كتاب عربي 21

الغزو الروسي لأوكرانيا.. خارطة المواقف السياسية العربية

علي باكير
1300x600
1300x600

في 24 شباط (فبراير) 2022، قامت روسيا بإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق ضد أوكرانيا من عدّة جبهات بما في ذلك الجبهة البيلاروسية. الذرائع الروسية تعدّدت وتنوّعت، بعض هذه الذرائع تمّ ربطها بحلف شمال الأطلسي، والبعض الآخر بادّعاءات حول وجود مجازر بحق الأوكرانيين من أصل روسي في شرق البلاد. كما أشار المسؤولون الروسي وعلى رأسهم بوتين تارةً إلى المُسلّحين القوميين الأوكرانيين، وطوراً بالنازيين الجدد، باعتبارهم سبباً للحرب!

لكن وبغض النظر عن الدوافع، لا تزال العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا مستمرة بالرغم من كم العقوبات الأوروبية والأمريكية، وتعهد بوتين باستمرار الأعمال الحربية إلى حين تحقيق الأهداف الروسية. وبالرغم من أنّ آفاق ومدّة هذه الحرب غير معروفة بعد، إلا أنّها تترك تداعيات متنوعة على العالم العربي، على المستوى الاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي ربما في المستقبل. 

توزيع المواقف العربية من الغزو كان لافتاً هذه المرّة، ولوحظ وجود دعم خفي للموقف الروسي من أغلبية الأنظمة العربية إمّا إنطلاقاً من كونها أنظمة غير ديمقراطية، وإما استناداً إلى تحالفات قائمة مع روسيا، وإما بالنظر إلى حسابات المصالح والموقف من التراجع الأمريكي في المنطقة. وفي موازاة ذلك، فإنّ الدولة التي عبّرت علناً عن دعمها لأوكرانيا اقتصرت على عدد محدود جداً.

في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، شحذ الموالون لموسكو في العالم العربي هممهم، وشدّ بعضهم الرحال إلى الكرملين. نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، حميدتي، توجه إلى موسكو وبحث مع المسؤولين هناك أوجه التعاون الأمني والسياسي على حد قوله، فيما رأى بعض السودانيين أنّها قد تكون مقدّمة لانقلاب عسكري جديد في البلاد. كما تحدّثت تقارير عن زيارة وفد ليبي لحفتر إلى موسكو. نظام الأسد في سوريا زايد في موقفه على روسيا نفسها حيث أشاد بشار الأسد خلال محادثة هاتفية له مع بوتين بالهجوم العسكري على أوكرانيا، معتبرًا أنه “تصحيح للتاريخ”، ومقدّماً إعترفه الرسمي بمناطق دونيتسك ولوهانسك الإنفصالية شرق أوكرنيا. 

 

توزيع المواقف العربية من الغزو كان لافتاً هذه المرّة، ولوحظ وجود دعم خفي للموقف الروسي من أغلبية الأنظمة العربية إمّا إنطلاقاً من كونها أنظمة غير ديمقراطية، وإما استناداً إلى تحالفات قائمة مع روسيا، وإما بالنظر إلى حسابات المصالح والموقف من التراجع الأمريكي في المنطقة. وفي موازاة ذلك، فإنّ الدولة التي عبّرت علناً عن دعمها لأوكرانيا اقتصرت على عدد محدود جداً.

 



وفي موقف هزلي، تعهدت لونا الشبل، المستشارة برئاسة نظام بشار الأسد، بدعم سوريا لروسيا للتغلب على العقوبات الغربيّة التي فُرضت على موسكو بسبب غزوها أوكرانيا. على مستوى شمال أفريقيا، يعتبر الموقف الجزائري منسجماً مع تحالفاته السياسية وعلاقته العسكرية الخاصة مع روسيا، لكن المفارقة أنّ أهمّية الجزائر من الناحية الجيو ـ اقتصادية وتوصيفها كدولة غنية بالغاز ازدادت مع غزو موسكو لأوكرانيا.

الإمارات، ممثلة الدول العربية في مجلس الأمن إمتنعت عن التصويت على قرار يدين روسيا، كما إمتنعت أبو ظبي عن توصيف العدوان الروسي على أوكرانيا بأنّه حالة غزو. وفي إتصال جرى بين بوتين وولي عهد أبو ظبي، أيّد الأخير الموقف الروسي وعمل الطرفان على تنسيق المواقف فيما يتعلق بالطاقة، قبل أن تعود أبو ظبي وتصوت لصالح إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتّحدة. يمكن تفسير هذا الموقف من عدّة زوايا، لكن الأكيد هو أنّ التصويت في الجمعية العامة ليس تحولاً استراتيجياً أو جذرياً في الموقف الإماراتي مقارنة بالتصويت في مجلس الأمن إعتبار أنّه يحمل بُعداً نفسياً أكثر من كونه يحمل بُعداً عملياً ملزماً. 

وفي تفسير الموقف الاماراتي القريب من روسيا، يمكن الإشارة الى ثلاثة إجتهادات. الإجتهاد الاوّل يرتبط برغبة الامارات في إدانة الحوثي في مجلس الأمن، وهذا يتطلب تحييد روسيا على الأقل ـ إن لم يكن كسبهاً ـ حتى لا تقوم بعرقلة المشاريع المتعلّقة بمواجهة الحوثي في المنصّة الأمميّة. وبالفعل، فانّ روسيا ردّت الجميل ودعمت مشروع قانون في 28 فبراير / شباط يدين ميليشيا الحوثي الموالية لإيران ويفرض حظراً للتسلّح عليها، علماً ان موسكو كانت امتنعت عن التصويت على المشروع العام الماضي. أمّا الإجتهاد الثاني، فيرتبط بموقف الإمارات من الرئيس الأمريكي بايدين، حيث تعتبر الإمارات أنّ إدارة بايدن قامت بتهميشها لصالح قطر التي باتت تلعب ادواراً إقليمية ودولية أكبر في عهد بايدن. علينا ألاّ ننسى في هذه النقطة بالتحديد انّ الامارات وروسيا دعمتها ترامب بشكل كبير عند ترشّحه للرئاسة في المرة الأولى.

وربما يكون الموقف الإماراتي كذلك مرتبطاً وفق الإجتهاد الثالث بتنامي حجم التعاون بين أبو ظبي وموسكو. خلال السنوات القليلة الماضية، برز التعاون الثنائي السياسي والإقتصادي والأمني بين الطرفين بشكل واضح في سوريا وليبيا، كما ارتفعت مشتريات الأسلحة من روسيا، ونسّق الجانبان على أكثر من صعيد. وفي هذا السياق، فقد يتم النظر إلى الخطوة الإماراتية من باب تنويع التحالفات الدولية وإنتقال القوّة والثروة من الغرب إلى الشرق بدليل امتناع الصين والهند على التصويت لصالح قرار يدين موسكو.

على المستوى العربي أيضاً، تعتبر الكويت وقطر من الدول العربية القليلة التي أبدت علناً موقفاً معارضاً للغزو وداعماً لأوكرانيا. وقد دعم البلدان كذلك مشروع قرار في الجمعية العامة بقيادة اوروبيّة وبالتنسيق مع أوكرانيا لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال مندوب الكويت أنّ موقف بلاده نابع من خبرتها التاريخية والتي تعرّضت خلالها لغزو من العراق في العام 1990. وحصل القرار على أغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتّحدة. إمتنعت كل من السودان والعراق والجزائر عن التصويت لإدانة روسيا، فيما صوّتت سوريا ضدّ الإدانة لتكون واحدة من عدد قليل جداً من الدول في العالم في هذا المجال. 

 

على الرغم من أنّ الجانب السعودي قدّم عرض الوساطة في الأزمة، إلا أنّه نسق بشكل أكبر مع روسيا بشأن أسعار الطاقة، مع الإشارة إلى أنّ بوتين كان الرئيس الوحيد في العالم الذي صافح الأمير محمد بن سلمان في قمة "مجموعة العشرين" التي عُقِدت في عام 2018 في بوينس آيرس بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

 



ساعدت الأزمة قطر على أن تصبح في قلب الحدث مرّة أخرى وأن تحظى بأهمية دبلوماسية متزايدة لدى واشنطن وبروكسل على حد سواء، لاسيما بعد الدور المحوري الذي لعبته في أفغانستان مؤخراً والذي من المأمول أن تلعبه على مستوى الطاقة في الأزمة الحالية. وفي هذا الصدد بالتحديد، أهميّة تزداد اهمّية دول الخليج بالإضافة الى كل من الجزائر ومصر وليبيا. لمثل هذا الأمر تداعيات كذلك على العلاقة الأمريكية ـ السعودية.

وينتظر السعوديون أن تؤدي الأزمة وارتفاع أسعار النفط إلى الضغط بشكل أكبر على الإدارة الأمريكية وعلى الأوروبيين بحيث يضطر ذلك واشنطن إلى أن تتواصل مع ولي العهد محمد بن سلمان شخصياً، لتطلب المساعدة من المملكة لزيادة إنتاج النفط وتخفيض الأسعار، وهو الأمر الذي رفض بايدن فعله حتى الآن.

 

في المقابل، وعلى الرغم من أنّ الجانب السعودي قدّم عرض الوساطة في الأزمة، إلا أنّه نسق بشكل أكبر مع روسيا بشأن أسعار الطاقة، مع الإشارة إلى أنّ بوتين كان الرئيس الوحيد في العالم الذي صافح الأمير محمد بن سلمان في قمة "مجموعة العشرين" التي عُقِدت في عام 2018 في بوينس آيرس بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.


التعليقات (1)
ناصحو أمتهم
السبت، 05-03-2022 09:56 م
إن هذه الحرب هي أحد أوجه الصراع الإثني/الديني بين عناصر نفس الحضارة الدنيوية البيضاء المهيمنة اليوم. إنها صراع بين العرق الصقلبي (السلاف) المسيحي الأرثوذكسي الشرقي وبقية الأعراق البيضاء الغربية بمسيحيّاتها المخالفة (كاثوليك، بروتستانت، أنجلكن) المجتمعة في منظمة اتفاق شمال الأطلسي (ماشا)؛ وإن المتسبب فيها هو الطرف الأخير. كانت النخبة السياسية التي أدارت روسيا بعد الانهيار، وحتى بعد أن صار بوتن أبرز وجوهها، شديدة الرغبة في الاندماج في نمط الدنيوية الرأسمالية (القطاع الخاص والفردانية، اقتصاد السوق ومجتمع الاستهلاك، ديمقراطية التعددية الحزبية) بما في ذلك الاندماج العسكري (عجّت وزارات روسيا بخبراء دول ماشا، بل أن الوزير الأول بوتن في لقائه الرئيس كلنتون يوم 17 رجب 1431 بموسكو استطلع عن موقف أمريكا من عضوية روسيا لماشا). ولكن سياسة ماشا في إقصاء ومحاصرة روسيا بالتوسّع شرقا لم تبق لبوتن سوى خيارين: القبول بتحوّل روسيا نهائيا إلى مجرّد دولة اقليمية أو إثبات أنها قوة عظمى موازية لماشا وهذا خيار يقتضي إيقاف التوسّع الشرقي لماشا، الذي لم يعد بينه وبين باب موسكو سوى إعلانه قبول عضوية أوكرانيا، للمحافظة على مسافة أمان ثابت لموسكو؛ وهوما لا يتم إلا بوضع اليد على أوكرانيا (ابتلاعا أو تدجينا مثل بلاروسيا). ولأن بوتن اختار لروسيا موقع القوة العظمى الموازية لماشا المتكبّر عليها، كان الهجوم على أوكرانيا حتميا كما ظهر في كل أقوال بوتن التي سبقته. إن السؤال الكبير هنا هو: هل يبتلع/يدجن بوتن أوكرانيا ثم يوسّع روسيا إلى حدود الاتحاد السوفياتي فيثبّتها قوة عظمى بيضاء شرقية صقلبية مسيحية أرثدوكسية موازية لماشا ويسرّع ظهور نظام دُوَلي قائم على التوازن بين بضعة أقطاب ؟ أو هل تكون أوكرانيا ورطة مزمنة يجني بها على روسيا التقسيم الذي سينفذه ماشا عن بعد بالعقوبات القاسية ودعم مقاومة أوكرانيا بالسلاح والمرتزقة ودفع الشعوب المضطهدة في روسيا إلى الثورة والاستقلال (سلفا بدأ العمل لتشغيل هذه الوسائل) ؟ أيّا يكن الإمكان الذي سيقع، فإننا الآن نسجّل: أ) كان الأوكرانيون ضحية نفاق دول ماشا التي كانت في سرّها تعتبرهم والروس (عرقا ودينا) شيئا واحدا أدنى منها؛ وفي علنها تستخدمهم شوكة في حلق روسيا مقابل وعود زائفة بالحماية والإدماج (كشف زيفها تكرار مسؤوليها عدم تدخل ماشا ضد بوتن في أوكرانيا). كما كانوا ضحية سذاجة نخبتهم السياسية التي كانت تصدّق تلك الوعود (قبولها مبكرا التخلي عن التركة النووية وفق اتفاق 3 رجب 1415 في بودابست، عدم تطوير الصناعة الموروثة بنفس الوتيرة التي كانت روسيا بوتن تعيد بها بناء صناعاتها) وأضاعت زمنا ثمينا ولم تبني جيشا محترفا يمكنه ردع روسيا. لم تنتبه هذه النخبة إلى غبائها إلا بعد فوات الأوان لمّا ضم بوتن شبه جزيرة القرم في 17 جمادى الأولى 1435. وها هي الحرب تكشف منذ يومها الأول افتقاد اوكرانيا لسلاح جو ولدفاع جوي ولبحرية عسكرية (رغم امتلاك عدد مواني يقارب ما عند روسيا) ولأي سلاح قادر على الضرب داخل التراب الروسي الملاصق. ب) إن هذه الحرب، كما أشرنا أعلاه، تدور بين عناصر نفس الحضارة الدّهرية البيضاء المهيمنة اليوم (أكثرية العرق الصقلبي الأرثودوكسي الشرقي ضد بقية عناصرها العرقية والدينية الغربية التي ترى نفسها الأرقى). إنها، بالمنهج السُّنني الإسلامي لفهم حركة الإنسان فوق الأرض عبر الزمن، رحمة لبقية الإنسانية؛ لأنها قد تكون المدخل إلى نظام دُوَلي جديد يقوم على التوازن بين بضعة أقطاب. لقد أرشد الله المسلمين في موضعين من القرءان المجيد (الآيات 244 –251 من سورة البقرة والآيات 38 – 41 من سورة الحج) إلى أن الحرب، على ما فيها من سفك للدّماء ودمار وتشريد، أهم وسائل تغيير مجتمعات البشر؛ وأنها أحيانا ضرورة لأجل عدل أكبر. في الموضعين، بعد تحديد القتال الضروري، يخلص الخالق عز وجل إلى قانون التدافع الإنساني الحاكم لحركة جماعات البشر فوق الأرض عبر الزمن (... وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) و (... وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز) ثم يختم هذا الموضع الثاني بتذكيرنا أهداف قتال الضرورة الشرعية (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)41\الحج؛ أي لأجل بشرية عارفة بخالقها وعابدة له وحده كما أمرها، متصرفة في الثروة بالقسط، ومُنكِرة على كل ظالم. ت) رغم أن كلاهما مشروع قطب في نظام دُوَلي يقوم على توازن بضعة أقطاب، ظهر الصقالبة البيض أجرأ على ماشا من التنين الأصفر. رغم أن جزيرة تايوان على 100 ميل من يابستها، ورغم أن دول ماشا تعترف بالصين ولا تعترف بتايوان دولة سيّدة، ورغم أنه (عكس الخبط العشوائي على الشاشات لوجوه عربية تدّعي المعرفة) ليس لأمريكا أي التزام قانوني دولي موثّق بحماية تايوان وليس لها فيها حتى قنصلية وأن علاقتها الإدارية مع حكومة الجزيرة تتم عبر مؤسسة أمريكية خاصة هناك (المعهد الأمريكي في تايوان)؛ فإن الصين، حتى بعد أن غدت قوة اقتصادية وعسكرية مُحدِّدَة، لم تجرؤ على استرداد الجزيرة (قد يكون ذلك لطبع الصيني المبالغ في الحذر وقد يكون صبرا محسوبا). بينما نجد روسيا؛ رغم افتقادها نحو أوكرانيا لكل ما تملكه الصين نحو تايوان (روسيا لا تملك أي مسوّغ قانوني لمهاجمة أوكرانيا. بل على النقيض، هي معترفة بها مرتين دولة سيّدة على حدود ما قبل ضم القرم: الأولى في 15 جمادى الآخرة 1412 والثانية في اتفاق بودابست المبرم في 3 رجب 1415 برعاية وشهادة وضمانة أقطاب ماشا. كما أن بقية دول العالم معترفة بأوكرانيا دولة سيّدة على نفس الحدود)؛ فقد تجرّأت على ماشا وفعلتها. ث) مرة أخرى يظهر التّكبّر العنصري لماشا في التضحية بالأوكرانيين لمجرّد أن غالبيتهم صقالبة أرثدوكس. ومرة أخرى ينكشف نفاق دوله وتنفضح كذبة كونية القيم التي تروّجها عبر خداع الشعوب واستخدامها وقود حروب وكالة ضد روسيا الصقلبية الأرثدوكسية. ج) كشفت مواقف مختلف الدُوَل في مجلس الأمن والجمعية العامة غياب الاصطفاف الحاسم بين كل من روسيا وماشا. فالذين ساندوا روسيا ساندوها في حدود ما تسمح به خططهم وطموحاتهم الخاصة (إن الصين، وهي عماد هؤلاء، لم تعترف لبوتن حتى بالسيادة على القرم رغم تكرار اعترافه لها بالسيادة الكاملة على تايوان. كما لم تعده بالمحاربة معه في حالة تدخل ماشا. وذلك لأن مصالحها الآنية مع دول ماشا ما تزال أكبر بكثير منها مع روسيا؛ ولأنها على المدى المتوسط ترشّح نفسها قوّة أولى ترث كلاهما). كما أن الذين وقفوا مع ماشا كان وقوفهم محدود السقف. ح) في الوقت الذي مثّل هجوم بوتن على أوكرانيا درسا جديدا لكل عاقل عن خرافة الاحتماء بالقانون الدولي وشرعيته وبأنه لا مكان مستقبلا للدويلات المصطنعة الكسيحة وللتراب الضيّق، نجد حكّام دويلات الوطن العربي (وكلها اختلاقا أوروبيا كسيحا) ماضون في التآمر ضد بعضهم وتدمير عناصر وحدة الأمة والتنافس المحموم على خدمة رؤوس ماشا والمجرم صهيون. خ) على مستوى بقية عالم المسلمين؛ عكس تركيا التي رغم التزاماتها كعضو في ماشا تحسن حكومتها اللعب المنفلت من كل مرجعية لصالح بلدها؛ لدينا خشية كبيرة من أن تلقي باكستان نفسها في تهلكة لا داعي لها من خلال التأييد المتسرّع الذي أبداه أخيرا عمران خان لروسيا؛ ربما لأجل بعض المنافع المادية الآنية (وقود، حبوب، بعض السلاح...). د) أيها العرب، أيها المسلمون، يا بني جلدتنا من أتباع الفكر الدّهري الأبيض بجميع مدارسه ؛ كفاكم حمقا وانخداعا بكذبة القيم الكونية للحضارة المهيمنة اليوم. إنهم جميعا، من ماشا إلى المهاجم (بوتن) إلى الضحية (أوكرانيا)، لا يرونكم إلاّ سوقا ووقودا لحروبهم وعصفا مأكولا. أمَا رأيتم أن الأخيرة وهي منذ بداية الهجوم تضرب الآليات الروسية بالمسيّرات التركية قد ظنّت بذكر ذلك في إعلامها طيلة الأيام الثلاثة الأولى ولم تتحدّث عن فعاليتها إلاّ بعد احتجاج أردوغان لمّا هاتفه زيلينسكي طالبا مزيد العون؟ بهذا الجحود لا تريد أوكرانيا لأي سلاح غير أبيض (صانعه غير أبيض) كسب شهرة دولية. أيها التائهون؛ تيقّنوا أن القيم الكونية الوحيدة هي الصادرة عن خالق الكل في خطابه الأخير(القرءان المجيد) إلى الثّقلين (الجن والإنس المخلوقات العاقلة المكلّفة بمهمة الخلافة في الكون والمُحاسَبة على أدائها يوم القيامة) عبر أوسع وأوجز وأدق لسان بشري؛ إنها وحدها الإطار الأمثل لإقامة حضارة إنسانية جديدة أعدل وأرحم على قاعدة التعارف الحر(التبادل الأفقي المتكافئ للأفكار والبضائع والخدمات). وأخيرا؛ لأن دول النواة الصلبة لماشا متّفقة منذ فك الاتحاد السوفياتي على أن أوكرانيا الصقلبية الأرثدوكسية حيّز إثني ثقافي أمني روسي، ولأنها ما انفكت تؤكد أنها لن تحارب روسيا فيها، ولأن قلقها الحقيقي هو من تعثّر بوتن في اتمام افتراس سريع، ولأنها فقط في حالة عجزه (استمرار مقاومة أوكرانية) ستنظم حروب وكالة (العقوبات، المرتزقة، الشعوب المضطهدة داخل روسيا) حتى تسقط روسيا ذاتيا من موقع القوة العظمى الموازية؛ فلا ينبغي لأي حكومة عربية ومسلمة الاصطفاف الفعلي مع أي طرف حتى لو اندلعت الحرب بين روسيا وماشا. وإن تطورت إلى حرب عالمية شاملة، فليكن العرب والمسلمون(دولا، تشكيلات أدنى، أفرادا) آخر داخليها أي بعد أن يدمّر مفجّروها بعضهم بعضا. والله غالب على أمره.