حقوق وحريات

"عربي21" تعيد نشر مقالين للراحل ديزموند توتو حول فلسطين

عرف عن توتو مواقفه لصالح نضال الشعوب من بينها الشعب الفلسطيني- جيتي
عرف عن توتو مواقفه لصالح نضال الشعوب من بينها الشعب الفلسطيني- جيتي

تعيد "عربي21" نشر مقالين لكبير أساقفة جنوب أفريقيا ديزموند توتو، الذي يعد بطل مناهضة الفصل العنصري في البلاد، والذي توفي اليوم الأحد، عن عمر يناهز الـ90 عاما.

 

وتوتو حائز على جائزة نوبل للسلام عام 1984، وسبق أن كان له مقالان منشوران عن القضية الفلسطينية، يعكسان موقفه المتضامن مع الشعب الفلسطيني والمندد بالانتهاكات الإسرائيلية ضده.

 

والمقال الأول الذي تستعرضه الصحيفة عن الفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين "الأبارتايد"، في حين أن المقال الثاني قبل 11 شهرا فقط، خلال فترة الرئيس الأمريكي جو بايدن يطالبه فيها بالتحرك بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية.

 

 

المقال قبل 19 عاما:

 

الفصل العنصري في الأرض المقدسة


ديزموند توتو

29 نيسان/ إبريل 2002

 

مجلة "تشيرش تايمز"


في نضالنا ضد الفصل العنصري (الأبارتايد)، كان أعظم المناصرين لنا هم اليهود. فقد توجب عليهم، فطرياً على الأغلب، الوقوف في جانب المستضعفين، أولئك الذين لا صوت لهم، الذين يقاتلون ضد الظلم والقهر والشر. ما فتئت أشعر بتعاطف شديد مع اليهود. بل إنني أحد رعاة مركز الهولوكوست في جنوب أفريقيا، وأنا ممن يؤمنون بحق إسرائيل في العيش داخل حدود آمنة. 

ما لا يقبل المرء بفهمه، ناهيك عن أن يبرره، هو ذلك الذي فعلته إسرائيل بشعب آخر من أجل ضمان وجودها. لقد أصبت باستياء شديد أثناء زيارتي إلى الأرض المقدسة، حيث ذكرني ذلك كثيراً بما حدث لنا نحن معشر السود في جنوب أفريقيا. لقد رأيت ما يتعرض له الفلسطينيون من مهانة عند نقاط التفتيش والحواجز، وما يعانونه مما كنا نحن نعانيه عندما كان ضباط الشرطة من الشباب البيض يقيدون حركتنا ويمنعوننا من التنقل من مكان إلى آخر. 

في إحدى زياراتي إلى الأرض المقدسة توجهت بالسيارة إلى كنيسة مع الأسقف الأنغليكاني في القدس. كدت أسمع العبرات في صوته وهو يشير إلى المستوطنات اليهودية. خطر ببالي ما لدى الإسرائيليين من رغبة في ضمان أمنهم. ولكن ماذا عن الفلسطينيين الذين فقدوا أرضهم وبيوتهم؟ 

رأيت فلسطينيين وهم يشيرون إلى ما كان يوماً بيوتهم، وغدت الآن محتلة من قبل الإسرائيليين اليهود. كنت أمشي مع الكاهن نعيم عتيق (رئيس مركز سبيل المسكوني) في القدس، فأشار قائلاً: "كان بيتنا هناك في ذلك المكان. أخرجنا عنوة من بيتنا، وهو الآن محتل من قبل اليهود الإسرائيليين."

يعتصر فؤادي ألماً. وأتساءل لماذا ذاكرتنا قصيرة جداً، وهل نسيت شقيقاتنا وأشقاؤنا اليهود ما تعرضوا له من إذلال؟ هل نسوا سريعاً العقاب الجماعي الذي نالهم، وهدم البيوت، في تاريخهم؟ هل أداروا ظهورهم للتقاليد الدينية النبيلة والعميقة؟ هل نسوا أن الله مع المستضعفين في الأرض؟

لن تنعم إسرائيل بالأمن والسلامة إذا سعت للحفاظ على وجودها من خلال قهر شعب آخر. لا يمكن في نهاية المطاف بناء سلام حقيقي إلا بالعدل. نحن نندد بعنف التفجيرات الانتحارية، ونندد بإفساد عقول الشباب بالكراهية، ولكننا أيضاً نندد بعنف الاجتياحات العسكرية في الأراضي المحتلة والسلوك اللاإنساني الذي يحول دون وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى.  

يمكنني الجزم بأن الأعمال العسكرية التي شهدناها مؤخراً لن توفر الأمن والسلام الذي يرنو إليه الإسرائيليون، بل لن ينجم عن ذلك سوى تكريس الكراهية. 

لدى إسرائيل خيارات ثلاثة: العودة إلى الوضع السابق بما وصل إليه من انسداد، القضاء على جميع الفلسطينيين، أو – وهذا ما أرجوه – السعي بجد للتوصل إلى سلام يقوم على العدل، يقوم على الانسحاب من الأراضي المحتلة، وعلى إقامة دولة فلسطينية قادرة على القيام بذاتها داخل تلك الأراضي إلى جوار إسرائيل جنباً بجنب، بحيث ينعم الاثنان بحدود آمنة. 

نعمنا نحن في جنوب أفريقيا بتحول سلمي وسلس. إذا كنا نحن قد تمكنا من إنهاء حالة الجنون لدينا فينبغي أن يكون ممكناً إنجاز نفس الشيء في كل مكان آخر من هذا العالم. إذا كان السلام قد حل في جنوب أفريقيا، فمن المؤكد أن بالإمكان إحلاله في الأرض المقدسة. 

قال أخي نعيم عتيق ما كنا نقوله نحن من قبل: "أنا لست مع هذا الشعب أو مع ذاك، ولكني مع العدل ومع الحرية، وضد الظلم وضد القهر." 

ولكنكم تعلمون كما أعلم، بشكل أو بآخر، أن الحكومة الإسرائيلية ترتكز على قاعدة {في الولايات المتحدة}، وكل من يتجرأ على انتقادها فإنه يصبح مباشرة عرضة للاتهام بمعاداة السامية، كما لو أن الفلسطينيين ليسوا ساميين هم أنفسهم. لست ضد البيض، على الرغم مما كان يعتري تلك المجموعة من جنون. ولكن كيف تسنى لإسرائيل أن تنتعاون مع حكومة الأبارتايد (الفصل العنصري) في الإجراءات الأمنية؟ 

يخشى الناس في هذا البلد {الولايات المتحدة} من وصف الخطأ بالخطأ لأن اللوبي اليهودي قوي – وقوي جداً. حسناً، وماذا بعد؟ أناشدكم الله، أليس هدا عالم الله؟ ألسنا نعيش في عالم يقوم على الأخلاق. كانت حكومة الفصل العنصري قوية جداً، ولكنها اليوم لم تعد موجودة. وهكذا كان كل من هتلر وموسوليني وستالين وبينوشيه وميلوزفتش وعيدي أمين، كلهم كانوا في غاية القوة، ولكنهم في النهاية أصبحوا أثراً بعد عين. 

ما كان للظلم والقهر أبداً أن يسودا. وعلى الأقوياء أن يتذكروا الاختبار الذي وضعه الله لأصحاب النفوذ: كيف تعاملون الفقراء والجوعى ومن لا صوت لهم؟ على أساس هذا التعامل يصدر الله حكمه عليهم. 

ينبغي علينا أن نوجه نداء صارخاً لحكومة شعب إسرائيل، وللشعب الفلسطيني، ونقول لهم: "إن السلام ممكن، إن السلام الذي يقوم على العدل ممكن. ولسوف نبذل كل ما في وسعنا لمساعدتكم على إحلال هذا السلام، لأن ذلك هو ما يريده الله، ولسوف تتمكنون من العيش بمودة ووئام معاً إخوة وأخوات. 

ديزموند توتو هو كبير الأساقفة السابق في كيب تاون ورئيس هيئة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا. ولقد كان هذا المقال جزءاً من خطاب ألقاه في مؤتمر حول إنهاء الاحتلال انعقد في بوسطن بولاية ماساشوسيتس في وقت سابق من هذا الشهر. تظهر نسخة أطول من هذا المقال في العدد الحالي من مجلة "تشيرش تايمز". 

 

مقال قبل أكثر من 11 شهرا: 

 

يتوجب على جو بايدن إنهاء التظاهر بعدم معرفة شيء عن أسلحة إسرائيل النووية "السرية"

ديزموند توتو

ينبغي أن يتوقف التستر وأن تتوقف معه الكميات الهائلة من المساعدات التي تقدم لبلد يمارس القهر ضد الفلسطينيين

ديزموند توتو حائز على جائزة نوبل وهو المطران السابق في كيب تاون بجنوب أفريقيا

 

الغارديان

31 ديسمبر 2020

ما من إدارة أمريكية تستلم السلطة إلا وتقدم على ممارسة شعيرة في غاية الحماقة. فكلهم يوافقون على تقويض قانون الولايات المتحدة من خلال التوقيع على رسائل سرية تشترط عدم الإقرار بشيء بات معروفاً لدى الجميع: أن إسرائيل تملك ترسانة من الأسلحة النووية. 

جزء من الغاية من ذلك هو الحيلولة دون أن يركز الناس انتباههم على أن لدى إسرائيل القدرة على إهلاك عشرات المدن وتحويلها إلى ركام. وهذا الإخفاق في مواجهة الخطر الذي تشكله ترسانة إسرائيل المرعبة يمنح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إحساساً بالقوة والحصانة من المساءلة مما يسمح لإسرائيل بإملاء شروطها على الآخرين. 

إلا أن واحداً من آثار تلك المقاربة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، كالنعامة تدس رأسها في التراب، هو تجنب تفعيل القوانين الأمريكية نفسها، والتي توجب عدم منح أموال دافعي الضرائب على من يمارسون نشر الأسلحة النووية. 

والحقيقة هي أن إسرائيل من أكثر من يمارس انتشار الأسلحة النووية، فلقد تواترت الأدلة على أنها عرضت بيع الأسلحة النووية لنظام الأبارتايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا في سبعينيات القرن العشرين وحتى أجرت اختباراً نووياً مشتركاً معه. لقد سعت حكومة الولايات المتحدة إلى التستر على هذه الحقائق، أضف إلى ذلك أنها لم توقع بتاتاً على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. 

ومع ذلك، فقد دفعت الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية باتجاه غزو العراق بناء على افتراءات وأكاذيب حول قوة نووية عراقية لم توجد. وكما قال موردخاي فانونو الذي كشف الغطاء عن الأسلحة النووية الإسرائيلية: ليست الأسلحة النووية في العراق وإنما في إسرائيل. 

تحظر التعديلات التي تقدم بها عضوا مجلس الشيوخ السابقان ستيوارت سيمنغتون وجون غلين على قانون المساعدة الخارجية تقديم مساعدات اقتصادية أو عسكرية أمريكية للدول الضالعة في نشر السلاح النووي والبلدان التي تحصل على تلك الأسلحة. وفعلاً، نفذ الرئيس جيمي كارتر تلك المواد من القانون ضد كل من الهند والباكستان. 

إلا أنه لم يحدث بتاتاً أن فعل أي رئيس أمريكي مثل هذا الشيء مع إسرائيل. بل على العكس تماماً، إذ أن ثمة اتفاقاً شفهياً منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون على القبول بضبابية المسألة النووية حين يتعلق الأمر بإسرائيل – بما يفضي فعلياً إلى تمكين إسرائيل من القوة التي تمنحها إياها الأسلحة النووية دون تحميلها لأي مسؤولية. وبحسب ما ورد في مجلة ذي نيويوركر، بدأت تلك الرسائل السرية توقع منذ عهد الرئيس بيل كلينتون. 

لم يزل الرؤساء والسياسيون في الولايات المتحدة يرفضون الاعتراف بأن إسرائيل لديها أسلحة نووية، وذلك على الرغم من أن القانون يمنح استثناء يسمح باستمرار التمويل إذا أثبت الرئيس للكونغرس أن مساعدة بلد ضالع في نشر الأسلحة النووية أمر حيوي بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. 

يعادل الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد في إسرائيل نظيره في بريطانيا، إلا أن تمويل دافعي الضرائب في الولايات المتحدة لإسرائيل يفوق كل ما يقدم لأي بلد آخر. وأخذاً بالاعتبار معدلات التضخم، فإن الكميات التي من المعروف أنه تم دفعها عبر السنين لإسرائيل تقترب من 300 مليار دولار. 

يجب وضع حد لهذه المهزلة. وينبغي على حكومة الولايات المتحدة الالتزام بما لديها من قوانين ووقف التمويل عن إسرائيل بسبب امتلاكها ونشرها للأسلحة النووية. 

يتوجب على إدارة بايدن القادمة، وبشكل صريح، الإقرار بأن إسرائيل دولة رائدة في رعاية نشر السلاح النووي في الشرق الأوسط ويتوجب عليها تطبيق القانون الأمريكي بهذا الخصوص. وينبغي على الحكومات الأخرى –وبشكل خاص حكومة جنوب أفريقيا – الإصرار على سيادة القانون في نزع السلاح، وعليها أن تحث حكومة الولايات المتحدة على ذلك بكل ما لديها من وسائل وإمكانيات. 

كان الفصل العنصري (الأبارتايد) مريعاً في جنوب أفريقيا، وهو مريع أيضاً عندما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، بما تفرضه عليهم من نقاط تفتيش ومنظومة من السياسات الظالمة. وهنا نذكر بتشريع أمريكي آخر، هو قانون ليهي، الذي يحظر تقديم مساعدات عسكرية لحكومات تنتهك حقوق الإنسان بشكل منتظم. 

لعل من أسباب بقاء النسخة الإسرائيلية من الأبارتايد بعد وقت طويل من فناء النسخة التي كانت تمارس في جنوب أفريقيا  هو تمكن إسرائيل من الإبقاء على نظامها القهري الظالم ليس فقط من خلال استخدام السلاح الذي يحمله الجنود بل وكذلك من خلال الإبقاء على هذا السلاح النووي موجهاً إلى صدور الملايين من البشر. لن يكون حل هذه المشكلة في أن يسعى الفلسطينيون والعرب إلى الحصول على مثل هذه الأسلحة. بل يكمن الحل في السلام وفي نزع السلاح. 

تعلمت جنوب أفريقيا أن بإمكانها تحقيق السلام والعدل الحقيقي فقط من خلال امتلاك الحقيقة التي ستفضي بدورها إلى المصالحة. ولكن أياً من ذلك لا يمكن أن يتحقق ما لم تتم مواجهة الحقيقة بشكل مباشر – ولا يوجد حقيقة يجدر بأن تواجه بشكل مباشر مثل حقيقة وجود ترسانة من الأسلحة النووية بأيدي حكومة تقوم على الأبارتايد (الفصل العنصري). 

التعليقات (0)