هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عمل "الصليب الأحمر" في منطقة الشرق الأوسط يُعدّ من أكبر عملياتنا حول العالم
الجائحة زادت من هشاشة الوضعية الإنسانية في مناطق الأزمات وطرحت تهديدات وتحديات غير مسبوقة
المواقف السياسية الدولية المتشدّدة ضد "طالبان" أدت لإغلاق قنوات الدعم السابقة
%90 من السوريين يعيشون تحت خط الفقر في ظل التدهور الحاد والمتواصل للوضع الاقتصادي
قالت المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط والأدنى، إيمان الطرابلسي، إن "هناك بوادر كارثة إنسانية حقيقية في أفغانستان مع دخول فترة الشتاء؛ إذ إن نحو 23 مليون شخص يواجهون خطر الجوع، ومن المرجح أن يعتمد ثلثا السكان على المساعدات الغذائية خلال عام 2022".
وأكدت،
في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "أفغانستان تعتمد تاريخيا على المساعدات
الخارجية"، لافتة إلى أن ما وصفته بتشدّد المواقف السياسية الدولية ضد "الحكّام
الجدد في كابول أدى لإغلاق قنوات الدعم السابقة في سياق كان يعتمد على امتداد عشرات
السنوات على المساعدات الخارجية، ما أثّر على القطاع العام وخاصة الموظفين الذين لم
تُدفع رواتبهم منذ شهور".
وأضافت
الطرابلسي: "اليوم لا بد من التمييز بين طالبان والدولة الأفغانية؛ فمن غير الممكن
أن يواصل السكان دفع ثمن التغييرات الأخيرة، والمساعدات الطارئة التي يتم تسليمها حاليا
ليست كافية للتصدي للكارثة الإنسانية التي يشهدها الملايين اليوم".
وأشارت المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن "جائحة كوفيد-19
زادت من هشاشة الوضعية الإنسانية في مناطق الأزمات، وطرحت تهديدات وتحديات غير مسبوقة".
وتاليا
نص المقابلة:
ما أبرز
الجهود والمساعدات الإغاثية التي قام بها "الصليب الأحمر" في المنطقة خلال
عام 2021؟
نحن
نعمل على مساعدة ضحايا النزاع المسلح والعنف الداخلي ومهامنا هي بموجب اتفاقيات جنيف،
حيث نعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني ونسعى إلى تخفيف المعاناة البشرية
أينما وُجدت. مبادئنا هي عدم الانحياز والحياد والاستقلال والإنسانية، وتدخلنا في منطقة
الشرق الأوسط يُعدّ من أكبر عملياتنا حول العالم.
يرجع
ذلك إلى النزاعات الجديدة التي تندلع بشكل متواصل في المنطقة، ولأنه مع كل نزاع جديد
تزيد أعداد المتضررين ويزيد إحساس انعدام الأمن والحرمان لدى سكان هذه المناطق. والعديد
من الدول داخل المنطقة العربية تعاني من نزاعات قائمة أو من مخلفات نزاعات ولت، وبالتالي
فإن الاحتياجات الإنسانية كبيرة جدا وتمس كل قطاعات الاحتياجات الأساسية ولا يمكن للجنة
الدولية إلا تغطية جزء منها.
ونحن
نعمل ميدانيا في كل دول المنطقة التي تشهد أو شهدت نزاعات، وأكبر عملياتنا في المنطقة
موجودة اليوم في سوريا واليمن وليبيا ولبنان والأراضي المحتلة. وعمليا نقوم بزيارة
الأسرى لتأمين ظروف احتجاز مقبولة لهم واتصالهم بعائلاتهم، ودعم القطاعات الحيوية كالصحة
والمياه والصرف الصحي والسكن والأمن الاقتصادي، ونسعى لحماية السكان المدنيين من آثار
الأعمال العدائية.
أما
في سوريا على سبيل المثال؛ فقد انتفع 16 مليون شخص من مشاريع المياه والصرف الصحي والكهرباء،
وقدّمنا دعما غذائيا لـ3 ملايين. كما أننا وفرنا رعاية صحية لنصف مليون. وفي اليمن هناك
5 ملايين شخص تمكنوا من الحصول على الخدمات الأساسية من ماء وصرف صحي وكهرباء، و5 ملايين
يمني تمكنوا من الحصول على الخدمات الصحية.
وقوة
استجابتنا الميدانية هي نتيجة لكوننا جزء الحركة الدولية للهلال والصليب الأحمر، وهي
أكبر شبكة إنسانية في العالم تضم اللجنة الدولية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر
والهلال الأحمر، والجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر. ونشارك خبرتنا مع الجمعيات
الوطنية لتعزيز قدرتها على تنظيم أنشطتها على المستوى المحلي.
ما أبرز العراقيل والتحديات التي واجهت عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة خلال العام المنصرم؟
تراجع
الدعم والتمويل لبعض السياقات التي لا تزال الاحتياجات ضخمة بها هو من أهم التحديات
الحالية لكل الفاعلين الإنسانيين. ومن المهم اليوم أن لا ينسى العالم حالة السكان الحرجة
جراء معاناتهم من آثار الحرب والعنف. وهنا أشير إلى اليمن كمثال، حيث إن قرابة الـ70% من
اليمنيين، أي ما يمثل قرابة الـ20.7 مليون شخص، يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية.
والمؤتمر
الدولي الأخير المتعلق بإعلان التبرعات لليمن، والذي عُقد في أوائل عام 2021 لم يحقق
سوى 50% من هدف التمويل.
وبالتالي
فإن انخفاض تمويل العمليات الإنسانية له أثر مباشر على حياة الناس وعلى قدرتنا في أن نقدّم
لهم المعونة المنقذة للأرواح على نحو مستدام وتعزيز البنية التحتية الأساسية الهشة
بالطريقة اللازمة.
كما
أن هناك تحديا آخر، وهو تصاعد وتيرة العنف في بعض السياقات الذي يحد من طريقة تدخلنا
في بعض المناطق التي تتأجج فيها وتيرة الأعمال العدائية. وحيث تصبح فرقنا في حاجة
-تماما مثل بقية الفاعلين الإنسانيين- إلى أن تكون قادرة على أن تقوم بأنشطتها لمساعدة
المجموعات السكانية المتضررة. وبالتالي الحصول على الضمانات من قِبل كل الأطراف المنخرطة
في النزاع لكي تكون لدينا المقدرة على تنفيذ أنشطة الإغاثة بصورة آمنة وآنية بما يتوافق
مع ما يقتضيه القانون الدولي الإنساني.
كيف كانت الجهود الإغاثية للصليب الأحمر الدولي في ظل جائحة كوفيد-19؟ وإلى أي مدى تأثرتم بتلك الجائحة؟
جائحة
كوفيد-19 زادت من هشاشة الوضع الإنساني في مناطق الأزمات حول العالم؛ فهناك 60 مليون
شخص يعيشون بمناطق تخضع لسيطرة جماعات مسلحة غير حكومية ما يحول دون حصولهم على لقاح
كوفيد. ورغم أننا استطعنا مساعدة ملايين الناس منذ بداية الجائحة عام 2020، فإن الأرقام
التي حققناها لا تُعتبر شيئا في بحر الاحتياجات؛ فانتشار الفيروس أضاف أعباء جديدة
على الناس، وعقبات إضافية أمامنا، ولكننا استطعنا، وبمساهمة الجمعيات الوطنية للصليب
والهلال الأحمر، مساعدة ملايين الناس في: سوريا، واليمن، وليبيا، والأراضي المحتلة،
والعراق، وغيرها من الدول.
والجائحة
طرحت تهديدات وتحديات غير مسبوقة، ومنها المعوقات العالمية كحركة التجارة ووصول المستلزمات
الأساسية والإجراءات الداخلية المُعقدة لنقل البضائع، ونقص التحويلات المالية، وإغلاق
المطارات. ولكننا بالرغم من هذه المصاعب قمنا بملائمة أنشطتنا مع الواقع الجديد، واستطعنا
أن ندعم المراكز الطبية وتجهيز أقسام طوارئ وإرسال فرق جراحية لمناطق النزاع، بالإضافة
إلى تقديم المساعدات الغذائية والنقدية وتوفير الماء والبحث عن المفقودين وتيسير عمليات
إطلاق سراح للأسرى، وغيرها من الأنشطة التي تساعد على التخفيف من معاناة الناس.
وفي
لبنان مثلا؛ نقوم بدعم مستشفى الحريري العام الذي يُعتبر المركز الرئيسي لاستقبال الحالات
المصابة بفيروس كوفيد.
هل الأوضاع في مخيم "الهول" في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا تتجه نحو الأسوأ؟
يؤوي
المخيم حاليا نحو 58,000 شخص من أكثر من 60 بلدا، معظمهم من العراق وسوريا، فيما تشكل
النساء والأطفال نسبة 90%. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 40,000 طفل ينشأون في
هذه الظروف البائسة والخطيرة في كثير من الأحيان.
ومخيم
الهول ما هو إلا صحراء وخيام تمتد على مرمى البصر. أما خلال فترة الشتاء فالعواصف الثلجية
والسيول والبرد القارس يجعل الحياة في منتهى الصعوبة على السكان. ويسود شعور باليأس بين
آلاف الأشخاص العالقين هناك، وجميعهم يتطلع إلى أمل في المستقبل، بينما الظروف في المخيم
قاسية على الجميع، صغارا وكبارا. من الممكن أن يتفرق شمل العائلات أثناء النقل إلى
مخيمات أو أماكن احتجاز أخرى، ومنها حالات يتفرق فيها أطفال عن أمهاتهم.
ولا
تزال الاحتياجات للرعاية الطبية ضخمة، بما في ذلك رعاية الأمهات والأطفال، والجراحة،
والصحة النفسية، وإعادة التأهيل البدني. وقد شهدنا في العام الماضي زيادة في عدد الأطفال
الذين لقوا حتفهم، منهم بعض الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب حالات كان من الممكن الوقاية
منها.
ونقدّر
أن آلاف الأطفال الموجودين في مخيم الهول أو المخيمات المشابهة في شمال سوريا هم ضحايا،
وذلك بغض النظر عما ارتكبوا أو ارتكبه والديهم أو ما يتهمون به. هذه واحدة من أعقد
الأزمات المتعلقة بحماية الطفل اليوم. ونحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الأطفال الذين
تقطعت بهم السبل في المخيمات ويواجهون ظروفا مروعة لا ينبغي لأي طفل أن يعيشها.
"الصليب الأحمر" علّق عمله في مخيم "الهول" على خلفية إصابة أحد كوادره من قِبل مجهولين.. إلى متى سيستمر تعليق العمل هناك؟
الزميل
هو حاليا في وضعية مستقرة، وتعليق الأنشطة في المستشفى الميداني الذي تديره اللجنة
الدولية بالشراكة مع الهلال الأحمر السوري كان إجراءً وقتيا؛ إذ إن هذا المستشفى هو
الوحيد من نوعه في المخيم ويعتمد عليه السكان بشكل ملح للحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
ما هي الجهود التي تقومون بها بشأن التعاطي مع الأزمة السورية؟
قرابة
الـ11 سنة من الأزمة في سوريا لها أثر مأساوي على السكان. اليوم 13 مليونا من بين 18 مليون
سوري في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. وقرابة الـ90% من سكان سوريا يعيشون
تحت خط الفقر في ظل التدهور الحاد والمتواصل للوضع الاقتصادي. وقد أدى هذا النزاع القائم
في سوريا طوال تلك السنوات إلى إعاقة إمكانيات الحصول على الخدمات الأساسية إلى حد
كبير، بما في ذلك الوصول إلى المياه الصالحة للشرب بما أن مرافق المياه أصابها التدهور الحاد
وأنظمة الصرف الصحي تضررت في كامل أنحاء البلاد، خاصة أن 50% فقط من أنظمة المياه والصرف
الصحي تعمل الآن بشكل جيد في جميع أنحاء سوريا، وملايين الناس يصعب عليهم الحصول على
مياه الشرب يوميا. ونقص إنتاج مياه الشرب تراجع بنسبة تصل إلى 40% عما كان عليه قبل
10 سنوات.
ونفّذت
اللجنة الدولية على مدى الأعوام العشرة الماضية آلاف المشاريع الهندسية، تحقيقا لغرضين
هما الاستجابة لحالات الطوارئ، وتقديم الدعم المستمر لمقدمي الخدمات المحليين لمحاولة
سد الفجوة التي خلفها تراجع الخدمات المقدَّمة. ولقد استفاد أكثر من 15 مليون شخص من
دعم خدمات إمدادات المياه، وكذلك من المشاريع المتعلقة بالصرف الصحي وإمدادات الطاقة
التي نفذها الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية، بالتنسيق مع وزارة الموارد
المائية والسلطات المحلية والشركاء. كما أن فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في
سوريا يعمل على إيصال المساعدات الإنسانية للمجتمعات المتضررة على امتداد البلاد.
هيئة شؤون الأسرى والمحررين، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، طالبتكم بزيارة الأسيرات في سجن الدامون الإسرائيلي والاطلاع على أوضاعهن الصحية.. فهل ستتخذون إجراءات للاستجابة لهذه الدعوة؟
اللجنة
الدولية تقوم بزيارة الأشخاص المحرومين من حريتهم في حالات العنف أو النزاعات. وتهدف
من خلال زياراتها إلى السجون إلى التأكد من أن المحتجزين يعاملون بكرامة وإنسانية وفقا
للقواعد والمعايير الدولية، ونعمل مع السلطات لمنع التجاوزات وتحسين ظروف الاحتجاز
من خلال حوار ثنائي وسري مع السلطات لإيجاد حلول للمشاكل الإنسانية التي تؤثر على المحتجزين
وضمان توفير ظروف معيشية مناسبة لهم. وعند الضرورة، قد نساهم أيضا في تنفيذ الحلول
المحددة، ولا تتعلق تدخلاتنا بتوسيع قدرة مرفق الاحتجاز أو السّمات الأمنية، والتي
تظل مسؤولية سلطات الاحتجاز حصرا.
الأمم المتحدة طالبت باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع كارثة إنسانية في أفغانستان خلال هذا الشتاء.. فكيف تنظرون للأوضاع الإنسانية في أفغانستان اليوم؟ وما طبيعة دوركم هناك؟
الأوضاع
الإنسانية كانت بالفعل متدهورة منذ بداية التغييرات التي شهدتها أفغانستان منذ أشهر،
ولكن الآن ومع دخول فترة الشتاء يشهد السكان في أفغانستان بوادر كارثة إنسانية حقيقية؛
إذ إن نحو 23 مليون شخص يواجهون الجوع، ومن المرجح أن يعتمد ثلثا السكان على المساعدات
الغذائية خلال عام 2022. والوضع الاقتصادي يشهد سقوطا مدويا منذ سيطرة "طالبان"
على السلطة، هذا الانهيار الاقتصادي يدفع ثمنه الملايين من السكان بشكل يومي.
والعملة
المحلية تواصل تراجعها بالتزامن مع أزمة النقص الحاد في السيولة، الأمر الذي يؤدي إلى
تناقص القدرة الشرائية نظرا لارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المواد الأساسية كالغذاء
والوقود. وأفغانستان هو بلد يعتمد تاريخيا على المساعدات الخارجية، ولكن تشدّد المواقف
السياسية الدولية ضد الحكّام الجدد في كابول أدى إلى إغلاق قنوات الدعم السابقة، ما أثّر
على القطاع العام وخاصة الموظفين، كالأطباء والممرضات والمعلمين، الذين لم تُدفع رواتبهم
منذ شهور.
اليوم
لا بد من التمييز بين "طالبان" والدولة الأفغانية؛ فمن غير الممكن أن يواصل
السكان دفع ثمن التغييرات الأخيرة. والمساعدات الطارئة التي يتم تسليمها حاليا ليست
كافية للتصدي للكارثة الإنسانية التي يشهدها الملايين اليوم.
والفاعلون
الإنسانيون واصلوا التحذير على مدى الأشهر الأخيرة من مخاطر أن يتحول تمويل عمليات الإغاثة
إلى تمويل مشروط. إذن فإن على المانحين الاستمرار في العطاء لدعم الاستجابة الإنسانية؛
لأنه ليس من الممكن الحد من الموت في أفغانستان هذا الشتاء من دون دعم دولي، ولذلك
فإنه يجب ضخ السيولة في الاقتصاد، ويجب الحفاظ على الوظائف الاجتماعية التي لا غنى عنها
في الدولة.
وبالنسبة
لدور اللجنة الدولية فإنه يتمثل حاليا في تقديم دعم ذي قيمة مضافة، من خلال تركيزنا على
مجال الرعاية الصحية الأساسية كدعم المستشفيات والمؤسسات الصحية وتقديم الرعاية لفئة
ذوي الاحتياجات الخاصة كالذين يحتاجون أطرافا صناعية. ولكننا نعمل على تحديد الاحتياجات
طويلة المدى. ومع حلول فصل الشتاء فإننا نواصل تقديم الدعم النقدي للفئات الأكثر هشاشة كالنازحين
والعائدين إلى المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة لدعم للاستجابة إلى احتياجاتهم اليومية
كالغذاء.. لكن ما تقوم به اللجنة الدولية يُعدّ نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية الملحة
التي يحتاجها السكان هناك.