هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد أشهر من التهديد والوعيد وتوجيه التهم واعتبار القضاء وظيفة لا سلطة، تمكن الرئيس التونسي قيس سعيّد من سلطة القضاء ليصدر مرسوما يقضي بتسمية أعضاء بالمجالس المؤقتة للقضاء وإنهاء رسمي للمجلس الأعلى للقضاء.
وبصدور المرسوم وأداء اليمين من قبل أعضاء المجالس المؤقتة للقضاء، بات الرئيس مستحوذا على كل السلطات فعاد بتونس إلى حكم الفرد الواحد "الدكتاتورية" وفق أغلب المتابعين.
وفي تصريح لـ"عربي21"، قال القاضي محمد عفيف الجعيدي إن ما قام به الرئيس "من المؤكد والثابت أنه خرق واضح للدستور، المجلس المؤقت لا يلائم لا نص ولا روح الدستور"، مضيفا أن "ما حصل نكسة للقضاء للأسف وتراجع عما تحقق".
باستحواذه على كل السلطات غيب الرئيس قيس سعيد السلطة التشريعية وبات يصدر المراسيم، حيث أعلن في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021 تجميد جميع اختصاصات البرلمان، وبات يحكم السلطة التنفيذية فمنصب رئيس الحكومة بات شرفيا وفي وضع تونس الاستثنائي رئيس وزراء، فكل اجتماعات الحكومة تكون برئاسة رئيس الجمهورية وما على الحكومة إلا تنفيذ القرارات.
قال الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي في تصريح لـ"عربي21" بخصوص المشهد السياسي بعد تنصيب الرئيس لمجالس مؤقتة للقضاء: "ثابت أن الرئيس جمع كل السلطات بيده وهو خرق واضح وصارخ للدستور لأن الفصل 80 لا يسمح له أبدا بحل المجلس الأعلى للقضاء، الرئيس وبتنصيب مجالس مؤقتة استحوذ بشكل واضح على السلطات حتى يقوم بتوظيفه لتنفيذ مشروعه الشخصي".
واعتبر الشواشي أن الرئيس يؤسس لدكتاتورية جديدة وهذه حقيقة يؤكدها الجميع "لحظة حزينة في تاريخ تونس بعد تنصيب مجلس مؤقت ولكن في الحقيقة يرغب الرئيس في أن يكون مجلسا دائما".
وحذر الأمين العام من أن رغبة الرئيس هي "قضاء موال ومضمون حتى يحقق مشروعه وهو خطر كبير جدا على المسار الديمقراطي والتجربة واستقرار وأمن البلاد".
بدوره، قال المقرر العام للدستور الحبيب خضر في تصريح لـ"عربي21" إنه "من الثابت أننا نتحرك خارج المقتضيات الدستورية وفي إطار رؤية تجعل رئيس الجمهورية هو الذي يحدد السلطة التي يمارسها وضوابطها".
وأكد الحبيب خضر قائلا: "نحن أمام خروج عن الفصل التقليدي بين السلط وخارج المقتضيات الدستورية قطعا".
عزلة وفشل
وعن المشهد السياسي بعد تنصيب مجلس مؤقت، قال الباحث ورئيس "منتدى آفاق جديدة" عبد الحميد الجلاصي لـ"عربي21": "لقد وصلنا في تقديري إلى ما أسميه توازن العجز، فنحن أمام مشهد شديد الغرابة، بين صاحب انقلاب يبذل كل ما في وسعه من أجل إفشال انقلابه بالتعنت والتفرد ورفض أي تشاركية وقلة الكفاءة ومراكمة الوعود، ومنتظم سياسي ومدني يرسخ الانقلاب في واقع التونسيين".
وأوضح الجلاصي: "هذا المنتظم تشتت وتباين ساعة الانقلاب، فوفر له الزمن ليتوغل في الدولة وينتقل من انقلاب على الدستور إلى استحواذ على كل السلطات إلى تفكيك لكل السلطات التي يمكن أن تحدث التوازن".
وتابع الجلاصي قائلا: "الآن الخصم الرئيسي للرئيس والذي يخشاه هو ذلك الجمهور الذي رحب به في البداية ظنا منه أنه سيكون الحل لصعوباته، فإذا به يكتشف متسلطا همه الاستحواذ على السلطة وتصفية خصومه ولا علاقة له بما يشغل الناس".
وختم الباحث عبد الحميد الجلاصي قائلا: "لسعيد كل المؤشرات لكي يصبح دكتاتورا كامل الشروط ومنها أن ينفي كونه دكتاتورا ولكنه لن ينجح أمام النضال السياسي والحقوقي لجزء من الرأي العام، وأمام إمكانية تحرك الشارع الاجتماعي والمقاومة الباسلة من داخل القطاعات التي يسعى لترويضها وخاصة القضاء والأمن والإعلام".
من جهته قال الأكاديمي زهير إسماعيل في قراءة خاصة لـ"عربي21": "يأتي تنصيب المجلس الأعلى للقضاء في إطار سعي قيس سعيّد إلى جمع السلطات بين يديه، ويبدو الأمر في ظاهره انتصارا لمسار الانقلاب على الدستور والديمقراطية، غير أن أداء قيس سعيّد يكشف عن علاقة عدم تناسب بين حجم السلطة التي بين يديه وبين نجاح مشروعه السياسي، فعزلته تتوسع ويتأكد إخفاقه وعجزه كلما أضاف إلى نفسه سلطة جديدة".
اقرأ أيضا: سعيّد ينصب مجلسا مؤقتا للقضاء.. وقضاة يجددون رفضهم
واعتبر الأكاديمي إسماعيل أن "قيس سعيّد هو السياسي والمسؤول الوحيد (بمرجعية الأمر 117 غير الدستوري)، بعد تأميم الحياة السياسية، ولكنه في الآن نفسه الأكثر تعبيرا عن العجز عن الفعل".
وأشار إسماعيل إلى أن "إمساك قيس سعيّد بكل السلطات لم يقابله احتكار الفعل السياسي من قبله، بل هو أقرب إلى أن يكون فاعلا مجازيا وعاطلا عن الفعل السياسي. هو ديكتاتور بالقوة لا تتوفر له لِأَن يصبح ديكتاتورا بالفعل، سعيّد محتكر للسلطة لا يُتقن غير الهدم حتى لم تبق مؤسسة لم يهدمها وبناء قائم لم يقوضه".
ولفت الأكاديمي إلى أنه "رغم تمدد الانقلاب في الظاهر، فإن هناك أكثر من مؤشر على أنّ المشهد السياسي دخل إلى مرحلة ما بعد الانقلاب وتتعلق هذه المؤشرات بالأزمة المالية الاقتصادية وتفاقمها، وبحراك الشارع الديمقراطي وبالموقف الدولي بمؤسساته المالية المانحة وما تعرفه المنطقة من ترتيبات جديدة تمتد من المتوسط إلى آسيا الوسطى".