صحافة دولية

مجلة: عقوبات الغرب تهدد بدمار اقتصادي يتجاوز نخب روسيا

ليس بوسع روسيا الرد بنفس الأسلوب على هجوم البنك المركزي- جيتي
ليس بوسع روسيا الرد بنفس الأسلوب على هجوم البنك المركزي- جيتي

قالت مجلة "جاكوبين" الأمريكية في مقال للكاتب جيمس ميدوي، إن العقوبات الغربية ضد روسيا وعلى نطاق واسع، توصف بأنها تحرك غير مسبوق.

 

وأضافت في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن الآلية التي يستخدمها الغرب تم وضعها قيد التجربة على مدى عقد من الأزمة التي عصفت بمنطقة اليورو، وهي آلية تهدد بإحداث دمار اقتصادي يتجاوز النخب الروسية وحدها.

 

وذكرت أن العقوبات تتكون من إجراءات شديدة بشكل غير معتاد، بحيث تهدد بما يمكن أن يغدو دمارا اقتصاديا شاملا.

 

وأشارت إلى أنه على المدى البعيد يتوقع أن ينجم عن القيود السياسية التي يتم فرضها على الخدمة العالمية الرئيسية في مجال تبادل الرسائل ما بين البنوك، تعزيز التوجهات المعادية للعولمة والتوجه نحو تنظيم الاقتصاد العالمي من خلال كتل إقليمية.

 
إلا أن الأثر الآني المباشر هو ما يهم الآن، حيث إنه بدون التمكن من استخدام نظام سويفت بشكل كامل فإن التجارة بين روسيا وبقية العالم ستصبح أصعب، بما في ذلك التعاملات التجارية الخاصة بالنفط والغاز. وهذا بدوره سيزيد من صعوبة الوصول إلى العملات الأجنبية، وبالتالي، فإنه سيكون بمثابة خطوة إضافية على الطريق قد تبدأ في تهديد استقرار نظامها البنكي.

 

وتاليا المقال كما ترجمته "عربي21":

 

يظهر من المشاهد المنقولة من موسكو وغيرها من المدن الروسية على مدى الساعات الأربع والعشرين الماضية أننا نرى المراحل الأولى من التدافع على البنوك. في هذه الأثناء تراجع الروبل تقريباً 40 بالمائة في التعاملات المبكرة عند افتتاح أسواق شرق آسيا. هذه هي النتيجة المقصودة من العقوبات الاقتصادية التي أعلنت عنها القوى الأوروبية وكندا والولايات المتحدة ثم لحقت بها اليابان خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتتكون العقوبات من إجراءات شديدة بشكل غير معتاد، بحيث تهدد بما يمكن أن يغدو دماراً اقتصادياً شاملاً، إلا أن الآلية الرئيسية التي يستخدمونها كانت قد وضعت قيد التجريب عبر العقد الماضي بما شهده من أزمة اقتصادية وحالة من الفوضى.

 

اقرأ أيضا: أثرياء روس خسروا المليارات بسبب أزمة أوكرانيا (إنفوغراف)
 
وكما هو حال الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، فإنه لا يوجد تبرير ذو مصداقية لما يشنه فلاديمير بوتين من عدوان على أوكرانيا وشعبها، وما تقدمه حكومة بوتين من قرائن لا تعدو كونها قائمة على أكاذيب مكشوفة. إلا أن الغزو وتداعياته تكشف الشكل الذي آل إليه النظام العالمي بعد عقد من الحرب والفوضى والجائحة منذ الأزمة المالية في عام 2008.
 
لا "أوليغارك" ولا "سويفت"
 
أولا- مال الحديث عن العقوبات المالية من قبل نحو التركيز على خطوط تمويل ذات ارتباط بحكومة بوتين – والتي كثيراً ما تكون ذات طبيعة إجرامية – تمر عبر الأنظمة البنكية الغربية – بما في ذلك لندن، بالذات. إن القيود التي تفرض على قدرة هذا الأوليغارك أو ذاك على إنجاز ما يرغبون فيه من معاملات، رغم أهمية ذلك، لا يعدو كونه مضايقة شديدة ولكنه لا يقترب كثيراً من تشكيل ضغط حرج، ومثل ذلك حظر "جوازات السفر الذهبية" على الأوليغارك، رغم أنه إجراء تأخر كثيراً، إلا أنه في حال اتخاذه لا يشكل ضربة قاضية.
 
ثانيا- الجزء الحرج من هذه الحزمة لا يتشكل من إخراج ثلاثة بنوك روسية رئيسية من نظام سويفت لتبادل الرسائل بين البنوك. ثمة ارتباك كبير حول ذلك، فبينما وصل الأمر بالبعض إلى أن يعتبروا سويفت خطأ نظام تسديد دفعات مالية أو شيئاً أساسياً للعمليات البنكية، ترتفع أصوات البعض لتبشر بأن إخراج روسيا من النظام سوف يقوض ثقة الجمهور ببنوكها.
 
ولكن سويفت ليس نظام تسديد دفعات مالية، وليس مطلوباً من أجل إتمام التعاملات المحلية التقليدية، وإنما المقصود منه هو تسهيل الطلبات المستعجلة لتحويل الأموال بين البنوك الدولية، ويسهل بذلك التجارة الدولية. ومع ذلك فهو ليس أساسياً للتجارة الدولية، إذ بإمكان البلدان المختلفة طلب المال من بعضها البعض بوسائل مختلفة إذا ما حيل بينهم وبين استخدام سويفت، حتى لو كان ذلك عبر الفاكس.
 
منذ عام 2014 عندما هددت الولايات المتحدة لأول مرة بمنع روسيا من الوصول إلى نظام سويفت، انهمك البلد في إقامة نظام اتصالات بين البنوك خاص به أطلق عليه اسم إس بيه إف إس، وهو يعمل منذ عام 2017. كما أن تغطية التجارة خيار آخر، بحيث يقوم طرف ثالث بتوفير الاعتماد التجاري وإنجاز التعاملات التجارية بين روسيا وبعض البلدان التي تسعى للحصول على النفط أو الغاز منها.
 
لم تكن روسيا بدعاً من البلدان من حيث تأسيس أنظمة مالية بديلة خاصة بها، بل فعلت ذلك الصين من قبل، وهي التي يوجد لديها نظام دفعات بنكي منفصل يعرف باسم نظام الدفعات العابرة للحدود ما بين البنوك، بدأ العمل به في عام 2015، لتوفير خدمات الدفع المالي بالعملة الصينية، الرينمينبي، لثمانين من البنوك المشاركة، بما في ذلك إتش إس بي سي وستاندارد تشارترد. وها هي الهند تتحرك حالياً باتجاه إنشاء نظام دفعات بالعملة الهندية، الروبي، بهدف "تخفيف وطأة العقوبات." ومن المعلوم أن الهند، التي تربطها بروسيا علاقات تعود إلى السنوات الأولى التي أعقبت انعتاقها من الإمبراطورية البريطانية، ما زالت أكبر سوق روسية للمعدات الدفاعية والأمنية. وكانت نيودلهي قد طورت نظاماً مشابهاً للالتفاف حول العقوبات المفروضة على إيران.
 
يتوقع على المدى البعيد أن ينجم عن القيود السياسية التي يتم فرضها على الخدمة العالمية الرئيسية في مجال تبادل الرسائل ما بين البنوك – وهي خدمة تتركز في الولايات المتحدة (وإن كانت تتخذ لنفسها مقراً في بلجيكا) – تعزيز التوجهات المعادية للعولمة والتوجه نحو تنظيم الاقتصاد العالمي من خلال كتل إقليمية.
 
إلا أن الأثر الآني المباشر هو ما يهم الآن، حيث إنه بدون التمكن من استخدام نظام سويفت بشكل كامل فإن التجارة بين روسيا وبقية العالم ستصبح أصعب، بما في ذلك التعاملات التجارية الخاصة بالنفط والغاز. وهذا بدوره سيزيد من صعوبة الوصول إلى العملات الأجنبية، وبالتالي، فإنه سيكون بمثابة خطوة إضافية على الطريق قد تبدأ في تهديد استقرار نظامها البنكي. وكما يقول زولتان بوزسار من كريديت سويس، فإن حظر سويفت سيساهم في إضعاف الاقتصاد الروسي – مع احتمال أن يكون لذلك أثر سلبي بحكم رد الفعل على الغرب. ولكن ليس هذا هو السلاح المالي الرئيسي الذي يتم إشهاره بهذا الصدد.
 
ولا يتم استهداف قطاعي النفط والغاز بشكل مباشر. فبينما تشهد أسعارهما ارتفاعاً حاداً، وطالما أن روسيا توفر ما يقرب من أربعين بالمائة من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي، فإن التكلفة التي سوف يدفعها من يسعون لتطبيق العقوبات ستبدو أكبر بكثير من الفوائد التي سيجلبها لهم تطبيقهم لها. تشكل واردات الغاز الطبيعي المسال، والتي ترد من منتجين آخرين، بما في ذلك قطر والولايات المتحدة، ما نسبته عشرون بالمائة من احتياجات القارة الأوروبية. ولكن هناك حدود لما يمكن توريده، سواء تعلق ذلك بنقاط الإنتاج أو بمحطات استقبال الغاز الطبيعي المسال في أوروبا، ناهيك عن أن الطلب الأوروبي لا يشكل سوى جزء من السوق العالمي. وأي زيادة في الطلب هنا فهي في منافسة مع الطلب على الغاز في مختلف أرجاء آسيا وما بعدها. وفي هذه الأثناء، وصل مخزون الغاز في أوروبا إلى أدنى مستوى له، وفيما لو توقف تماماً تدفق الغاز الروسي لغدت القارة الأوروبية لا تملك سوى ما يكفيها لستة أسابيع. ما من شك في أن إدراك هذا الاعتماد الأوروبي هو الذي يصلّب الموقف الذي تتخذه حكومة بوتين.

 

اقرأ أيضا: هل يستطيع بوتين التعافي من عقوبات غربية صارمة وسريعة؟
 
تحويل البنوك المركزية إلى أسلحة
 
ومع ذلك، فإن هناك سلاحا اقتصاديا يمكن استغلاله بدون أي تكلفة اقتصادية لمن يشهرونه. لن تتكلف برلين أو لندن أو واشنطن شيئاً بسبب تدافع الناس على البنوك في موسكو. ولذلك فإن السلاح الأهم في حزمة العقوبات يتمثل في القيود التي تفرض على البنك المركزي في روسيا. وقد ورد في البيان المشترك ما يأتي:
 
إننا نلتزم بفرض إجراءات تقييدية من شأنها أن تمنع البنك المركزي الروسي من استخدام احتياطياته الدولية بطريقة تقوض الآثار المترتبة على عقوباتنا.
 
وتحديداً، فإن ذلك يهدف إلى قطع الطريق على بنك روسيا فلا يتمكن من بيع جل احتياطياته في الأسواق الدولية، وهي الاحتياطيات التي تقدر قيمتها بنحو 640 مليار دولار. وعمد البنك خلال الأيام الأخيرة إلى بيع بعض هذه الاحتياطيات لشراء الروبل سعياً منه للحفاظ على القيمة العالمية للعملة الروسية. وفيما لو لم يتمكن بنك روسيا من بيع احتياطياته، في ضوء عدم استعداد المؤسسات التي تحتفظ بهذه الممتلكات لتحريرها وعدم استعداد الآخرين لشرائها، فإن عملية دعم الروبل تغدو مستحيلة. وسينهار الروبل كما رأينا هذا الصباح، وهذا بدوره سيهدد بحدوث تدافع على البنوك لأن المودعين سيرغبون في سحب إيداعاتهم بالروبل، التي توشك سريعاً أن تصبح بلا قيمة، من حساباتهم البنكية، لتحويلها إلى عملات ذات قيمة أكبر وأكثر استقراراً – مثل الدولار أو اليورو. ولربما يكون التدافع على البنوك قد بدأ بالفعل أثناء كتابة هذا المقال، فقد وردت تقارير بتشكل طوابير طويلة أمام البنوك نهاية الأسبوع.
 
ليست كل احتياطيات البنك المركزي الروسي عديمة الفائدة، بل إن ما يقرب من 145 مليار دولار منها موجودة على شكل ذهب (وهو موجود فعلياً داخل روسيا)، وإذا لم يتسن بيعه بشكل مباشر – بمعنى القيام عملياً بنقل سبائك المعدن الأصفر – فإنه يمكن نظرياً تحويله إلى وعود بالدفع فيما بعد. كما أنه يوجد ما يقرب من 90 مليار دولار أخرى من هذه الاحتياطيات (أو ما يقرب من 14 بالمائة) على شكل رينمينبي، وقد أشارت الصين باستمرار إلى أنها لن تشارك في الإجراءات المتخذة ضد روسيا.
 
ومنذ عام 2014 وبنك روسيا منهمك أولاً في مراكمة احتياطياته وثانياً في سحبها من الاستثمارات بالدولار والموجودات التي يهمين عليها الدولار، بدليل أن ما يملكه من سندات الخزينة الأمريكية اليوم، وتقدر قيمته بما يقرب من 6 مليارات دولار، أقل بقليل مما كان يملكه في أكتوبر من عام 2010 عندما وصل إلى ذروته وبلغ ما يقرب من 176 مليار دولار.
 
كان ذلك إجراءً سياسياً بحتاً – محاولة متعمدة لتقليل الأثر المحتمل لأي عقوبات قد تفرض مستقبلاً، من النوع الذي نراه يطبق الآن. كما أن الفائض في الحساب الجاري، ما قيمته 19 مليار دولار من الفرق بين صادرات روسيا وما تستورده – وهو ما أمكن مراكمته عبر عقد من الزمن من مبيعات النفط والغاز – يوفر بعض الحماية ضد أي عقوبات اقتصادية شديدة. وكان نصيب الدولار في تجارة الصادرات الروسية قد انخفض من 69 بالمائة في عام 2016 إلى 56 بالمائة في مطلع عام 2021 – ورغم أنه ما يزال كبيراً إلا أنه يمثل انخفاضاً في مستوى الانكشاف المحتمل.
 
بنفس الشكل، تعمل الاقتصاديات غير المرتبطة بالدولار، وبشكل متزايد، على تقليد "خطوط المبادلة" التي تشكلت تلقائياً بين الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى في خضم الأزمة المالية في الفترة من 2008 إلى 2009، وكانت الغاية منها توفير تمويل زهيد بالدولار من الاحتياطي الفيدرالي إلى البنوك المركزية الأخرى عندما عجزت أسواق التعاملات ما بين البنوك عن الوفاء بذلك.
 
وتشكل خطوط المبادلة الآن العمود الفقري لنظام ناشئ وإقليمي بشكل متزايد. وتقدر قيمة صفقات خطوط المبادلة عالمياً بما يقرب من 1.9 تريليون دولار وتقدر قيمة "الترتيبات المالية الإقليمية" الأخرى بما يقرب من 1.4 تريليون دولار. وكلاهما أكبر بكثير من الموارد التي يوفرها صندوق النقد الدولي للاستخدام في الحالات الطارئة مالياً وتبلغ قيمتها تريليون دولار.
 
فتحت الصين وروسيا بينهما خط مبادلة بالرينمينبي منذ عام 2014، بينما وقعت الصين ما يزيد على 32 صفقة خطوط مبادلة مع مختلف البلدان منذ عام 2009. ولعل الإعلان الذي صدر قبل بضعة أسابيع عن "صداقة بلا حدود" بين الصين وروسيا يبين إلى أين كان التوجه حينذاك.
 
إلا أن التجارة المباشرة بين الصين وروسيا تبقى جزءاً فقط من الصادرات الروسية، وثمة ما يثبت بشكل متزايد أن المؤسسات المالية الصينية، وانطلاقاً من الخشية من إقدام الولايات المتحدة وحلفائها على فرض عقوبات ثانوية على من يتعاملون مع روسيا، راحت تتسلل بهدوء بعيداً عن الدعم. وقد ترغب الصين في تشكل عالم ما بعد الدولار، ولكن غزو روسيا لأوكرانيا استبق ذلك الهدف ربما بعقود من الزمن.
 
كيف أشهر البنك المركزي الأوروبي سلاح البنك المركزي؟
 
سوف تبقى تداعيات عقوبات البنك المركزي المفروضة على روسيا شديدة بشكل استثنائي. ومن المحتمل أن يجد بنك روسيا أن ضوابط التحكم برأس المال والارتفاعات الحادة في معدلات الفائدة هي ما سيعتمد عليه سعياً منه للدفاع عن الروبل وبالتالي عن نظامه البنكي.
 
البنوك المركزية هي مركز الأعصاب في أي نظام مالي وبنكي للعملات النقدية. وظيفتها الأساسية هي لعب دور "مقرض الملاذ الأخير" لبنوك عملة ما، وتتدخل لضمان عدم إخفاق البنوك التي تمر بمصاعب مالية. وامتداداً لهذه الوظيفة الأساسية، فإنها قد تحوز على صلاحيات حتى (على سبيل المثال) تدافع عن قيمة عملة البلد – الأمر الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه متفرع عن الدفاع عن مصداقية بنوكها.

 

اقرأ أيضا: العقوبات على موسكو تمثل اختبارا للعلاقات الروسية الصينية
 
إلا أن هذه القوة المحلية الهائلة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب فتغدو ضعفاً شديداً بحيث لا يملك البلد التحكم الكامل ببنكه المركزي ونتيجة لذلك فإنه ليس بوسعه ضمان استقرار نظامه البنكي.
 
وهناك سابقة لتحويل البنك المركزي إلى سلاح، تماماً كالذي نشهده الآن. فقد أظهرت الوثائق المسربة في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014 أن البنك المركزي الأوروبي هدد الحكومة الإيرلندية بانهيار نظامها البنكي إذا لم تقبل بوصفة الإنقاذ التي حددها لها البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قبل أربعة أعوام. وفي تحرك أكثر دراماتيكية، هدد البنك المركزي الأوروبي مراراً بإنهاء الدعم الطارئ لبنوك اليونان المفلسة إذا لم تقبل حكومة سيريزا التي انتخبت حديثاً بشروط الإنقاذ التي عرضت عليها في فبراير/ شباط 2015 وفيما بعد. تضمنت تلك الشروط تقشفاً موسعاً، الأمر الذي كان سيريزا يعارضه بكل قوة. حاول سيريزا الخروج من الورطة عبر إجراء استفتاء حول القبول بالإنقاذ، وذلك في شهر يوليو/ تموز من ذلك العام، ولكن مناورته باءت بالفشل، وبذلك تم تركيع أول حكومة يسارية راديكالية في أوروبا منذ عقود.
 
كلا إيرلندا واليونان كانتا عضوين في منطقة اليورو ومنسجمتين سياسياً مع المؤسسات الأوروبية – وفي النهاية كانت مغادرة اليونان لليورو هي التي سمحت للبنك المركزي الأوروبي بتهديد بنوكها بالانهيار، وبالتالي إفساد برنامج سيريزا المناهض للتقشف. كما أن عقوبات البنك المركزي المباشرة استخدمت أثناء الأزمة المالية، وذلك حينما جمدت بريطانيا الموجودات المالية لآيسلندا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2008، مستخدمة الصلاحيات المكتسبة بموجب قانون 2001 الخاص بمكافحة الإرهاب والجريمة والأمن، وما وقع حينذاك من استهداف، ولو مؤقت، لبنكها المركزي.
 
نفس الأسلوب المتبع من قبل البنك المركزي الأوروبي – أي مهاجمة البنك المركزي في سبيل تقويض النظام البنكي – انتقل الآن من مجرد التهديد إلى التطبيق ضد بلد معاد، يخوض حالياً حرباً ضد حليف مقرب جداً من أولئك الذين يطبقون العقوبات. لم يتغير الرأس الحربي للسلاح، إلا أن الذي تغير بشكل كبير هو السياق، وغدا نتيجة لذلك سلاحاً أشد خطورة، ولا أدل على ذلك من إشارة بوتين إلى استنفار قوات روسيا النووية وإن أثبتت مدى فعالية ذلك السلاح، إلا أنها أيضاً تسلط الضوء على العواقب الجسيمة المحتملة لاستخدامه.
 
وليس بوسع روسيا الرد بنفس الأسلوب على هجوم البنك المركزي – فالنظام المالي الروسي صغير مقارنة بالنظام المالي القائم على الدولار واندماجه فيه ضعيف – ولذلك ردت حكومته بدلاً من ذلك بما لديها القدرة على استخدامه. وليس واضحاً إلى أي مدى ورد مثل هذا الاحتمال من تصعيد روسي عسكري مباشر في حسابات وخطط القوى الغربية.
 
إن الناس الذين سيعانون أكثر من غيرهم بسبب استخدام القوى المشتركة لعقوبات البنك المركزي هم بطبيعة الحال الروس، الذين يوشكون على فقد واحدة من الخدمات الأساسية في الحياة المعاصرة، أي النظام البنكي، ناهيك عما سيلحقهم من غلاء فاحش. وأما نحن، فإننا نجر رغم عنا، وبشكل مرعب، نحو أوضاع تزداد فيها احتمالات الصراع النووي.
 

التعليقات (0)