اقتصاد عربي

كيف يمكن للمصريين تلافي آثار التعويم الثاني بعهد السيسي؟

خبير لـ "عربي21": قرارات البنك المركزي محاولات لعلاج أزمة هروب الأموال الساخنة- أ ف ب
خبير لـ "عربي21": قرارات البنك المركزي محاولات لعلاج أزمة هروب الأموال الساخنة- أ ف ب

يتخوف المصريون من أوضاع أكثر قسوة قد تطالهم، بعد إعلان البنك المركزي المصري، الاثنين، رفع أسعار الفائدة الرئيسية، وخفض قيمة الجنيه المصري، في تعويم هو الثاني في عهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.


وكانت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، قررت في اجتماعها الاستثنائي، الاثنين، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، بواقع 100 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25%، وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25%، كما رفعت سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى 9.75 بالمئة.


كما قرر المركزي المصري أيضا، خفض سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية بنسبة تقارب 17 بالمئة، ليصل سعر الدولار نحو 18.5جنيه، وذلك في تعويم للعملة المحلية هو الثاني في عهد السيسي.


وكشفت تقارير عديدة عن أن مخاوف الشريحة الفقيرة في مصر، والتي تزيد عن 60 بالمئة، من سوء أوضاعهم، انتقلت إلى الشريحة الأعلى منهم والتي تتخوف على مدخراتها، التي خسرت نحو 20 بالمئة من قيمتها بعد قرار خفض قيمة الجنيه.


"إجراءات حكومية"


والاثنين، أعلنت الحكومة المصرية عن مجموعة من الإجراءات عبر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بينها "تبكير تطبيق زيادة الرواتب وزيادة المعاشات، من أول نيسان/ أبريل المقبل بدلا من تموز/ يوليو المقبل".


بالإضافة إلى "رفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25 بالمئة من 24 ألفا إلى 30 ألف جنيه"، و"إضافة 450 ألف أسرة جديدة للاستفادة من معاش (تكافل وكرامة)"، و"تثبيت الدولار الجمركي عند 16 جنيها للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج نهاية نيسان/ أبريل المقبل".


والأربعاء، أعلنت القوات المسلحة توفير كميات كبيرة من السلع الغذائية الأساسية بشتى أنحاء الجمهورية، بتجهيز وتعبئة مليون ونصف عبوة غذائية لطرحها بالأسواق بخصم 60 بالمئة، ودفعها للمحافظات، مع قرب حلول شهر رمضان.


ورغم تجربتهم السابقة مع تعويم الجنيه في عهد السيسي ولمدة 5 سنوات ونصف تقريبا؛، إلا أن الكثير من المصريين يتساءلون عن الطرق المثلى للتعامل مع أزمة خفض الجنيه الجديدة، والفارق بينها وبين ما جرى قبل 5 سنوات.


"العقارات والذهب"


وتعليقا على ذلك، قال أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم" ورئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابة، إنها "قرارات صعبة ووقعها صعب على المصريين، وتأتي في ظل ظروف صعبة لتزامنها مع قدوم شهر رمضان".


وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنها "تأتي في إطار محاولات الحكومة علاج أزمة هروب الأموال الساخنة حتى تستفيد من الفرق بين العائد وفرق العملة"، مشيرا إلى أن "العملة المحلية كانت مقدرة منذ فترة بأكثر من 15 بالمئة من قيمتها".


وأكد أن "المشكلة الآن تتمثل في زيادة نسب الفقر، وتحول الطبقة المتوسطة إلى فقيرة، بعد تأثرها تأثرا مباشرا من تلك القرارات".


ويعتقد أن "الحكومة اتخذت قرارات وإجراءات نستطيع وصفها بأنها جيدة؛ ولكن ومع ذلك فإنها غير كافية لأنها لن توازي بأي حال ما حدث من ارتفاعات بالأسعار والتي تضاعفت بسبب تعلقها بالسلع المستوردة، والمحاكاة داخل السوق المحلي".


وبشأن ما يمكن للمصريين فعله لتلافي آثار التعويم الثاني في عهد السيسي، قال أشرف دوابة: "المواطن، مغلوب على أمره، وأصحاب الدخول الثابتة تأثروا كثيرا، والزيادة التي تم تقديمها لن تكفي ومن لديه مدخرات سيضطر لوضعها بالبنوك".


وأضاف: "أنا بالطبع ضد الفائدة، وكذلك لأن سعر الفائدة المحدد من البنوك بـ18 بالمئة ستنخفض عن ذلك مستقبلا، لقد تم وضع هذه القيمة الآن لتعالج الأزمة الحاصلة، وبعد ذلك أنا متأكد من أنه سيتم تخفيضها".


وعن الملاذات الآمنة لأصحاب المدخرات الصغيرة، أكد دوابة، أن "من لديه أموال فالملاذ الآمن له، هو العقارات أو الذهب".


وتابع: "هناك إشكالية في موضوع الذهب، كونه لن يولد قيمة مضافة أو عائدا إلا إذا زادت قيمته لاحقا، ولكن مع زيادته الآن بشكل قياسي تعدى الألف جنيها لعيار 21 فمن الصعب تحقيقه لأرباح مستقبلية".


ويرى أن "اللجوء إلى الاستثمار في العقارات هو الأفضل الآن، إذا أدخلت عائدا كتحصيل إيجارات منها وغيره، لأنه حتى موضوع العائد البنكي بنسبة 18 بالمئة لن يكتمل".


وعن غير الموظفين، قال الخبير الاقتصادي إن "الأمر أسوأ بكثير في حالة الناس الفقراء وهم جل المصريين العاديين".


وأكد أنه "لم يعد أمامهم سوى الجمعيات الخيرية وأموال الصدقات والزكاة"، مشددا على أهمية دور الجمعيات الأهلية في ظل هذه الظروف.

 

اقرأ أيضا: بالتزامن مع أزمة الغلاء.. المصريون على موعد مع ارتفاع الوقود

"صورة قاتمة"


من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المصري أحمد ذكرالله، إن قرارات رفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه لم تكن مفاجئة، حيث توقعتها معظم بيوت الخبرة الدولية مثل (جولدن مان ساكس)، و(فيتش)، و"ستاندرد آند بورز" وغيرها".


وأوضح خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "تلك الوكالات أكدت أن الجنيه مقوم بأكثر من قيمته، واختلفوا فقط في قيمة هذه الزيادة، وكان أكثرهم تفاؤلا (جولدن مان ساكس)".


وأفاد بأن "أوضاع الاقتصاد المصري بعيدا عما تقوله الحكومة تؤدي لنتيجة منطقية هي أن التخفيض كان واجبا منذ فترة، وأنها أخطأت بتأخيره"، مشيرا إلى أنه "كان يتوجب عليها ألا تُحمل الموازنة العامة للدولة تكاليف إضافية للاحتفاظ بالأموال الساخنة، وكان يجب تحريك الجنيه كل فترة".


ولفت دوابة إلى أن "تعويم الجنيه هذه المرة مرتبط بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، ورفع سعر الفائدة مرتبط بمحاولة الحفاظ على الأموال الساخنة، وسط تقارير صحفية أشارت إلى أنه خرج من مصر خلال الأسبوعين الماضيين ما يقارب 15 مليار دولار".


وأضاف: "نحن أمام هزة كبيرة بالاحتياطي النقدي الأجنبي، لاسيما وأن البنوك التجارية، والتي كانت تعول عليها الدولة للحصول على احتياطيات النقد الأجنبي مع البنك المركزي، فقدت خلال 2021 نحو 85 بالمئة من احتياطيات النقد الأجنبي لديها".


وأشار إلى أنه "لم يعد إلا احتياطي النقد بالبنك المركزي، وبالتالي كل هذه العوامل أدت إلى وجوب اتخاذ الدولة قرارا برفع أسعار الفائدة وخفض قيمة الجنيه".


وقال: "الحكومة مضطرة لأن تسارع في الحصول على قرض من صندوق النقد لتغطية بعض الاحتياجات، وستسارع أيضا لطرح المزيد من الأصول السيادية وربما تبيعها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقة، وهو ما حدث بشراء الإمارات للبنك التجاري الدولي وشركة فوري".


وأكد دوابة أن "الآثار ستكون عنيفة جدا على المصريين، لأن الحكومة لم تجد إلا نفس الطرق التي اتبعتها في التعويم السابق وهي رفع أسعار السلع والخدمات، وزيادة الضرائب وأجرة المواصلات، وإزالة ما تبقى من الدعم على المحروقات، وجيب المواطنين سيكون الممول الرئيسي".


وأوضح أن "الأعباء تلك لا يوجد ثمن لتغطيتها، والأمور مرشحة لأن يقع الملايين من المصريين تحت خط الفقر خلال الفترة المقبلة، ولا أحد يعلم بيانات مستحدثة عن الاقتصاد المصري وخروج أذون الخزانة، وبالتالي يمكن أن يحدث انخفاضات أخرى بقيمة الجنيه".


ويعتقد دوابة، أن "الملاذ الآمن للمصريين هما الدولار والذهب، بغض النظر عن أي عائد قد يأتي من إدخار في بنك تجاري، أو شرائح إدخارية مختلفة، وخاصة أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد ماذا يمكن أن يحدث غدا؟".


"توحش الغلاء"


وقبل أيام قليلة، شهدت أسعار الخبز غير المدعم والمخبوزات والدواجن واللحوم والأرز والمعكرونة والزيوت والخضروات زيادات غير مسبوقة، في الوقت الذي تتواصل شكاوى المصريين من عجزهم عن توفير المتطلبات الأساسية.


وفي هذا الصدد، قالت الصحفية المصرية مي عزام، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"،: "الغلاء توحش، يكبر كل يوم، كأنه يأكل من مال اليتامى بلا رقيب، ولا أحد يعلم متى ستتوقف الأسعار عن الارتفاع؟، فليس هناك جدول زمني لحل الأزمات ولا خطة اقتصادية تحترم الأولويات".

 


"إجراءات ضرورية"


وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أعرب الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، عن مخاوفه من أن "تؤدي الإجراءات الأخيرة للبنك المركزي المصري لارتفاع أسعار غالبية السلع، المحلية والمستوردة".


وأشار إلى أن "معاناة الاقتصاد المصري من موجة تضخمية، وارتفاع الأسعار، عصف بميزانية غالبية المصريين، ومنعتهم من توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية".


ودعا الحكومة لـ"المحافظة على استقرار الأسعار وعدم تركها للانفلات كما حدث مع التعويم الأول عام 2016"، مطالبا بمجموعة إجراءات لتقليل آثار التعويم السلبية على المصريين.


وتحدث عن ضرورة "تبكير العمل بالزيادة التي تم إقرارها للعاملين بالدولة، مع حث القطاع الخاص على زيادة أجور العاملين"، و"تغليظ العقوبات لكل من يتلاعب بالأسعار".

 

 


التعليقات (0)