قضايا وآراء

تأجيل غير مأسوف عليه للقمة العربية

نزار السهلي
1300x600
1300x600
يُراد من المواطن العربي أن يرى في أحلامه أن عالمه سيتغير بعد كل قمة عربية، وستغدو حياته قليلة الجهد والتعب، وقد زالت كل العوائق من أمامه بفضل بيان ختامي يسرب قبل ختام القمم، أما في اليقظة فهو غير عابئ بانعقاد قمة أو تأجيلها. وأخبار تأجيل قمة الجزائر أو عقدها لاحقاً لن تنقذ العربي، بقدر بحثها عن وسائل لإنقاذ النظام العربي بعضه للبعض؛ بالكشف عن هدايا التطبيع المتبادل مع المستعمر الصهيوني بعد أن تحطمت كل القواعد، حين دخل التطبيع مراحله المتشعبة من الأمن إلى دعم المستوطنات والتطبيع بالغاز والكهرباء والماء أو برسائل الاحتلال الروسي والإسرائيلي والأمريكي.

الجامعة العربية المؤسسة لتكتل النظام العربي أصبح عمرها 75 عام، وهي أكبر وأقدم من تكتلات وأحلاف نشأت بعدها بعقود طويلة، وحققت حضوراً وفاعلية على مستوى العالم، من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وآسيا.. كل التكتلات السياسية والاقتصادية حققت نهوضا أو على الأقل صيغا اقتصادية وتنموية تساهم بتحقيق المصالح لشعوبها، خارج اللغة والجغرافيا والتاريخ والحضارة التي يتفاخر العرب بفرادة امتلاكها دون استثمارها.

على أرض الواقع بقيت المآسي العربية المترامية تثبت جذورها وتتوطد بتزايد العناصر التي تغذيها؛ من الاستبداد والفساد إلى تغول الأمن وسيطرة العسكر على أنظمة الحكم العربي. إذ صدرت عن الجامعة والقمم العربية خلال 75 عاما مئات القرارات والتوصيات، لم ينفذ منها قرار واحد معني بتخفيف الأعباء عن المواطن العربي، ولا في دعم بقية القضايا.

بقيت فلسطين في قمم العرب العنوان العريض للتآمر والتخاذل وعنوانا للضعف والانهيار، ومتراسا للاستبداد يتذرع بها في إخفاقات كبرى لتحقيق نهضة عربية شاملة تفخر بها الأجيال العربية في عالم الحاضر والمستقبل، من التكامل الاقتصادي والسياسي إلى مشاريع التنمية المختلفة.

يمكن القول إن اجتماعات القمم العربية شغوفة بالسجال والمماحكة والمزايدة الفارغة، وكان العربي شاهداً على السجالات اللاذعة الفارغة لبعض قادتها، وعلى هشاشة بنيانها. بعد أن توجت السياسة العربية وزنها الصفري في قضايا محلية ودولية، وبعد أن نحت جانباً قضايا الحرية والمواطنة والكرامة الإنسانية، أصبحت مفاهيم التقدم والارتقاء من طور إلى آخر مستحيلات عربية. وبمنأى عن هذه السياسة الرسمية وبياناتها الموسمية، تفجرت الثورات العربية على أنظمة القمع والاستبداد، وجوبهت بدموية وحطام غير مسبوقين، بفضل تلاحم وتعاضد "الجامعة العربية" مع أنظمتها الفاسدة، وتبين للشارع العربي فظاعة وهول ما يواجه.

مؤسسة الجامعة العربية ودولها وأنظمتها التي كانت تجتمع بحضور مكتمل النصاب أو منخفض التمثيل، وتتخذ فيها قرارت "تاريخية" الوصف عن فلسطين وعن الدعم لبقية القضايا؛ ردت عليها إسرائيل وركلت الرهان على "السلام المزعوم" وعلى مبادرتهم، وأمعنت أكثر في العدوان والتهويد والاستيطان مع خيار العرب البائس منذ قمة بيروت 2003.

وانحدرت مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى ما تحت الخطوط الحمراء من الفقر والتخلف وزيادة نسب القمع، إلى تغول أنظمة الاستبداد العربي في هدم وتدمير مجتمعاتها، ودفع ملايين السكان نحو التهجير والإفقار، وأصبح التصهين في أنظمة الجامعة العربية مقبولا ومشروطا لتطبيع النظام العربي بين بعضه البعض، وبات تمنين "فتات الدفع" والدعم لقضية فلسطين محل مزايدة رخيصة ومكشوفة.

سواء عقدت القمة المقبلة في الجزائر أو أجلت وألغيت، فلا أحد خارج عالم العرب يرتجف ويتصبب عرقاً انتظارا ما ستسفر عنه اجتماعات عربية تفضحها سياسة رسمية يومية وعلى مدار الساعة تجاه المواطن البسيط المقيد بضوابط منع التنقل والسفر، وتشديد قبضة الأمن والبطش بالمجتمعات، وقمع حرية الرأي والتعبير، وغياب الشفافية، ومصادرة الحريات وتغول الأمن والفساد والقهر.

جردة الحساب طويلة ومخزية لن تتغير بأنظمة ثابتة على عهد القمع، المهم في الحالة العربية الرسمية أن يكون وزراء الداخلية العرب ومسؤولو الأمن والمخابرات في حالة اتحاد وتواصل على مدار الساعة، لا لتأمين الأمن الغذائي والدوائي وحماية المواطنيين والسهر على راحتهم، أو لدعم أشقائهم في اللغة والجغرافيا والتاريخ والحضارة والدين من مخاطر تتعاظم بفعل هذه السياسات، بل لاستكمال اتفاقيات القبضة الأمنية العربية الموحدة نحو الشوارع والمجتمعات العربية.

في زمن مثل الذي نحياه، لا يعول العربي على قمم تَجمع قادة أنظمة الاستبداد العربي وأنظمة التصهين ببرامج تُمتن الترابط الأبدي بين الاستبداد والاحتلال. التحديات التي يتبجح بها النظام العربي ليست بحاجة لبحث وتفتيش عن أسبابها، لأن سهام الاتهام موجهة نحو الإنسان العربي إن لم يكن هتّيفا "بالروح وبالدم" للقائد.

عالم عربي تجهض فيه السياسة وتقمع فيه الحريات وتتكاثر السجون والزنازين وتتسع دائرة قتل المعارضين وتحطيم المجتمعات وتتكدس في مخازنه أسلحة الدمار وأدوات القمع والقتل للعربي؛ لن يكون بمقدوره صناعة مستقبل بعيداً عن هذه الحقائق المدمرة والمرتبطة بواقع مهزوم.

لن يأسف المواطن العربي لتأجيل أو إلغاء اجتماعات عربية غابت عنها ديباجة الشجب والإدانة للاحتلال، واستبدلت بإدانة وشجب "الإرهاب" كعنوان وبند زعزع عرى أنظمة تمارس الكذب والخداع منذ ما قبل نكبة فلسطين. فما الذي سيخسره العربي من بيان القمة المؤجلة والحديث المسرب عن خلافات بشأن عودة الديكتاتور السوري لحضن الجامعة، أم للدفاع عن خطوات التصهين التي تمد المشروع الاستعماري في فلسطين، البيانات العربية عن ضرورة مواجهة التحديات يواجهها العربي بسؤال عن أية تحديات يتسابق العرب للحديث عنها، دون تطبيق أي قرار أو التزام العمل به منذ أكثر من سبعة عقود؟

أخيراً، ما قدمه النظام الرسمي العربي في العقد الأخير من أجوبة لأسئلة قرن مضى في سياسات القمع والقهر والتحطيم، وأسئلة الإخفاق العربي في السياسة والحرب والسلام والاقتصاد والتنمية والديمقراطية والشفافية، والتطور العلمي وتقديم نماذج في هذه المجالات للعالم تكون محط احترام وتقدير.. هي حقائق تكفي لأن يدير الإنسان ظهره لأطنان شعارات الكذب، وأن ينتبه أكثر للقصد من عمل "عربي مشترك"؛ آثاره واضحة في تونس والقاهرة وعمان وبغداد ودمشق والخرطوم والقدس واليمن وغزة وليبيا، وفي كل الأمكنة التي توج بها التعاون الأمني والعسكري العربي.

خارج هذه الأعمال تفشل الأنظمة في إحداث تغيير عربي خارج إطار بيانات أكلها المستعمر وأحرقها المحتل، لكن يُصر النظام العربي على تقديم كل وسائل التغذية والدفء لعدو مجتمعات غارقة في آثام الطاغية العربي.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)