قضايا وآراء

مريض الجذام بين التمييز وحق الاندماج

مصطفى جاويش
1300x600
1300x600
يأتي الاحتفال باليوم العالمي لمرض الجذام في آخر يوم أحد من شهر كانون الثاني/ يناير من كل عام. وأسس هذا اليوم الفرنسي راؤول فوليرو، عام 1954، كوسيلة لزيادة الوعي العالمي بهذا المرض القديم المميت، وللفت الانتباه إلى حقيقة أنه يمكن الوقاية منه وعلاجه. وجاء اختيار الاحتفال بهذا اليوم في هذا التاريخ تخليدا لذكرى وفاة المهاتما غاندي الذي كان من أكثر المهتمين بهذا المرض والتوعية به.

وتهتم منظمة الصحة العالمية بالتحذير من هذا المرض الخطير باعتباره عدوى بكتيرية مزمنة للجلد والأعصاب السطحية تسببها بكتيريا المتفطرة الجذامية، وقد تشمل الأنف والعيون والحنجرة والأطراف. ويعرف مرض الجذام أيضاً بمرض "هانسن"، وينتشر في أجزاء من قارة آسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وبعض بلدان المحيط الهادي، وفي أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ظهور الأدوية المتعددة لهذا المرض في عام 1980 أصبح قابلاً للشفاء، وقد أتاحت منظمة الصحة العالمية عام 1995 العلاج بالمجان، ومن عام 2000 الى الآن أصبح العلاج مصدره التبرع وذلك عن طريق شركات الدواء العالمية. ووفقاً لإحصائيات على مدار العشرين عام الماضية، فقد تم علاج ما يقرب من 16 مليون مريض.

وأطلقت المنظمة في عام 2016 "الاستراتيجية العالمية لمكافحة الجذام 2016-2020: تسريع الوتيرة من أجل إيجاد عالم خال من الجذام"، بغية تنشيط الجهود المعنية بمكافحة الجذام. وينصب تركيز هذه الاستراتيجية على الأطفال علاوة على تلافي الإعاقات، وصولا إلى انعدام الإصابة بالإعاقات في صفوف الأطفال الجدد المصابين بالمرض، وانخفاض معدل الإصابة بالإعاقات من الدرجة الثانية إلى أقل من حالة واحدة لكل مليون نسمة، وعدم وجود بلدان تطبق تشريعات تسمح بالتمييز على أساس الإصابة بالجذام.
لا تزال بعض الدول لديها مناطق لم تحقق التخلص من مرض "الجذام"؛ مثل السودان ومصر واليمن، فتقع ما بين 300 و900 حالة جديدة سنويا في تلك البلدان. أما في بلدان المغرب وأفغانستان وجمهورية إيران الإسلامية والصومال، فتقل النسبة إلى أقل من 100 حالة جديدة سنويا، وفقاً للأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن العالم قد نجح في التخلص من الجذام كمشكلة من مشكلات الصحة العمومية في عام 2000، أي أنه حقق معدلا لانتشار الجذام يقل عن حالة واحدة لكل 10 آلاف نسمة على الصعيد العالمي. وقد تم شفاء نحو 16 مليون مريض بالجذام بواسطة المعالجة بالأدوية المتعددة خلال العشرين عاما الماضية، في حين لا تزال بعض الدول لديها مناطق لم تحقق التخلص من مرض "الجذام"؛ مثل السودان ومصر واليمن، فتقع ما بين 300 و900 حالة جديدة سنويا في تلك البلدان. أما في بلدان المغرب وأفغانستان وجمهورية إيران الإسلامية والصومال، فتقل النسبة إلى أقل من 100 حالة جديدة سنويا، وفقاً للأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

مرض الجذام بين التمييز والوصم

ورد في كتاب "لسان العرب" لابن منظور أن الجذم هو القطع، والأجذم مقطوع اليد، وابن منظور ينقل أن "الجذام من الأمراض المعدية، وكانت العرب تتطير منه وتتجنبه"، لكنه لا يفسر الحديث النبوي: "لا تديموا النظر إلى المجذومين" بالخوف من العدوى، وإنما بالنهي عن إطالة النظر إليهم كي لا يشعروا بالتحقير. ولم يكن سهلاً على العقل الطبي ما قبل العصر الحديث، ولا على العقل الديني، تكريس فكرة "العدوى"، أي انتقال الداء من بدن إلى آخر، كما لم يكن سهلاً التنصل من فكرة العدوى، فقد صعّب الجذام المسائل.

وهنا يبرز الحديث النبوى الشريف "فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد"، مع اجتهاد المفسرين للإيضاح أن الفرار منه هو "على سبيل الاحتياط". وهكذا اجتمع في قالب واحد مع حديث "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ". وجاء التفسير بأن تلك هي "لا" الناهية وليست النافية، وذلك باعتباره أمرا نبويا شريفا باتباع أساليب الوقاية من العدوى ومنع انتشار المرض.

وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يورد ممرض على مصح"، وقال في الطاعون: "من سمع به في أرض فلا يقدم عليه". والأمر كذلك في حديث إسقاط النبي عليه الصلاة والسلام فرض البيعة على مجذوم من ثقيف، وتفسيره على أنه كي لا ينظر أصحاب هذا المجذوم إليه فيزدروه ويروا لأنفسهم فضلاً عليه، وفي هذا وقاية لصاحب المرض من التعرض لآثار نفسية سلبية وسط جمع كبير من الناس.

ويقول المؤرخ الإيطالي كارلو غينزبورغ في كتابه "سبت السحرة"، إنه في سنة 1321 قامت أوروبا بتوجيه مضبطة الاتهام إلى المجذومين، على أنهم قاموا بتسميم الآبار، بالتواطؤ مع الساحرات، واليهود، والمشعوذين، وبإيعاز من مسلمي غرناطة! وفكرة "مؤامرة المجذومين" تلك التي يتقفي غينزبورغ أثرها، تجعلنا أمام مرض ذي ذاتية سياسية لا مثيل لها في حال سواه، ومقرونة بـ"رهاب الجذام"، أو بالأحرى "رهاب المجذومين"، الذي هو في أصل كل رهاب تجاه أي جماعة أياً يكن النمط الذي يعرّفها كجماعة، وأياً تكن النسبة التي تعيّنها لذاتها من عملية تحديدها من الخارج.
ظهور أعراض مرض الجذام قد يستغرق 20 عاما وربما أكثر من ذلك. وعلى مر التاريخ، تم عزل عدد لا يُحصى من المصابين بمرض الجذام عن المجتمعات، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم جدوى هذه السياسات

مرضى الجذام وحق الاندماج المجتمعي

وفي بيان بمناسبة اليوم العالمي للجذام للعام الماضي (2021)، قالت الخبيرة الحقوقية أليس كروز، المقررة الخاصة المعنية بالقضاء على التمييز ضد الأشخاص المصابين بالجذام وأفراد أسرهم، إن الاستجابة لجائحة "كورونا" خذلت المصابين بالجذام والمتأثرين بـ"المعايير المزدوجة". وقالت: "شهد العالم الآثار السلبية الهائلة لمرض كوفيد-19 والأزمة التي ولدتها الجائحة: من الحرمان من الحق في الحياة الأسرية والتعليم والسكن والتوظيف إلى العنف المنزلي والجنسي. للأسف، هذا ما يعانيه المصابون بالجذام (المعروف أيضا باسم مرض هانسن) منذ آلاف السنين".

ظهور أعراض مرض الجذام قد يستغرق 20 عاما وربما أكثر من ذلك. وعلى مر التاريخ، تم عزل عدد لا يُحصى من المصابين بمرض الجذام عن المجتمعات، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم جدوى هذه السياسات.

وقالت المقررة الخاصة: "تم فصل الأطفال عن الأهالي، وغالبا ما يتم وضعهم في مؤسسات، وحتى اليوم يظلون منسيّين بلا تعويضات أو لقاح ضد كوفيد-19". وأشارت إلى أنها منذ تفشي كوفيد-19، تلقت العديد من التقارير حول التأثير السلبي غير المتناسب على المصابين بالجذام في العديد من البلدان، وأنها كتبت رسالة مفتوحة للحكومات بهذا الشأن.
في مقارنة سريعة بين الأطروحات العلمية الحالية حول التعايش مع فيروس كورونا بأنواعه وتحوراته رغم أنه فيروس سريع الانتشار وسريع العدوى، وبين بكتريا مرض الجذام بطيئة العدوى وضعيفة الانتشار، تبرز أمامنا أهمية تبنى العالم لأهمية الاندماج المجتمعي لمرضى الجذام مع اتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية المعتبرة، وسرعة تغيير سياسة عزلهم في بيئات مهينة إنسانيا ونفسيا

ويُظهِر تاريخ الجذام مدى تكلفة التمييز وعدم المساواة، بحسب الخبيرة الحقوقية، ليس فقط للمرضى وأفراد أسرهم، ولكن أيضا للمجتمعات ككل. وتابعت تقول: "تم الكشف عن العديد من الانتهاكات المعروفة جيدا من قبل المصابين بالجذام - خوف المجتمع والوصم والعزلة وتأثيرها على الصحة العقلية والفصل والعنف القائم على النوع والعنصرية وكراهية الأجانب، وغيرها - كلها انكشفت خلال الجائحة". وتتوقع أليس كروز تفاوتات متزايدة وانتكاسة في مكافحة الجذام وانتقاله والوقاية من الإعاقة.

عالم ما بعد كورونا وحقوق مرضى الجذام

وفي مقارنة سريعة بين الأطروحات العلمية الحالية حول التعايش مع فيروس كورونا بأنواعه وتحوراته رغم أنه فيروس سريع الانتشار وسريع العدوى، وبين بكتريا مرض الجذام بطيئة العدوى وضعيفة الانتشار، تبرز أمامنا أهمية تبنى العالم لأهمية الاندماج المجتمعي لمرضى الجذام مع اتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية المعتبرة، وسرعة تغيير سياسة عزلهم في بيئات مهينة إنسانيا ونفسيا تحت مسمى "مستعمرات الجذام"، والاعتراف بحقهم المشروع في الاندماج المجتمعي خاصة بعد تطور أساليب العلاج وتراجع الإصابات بصورة كبيرة حول العالم.
التعليقات (0)