قضايا وآراء

العرب والمسلمون على رقعة الشطرنج الدولية

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

كل من يعتبر بالأحداث الجسام التي مرت بها الإنسانية منذ فجر الحضارة يدرك بالعقل والتجربة بأن التدافع البشري الذي أعلنه الله سبحانه في القرآن الكريم يجري على خطين متوازيين، وهما خط السلام والتعاون والتجارة وتبادل المصالح وخط الحروب والصراعات وفرض الهيمنة وقهر الخصم أو إبادته كما وقع في عديد الحالات. ولنا في الملاحم والأساطير وعيون الأدب ونتاج العقل رصيد هائل من تلازم هذين الخطين بين السلم والحرب. 

وبشكل مستمر فإن الجغرافيا والتاريخ يتغيران وتنعرج بهما السبل عبر القرون إلى منعطفات غير متوقعة في منظور العقل البشري المحدود، لكن الله في كتابه المجيد رسم العلاقة بين الأسباب والمسببات عندما تعرض النص المقدس إلى القرون الأولى وضرب الأمثال بانهيار الدول وتداول القوة بين الأمم.

والذي يجري اليوم في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وبشكل آخر في ليبيا التي أجلت إنتخاباتها (بعد أن كانت مقررة ليوم 24 كانون الأول/ ديسمبر الجاري!) وكذلك في العراق المهددة بعودة "داعش" وأفغانستان التي أنقذتها من حربها الطويلة دبلوماسية قطر الرائدة، وما يتوقع المحللون من تداعيات هذه الأزمات على إيران والجزيرة العربية وجمهوريات روسيا المسلمة بسبب تنفيذ المخططات الإسرائيلية بدعم متواطىء من لوبيات أمريكية ومساندة خفية من بعض لوبيات الاتحاد الأوروبي، هو من هذه الأحداث التي ذكرناها والتي ستحور بشكل جذري معالم الجغرافيا واتجاهات التاريخ للانخراط في الألفية الثالثة، التي مع الأسف لم يستعد لها العرب، وأكبر الاحتمالات أنهم سيفاجئون بها وهم في غفلة من الزمن أو في سنة من النوم. 

إن قارىء التاريخ يعرف كيف تقاسمت الإمبراطوريات الأوروبية ثم الولايات المتحدة ميراث الرجل العثماني المريض.. ثم وفي حرب الخامس من يونيو 1967 ميراث الرجل العربي المريض.. ثم وبسبب الاستبداد وغياب التفكير في العواقب ومن خلال احتلال بغداد يوم التاسع من نيسان (أبريل) 2003 ميراث الرجل المسلم المريض. 

وهي لعمري سلسلة من الحروب المرسومة منذ مؤتمر بازل لليهود عام 1897 ومؤتمر سايكس بيكو عام 1916 وتقسيم الشرق الأوسط إلى دول وممالك تقرر منذ إنشائها أن تظل مضخة للنفط وخلق الثروات في الغرب وضمان توسعه الاقتصادي والصناعي والثقافي والتكنولوجي بلا مشقة الاستعمار المباشر بل بالاكتفاء بغزو الروح والعقل ونشر ثقافة الإلحاق والقضاء على ثقافة الانعتاق. 

إننا اليوم تجاه عملية تزوير الجغرافيا والتاريخ بتحويل اهتمام العرب من الخشية المشروعة من العدوان الإسرائيلي الخارج عن القانون الدولي إلى الخشية من طهران وتحويل اتجاه الصراع التاريخي والمعلن بين الحق العربي والباطل الإسرائيلي إلى فتنة بين السنة والشيعة وإلى سباق بين المطبعين والمترددين.

وبالفعل فقد نجح الاستعمار الجديد وصنيعته الصهيونية العنصرية في خلق مواجهة بين بعض السنة وبعض الشيعة في العراق واليمن وسوريا بمؤامرات إشعال نار الطائفتين بالقنابل المزروعة والسيارات الملغومة وإذكاء لهيب الإرهاب الأعمى. وهو ما أعطى التشجيع الضروري لتوسيع رقعة الفتنة إلى لبنان الجريح بتقديم العدو الإسرائيلي المحتل على أنه الحليف الطبيعي للمواطن اللبناني الباحث فقط على لقمة عيشه. وفي قطاع غزة يتم تنفيذ نفس السيناريو باظهار "حماس" المنتخبة شرعيا في صورة الارهابي الذي يفسد مخططات السلام و يعكر صفو الشعب الفلسطيني! 

والغريب أن إسرائيل واصلت الاغتيالات والتقتيل والتشريد حتى بعد الهدنة تلو الهدنة ولم يثر ذلك حفيظة رعاتها وحماتها في واشنطن وأوروبا! 

 

إننا اليوم تجاه عملية تزوير الجغرافيا والتاريخ بتحويل اهتمام العرب من الخشية المشروعة من العدوان الإسرائيلي الخارج عن القانون الدولي إلى الخشية من طهران وتحويل اتجاه الصراع التاريخي والمعلن بين الحق العربي والباطل الإسرائيلي إلى فتنة بين السنة والشيعة وإلى سباق بين المطبعين والمترددين.

 



إن ذلك يتم تجسيده على الأرض اللبنانية والأرض الفلسطينية لتنفيذ استراتيجية قوى عظمى بعيدة عن المنطقة ولا تعترف بحقوقنا العربية السليبة، وهي مخططات شيطانية يجب أن يكون العرب حكومات ومجتمعات مدنية واعين بمخاطرها، خاصة بعد أن عودتنا الإمبراطوريات الاستعمارية على مثل هذا الغش التاريخي والخديعة الحضارية حين تعجز عن تحقيق أهدافها البعيدة بالقوة فتلجأ إلى عملية تحويل وجهة العرب نحو أعداء وهميين وفتح أبواب الفتنة أمامهم حتى نؤخر مواعيد الصراع العربي الاسرائيلي الذي هو صراع حق مع باطل ونقدم عليه صراعا بين الشيعة والسنة أو بين العقلانيين العرب ضد المقاومين العرب أو بين "حماس" و"فتح" أو بين الحكومات والشعوب في العالم العربي أو بين إسلاميين وعلمانيين. 

ونحن أحوج ما نكون اليوم إلى إيجاد حل للأسرى العرب الفلسطينيين الذين عددهم بالآلاف ومنذ ربع قرن أحيانا في جو من الصمت الدولي المريب وفي مناخ من التأييد اليميني الغربي الواضح بدون أي أفق لتحرير هؤلاء القابعين وراء القضبان في مأساة إنسانية لهم ولأطفالهم ولأهليهم ليس لها من أمل ولا رجاء. والتحق بهؤلاء ملاييين المشردين السوريين والعراقيين واليمنيين في شتاء 2021 تحت الخيام الأممية. 

والخلاصة من المؤامرة الراهنة هي كما أعلن أحد المتكلمين المتطرقين الإسرائيليين ببلاغة حين قال ما الفرق بين بن لادن وحسن نصر الله واسماعيل هنية؟ وما الفرق بين القاعدة وحزب الله و"حماس"؟ 

إن اللحظة التاريخية العربية في أقصى درجات الخطر والدقة ويخطئ من يعتقد بأنه في معزل عن مصير عربي مشترك بوعود من القوى العظمى بعد هذه التجارب المريرة التي علينا أن نعتبر بها قبل فوات الأوان.


التعليقات (0)