغية خروجا صحيحا صريحا محددا، لا مواربة فيه، وذلك لأن طبيعة المعركة تتطلب ذلك. كذلك الخصم المستبد يفهم ذلك جيدا فيتعامل مع كل من ليس معه على أنه عدو، فلا يوجد نصف ولا ثلث ولا ربع عدو، ولا نصف ولا ثلث ولا ربع موقف تجاه المستبد.
من أهم قوانين التحرر هو التحديد الدقيق والوضوح، والمفاصلة الكاملة بالكفر بالمستبد والخروج على الطاغية خروجا صحيحا صريحا محددا، لا مواربة فيه، وذلك لأن طبيعة المعركة تتطلب ذلك

وللخداع والتخدير والاستدراج يستخدم المستبد مكائد متعددة لإيهام ضعاف النفوس، الذين بوهمون أنفسهم ويحاولون خداع أنفسهم وشعوبهم.

أشكال الشراكة مع الاستبداد ومحاولة خداع النفس والشعب

1ـ الصمت عليه خوفا وهربا من بطشه.

2- صامت عليه متعايشا ومتراضيا.

3 - الاكتفاء بمقاومته على السوشيال ميديا ملتزما بالمتاح.

4- متعاون وداعم جزئي له.

5- معارض له.

6- مستغرق في كشف فسادة وظلمه دون المشاركة في مقاومته. والصحيح هو الإعلان والجهر بالخروج على المستبد والعمل على مقاومته، وفي الإعلان ذاته مقاومة ورفض وحث للمجتمع على التشجع والحشد ضده.

القانون العاشر: التحرر بالقوة الذاتية الكاملة

المستبد والنظام الدولي الاستبدادي جزءان لعدو واحد، وشريكان في الخصومة، ولا يصلح منطقيا ولا سياسيا أن يتوهم البعض أن أحدهما محايد يمكن الرجوع والاحتكام إليه وطلب دعمه ومساعدته على الجزء الآخر.

- النظام العالمي الاستبدادي الخصم الأول للشعوب الساعية للتحرر من قبضة وكلائه ومن ثم قبضته، فهو الخاسر الأكبر من تحرر أي شعب من الشعوب، لانه سيخسر كل الموارد التي كان يتحصل عليها مجانا.

- كما أن الحرية تنتزع ولا توهب، ولم يشهد تاريخ البشر مستبدا منح الشعب شيئا.

- لذلك فالخيار الوحيد لتحرر الشعوب هو الاعتماد على الذات وعلى قوة الشعب، وهي قوة جبارة لا يمكن هزيمتها إلا إذا غاب وعيها ونامت وخرجت من معادلة الفعل.
الخيار الوحيد لتحرر الشعوب هو الاعتماد على الذات وعلى قوة الشعب، وهي قوة جبارة لا يمكن هزيمتها إلا إذا غاب وعيها ونامت وخرجت من معادلة الفعل

- بناء قوة تحرر وطني تمتلك عقلها الاستراتيجي وخططها الخاصة ووسائلها وأدواتها الخاصة الذاتية، وربما تجد شركاء من مصلحتهم التخلص من هذا المستبد، فيمكن التعاون على قاعدة الفائزين وتبادل المنافع والمصالح.

ويحظر الاستعانة بشريك أجنبي ما يتبع للنظام الدولي الاستبدادي فما هو إلا وسيلة اختراق وتفكيك وهدم لحركة التحرر، وإن قدم شيئا فهو حيلة ومكرا لغدر كبير قادم يخطط له.

القانون الحادي عشر: خروج الحاكم المستبد على النظام السياسي والإنساني والفطري للشعوب

المستبد في حقيقته طاغية على خلق الله، سارق لكرامتهم الإنسانية وحريتهم الشخصية ومواردهم ومقدراتهم التي منحهم الله جميعا إياها ليستفيدوا منها وينتفعوا بها، كما أنه جاء بنظام حكم وقيم ومفاهيم وأهداف تخرج عن سنن وقوانين الله تعالى (قوانين الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والمساواة والتكافؤ الفرص للجميع.. الخ) تمثل في مجملها:

1- تألها على الله تعالى تعالى، حيث نصب نفسه حاكما مطلقا متحكما في حياة ومصائر الناس، لأنه استولى على الحكم عنوة من غير طريقة مشروعة، وبغير رضا الشعب، يحكم ويظلم ويعتدي ويعتقل ويغتصب ويقتل ويقضي بقانونه هو من دون قوانين الله تعالى في الإنسان.

2- خروج على قوانين الديمقراطية في حكم الشعب لنفسه بنفسه.

3- خروج على قوانين الإنسانية في احترام قيمة وكرامة الإنسان والأسرة والمجتمع والإنسانية.

4- خروج على الفطرة البشرية السوية في التعايش والتراحم والبر والسلام والأمن والطمأنينة للجميع.

الاستبداد والمستبد في حقيقة شذوذ وخروج على كل شيء صحيح، ومن ثم وجبت مقاومته وبتره.

القانون الثاني عشر: التعريف الدقيق العميق للذات نحن حركة تحرر وطني ثورة لا معارضة

أين يجب أن يصطف المقاومون للاستبداد والرافضون لبقاء المستبد متسيداً على الشعب والأمة؟ فيما يلي بعض صفات مقاومي الاستبداد:

- الفطرة الإنسانية السوية.

- الوطنيون الذين يحبون وطنهم بصدق.

- الأحرار الذين يعتزون بحريتهم ولا يقبلون العيش بدونها.

- الأمناء الأوفياء لشعوبهم ولحقوق ومصالح وواقع ومستقبل شعوبهم.

- المتدينون الحق أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى وموسى وكل الأنبياء والمسلين الذين تجسدت رسالتهم وتتابعت في تحرير الشعوب من طغيان المستبدين والفراعين في كل عصر.

والتسمية الحقيقية المعاصرة المناسبة لها هي بلا شك: حركة التحرر الوطني لمقاومة الاستبداد وتحرير الشعوب، ونقلها إلى نظام حكم شعبي ديمقراطي يضمن الحرية والعدالة للجميع.
التسمية الحقيقية المعاصرة المناسبة لها هي بلا شك: حركة التحرر الوطني لمقاومة الاستبداد وتحرير الشعوب، ونقلها إلى نظام حكم شعبي ديمقراطي يضمن الحرية والعدالة للجميع

مهمة حركة التحرر الوطني

مهمة واحدة ثابتة لا تتغير أبدا ولا تتوقف إلا بتحقيق كامل أهدافها، ثورة على كل نظام الاستبداد: رأسه والعصابة، والشركاء رؤوس الدولة العميقة ومؤسسات الحكم الفاسد المستبد ونظام عمله، وإحلال نظام حكم ديمقراطي كامل الرأس والجسد والفكر والمؤسسات والأدوات.

القانون الثالث عشر: سيطرة الاستراتيجيا

الاستراتيجيا هي نظام تفكير وعمل شامل وواسع وعميق، يمتلك حلما كبيرا ورؤية واضحة وأهدافا طويلة الأجل وسياسات حاكمة ومنظمة للوصول إلى الأهداف ومشاريع تنفيذية طويلة ومتوسطة وقريبة الأجل، كلها في نسق علمي ومنطق مترابط ومحكم يستطيع معه التوظيف الأمثل لكل مفردات الواقع المتاح.

- ولا بد لكل مدافع ومتصارع مع قوة أخرى أن يمتلك نظاما استراتيجيا مكافئا ومتفوقا للتدافع والصراع مع الخصم، في حال ضعف أو غياب النظام الاستراتيجي لأحد الأطراف فإنه يقع فريسة سهلة للطرف الآخر ليتلاعب به، ويوظفه في نظامه وخطته الاستراتيجية كيفما شاء، ويتحول الصراع إلى عملية وهم وخداع، حيث يتحول الخصم غير الاستراتيجي إلى مجرد أداة وظيفية صغيرة لدى النظام الاستراتيجي الخصم.

ما الذي يجب فعله للاستفادة من المقالة؟

يأتي الواجب فعله مرتبطا بالقوانين التي ذكرناها:
المحافظة على ذاتية وخصوصية الإعداد ولو بأقل الإمكانيات المتاحة، والتي تستمد قوتها من خلوصها وطهارتها وتحررها من أي تمويل وتوجيه خارجي، وتجنب التعلق بأي شكل من أشكال الدعم والتمويل الخارجي، والتي تمثل اختراقا وسيطرة تدريجية على العاملين والعمل الوطني للتحرر

1-الحرص على تنقية الصف الوطني من المتحولين والمتلونين سياسيا بحسب المرحلة والمصلحة، فأمثال هؤلاء يفسدون ويعوقون، ولا يرجى منهم خير أبدا، وفضحهم وعزلهم يعد من قبيل الواجب الوطني.

2- المحافظة على ذاتية وخصوصية الإعداد ولو بأقل الإمكانيات المتاحة، والتي تستمد قوتها من خلوصها وطهارتها وتحررها من أي تمويل وتوجيه خارجي، وتجنب التعلق بأي شكل من أشكال الدعم والتمويل الخارجي، والتي تمثل اختراقا وسيطرة تدريجية على العاملين والعمل الوطني للتحرر.

3- التحرير العقائدي للعمل الوطني للتحرر من الاستبداد؛ كونه عبادة عظمى من أهم العبادات والفروض الدينية الواجبة، التي تحرر العبادة من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

4- التزام الفكر والتخطيط والإدارة الاستراتيجية، والإعلاء من قيمة ومهمة وأدوار الخبراء الاستراتيجيين.

5- التحول إلى حركة تحرر وطني مؤسسية منظمة، تستمد قوتها وشرعيتها من ذاتها التي تفرض نفسها على الواقع الثقافي والتربوي والإعلامي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
التعليقات (2)
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي - الأمة مريضة بتزوير الدين
الإثنين، 16-05-2022 05:44 م
ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها، وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، عجزها شبه التام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب التناقضات الكثيرة الموجودة كتب الموروث الديني مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة المسلمين الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه هي اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). فهل من المقبول بعد ذلك ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله. وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. ان معظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية في حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. اما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يعطي لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. لذلك كله، فأن امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءة جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها المفكر الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، لتتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي. نقول ذلك، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من عدو. وعليه، فاني انصح وبشدة، بالاستماع والاطلاع المتعمق على أفكار هذا العبقري الملهم، لأني أرى فيها حقا احياء للأمة من بعد سباتها الطويل.
الكاتب المقدام
الإثنين، 16-05-2022 03:30 م
*** تقديرنا لمجهود الكاتب في تجميع نقاط المقالة، التي جاءت جامعة وواضحة ومباشرة، وملقية للضوء على مفاهيم أساسية هامة، التي يساهم استيعابها في الإجابة على سؤال: "ماذا نحن فاعلون؟ وأين نحن ذاهبون؟" الذي يطرحه المواطنون المخلصون المعتزون بأنفسهم وكرامتهم، والرافضون للانبطاح تحت بيادة السلطة الانقلابية الفاسدة العميلة، والمقاومون لمن انضموا إلى الانقلاب الخسيس على السلطة المدنية المنتخبة، سواء بالدعم والتأييد لحكومته الفاسدة العميلة، أو بالمشاركة معهم بالاستفادة من نهب الشعب والبلاد، وبالترويج كذباُ وبهتاناُ لادعائاتهم الباطلة، لإكسابهم شرعية مزعومة مزورة ومنتحلة، والمقاومون ثابتون ولو طال الزمن، وصابرون ومثابرون ومصرون على رفض الظلم البين، ولو كره الكارهون، ويحتسبون جهادهم ضد الظلم والفساد شعيرة دينية، باهتمامهم بأمر المسلمين وحفظ حقوقهم، فلا تستقر مجتمعات المسلمين إلا بشيوع العدل بينهم وحفظ حقوقهم، ولأن السكوت على الظلم والفساد تشجيعاُ له على الاستشراء في المجتمعات، فتنخر فيها حتى تنهار، ورغم كيد وتدجيل بعض المتسربلين بزي العلماء والمنتحلين لصفتهم، فإن الثورة على الظالم ورفض فساده والأخذ على يده، هو واجب انساني وديني أصيل لا تصلح المجتمعات إلا به، وإن سلوك كل الطرق الممكنة لمقاومة الظالمين كل في حدود مستطاعه، موصل للنصر المبين لامحالة بإذن الله، وإن استكثر الظالمون من اتباعهم، واغتروا بقوتهم وتمكنهم، واستقووا بمؤيديهم، فالله فاضح دجلهم وموهن قوتهم ومفرق جمعهم من المنافقين، فتلك سنن الله التي لا ترد، مع عدم إغفال مكر المندسين في كل ثورة، انتهازاُ للركوب عليها تحقيقاُ لأغراضهم النفعية الدنيئة، وقد كشف الغطاء عن أكثرهم، وبقيت قلة مندسة ما زالت خافية عنا، وسيفضح الله أمرهم وموهن كيدهم، والله أعلم بعباده.