قضايا وآراء

دعوة الإخوان المسلمين بين الأمل والألم

سامح الجبة
1300x600
1300x600
كنت ولا زلت لا أحب الحديث عن الشأن الخاص بجماعة الإخوان المسلمون على الملأ وعلى العام، وخاصة إذا كان الحديث يؤلم نفوساً وقلوباً أرهقها الحال الذي نحن فيه. فلا شك أن كل محب لدعوة الإخوان - سواء من أبنائها أو من المحبين لها وهم كُثر - يتجرع هذه الأيام جرعة مكثفة من الألم كل يوم لما نراه من الانشغال ببعضنا البعض، والتهارش الذي يصل أحيانا إلى حد الشحناء والبغضاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ولكن ستعود بإذن الله أقوى مما كانت.

ولا بد في البداية من التذكير بأن الأحداث التي تمر بها دعوة الإخوان هذه الأيام لا شك أنها فتنةٌ عظيمة، ولكنها فتنةٌ توجب على كل أخ مسلم الفعل الإيجابي الذي يرضي الله تعالى، لا الانزواء والسلبية ظناً منه أن هذا هو الأسلم كما يردد البعض، لأن الفتنة في ميزان الشرع يقدرها الله سبحانه وتعالى للاختبار والتمحيص كما قال الله تعالى: "الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ".

ففي وقت الفتن يكون القيام بالحقوق والواجبات آكد وأشد، وإن للدعوة التي بايعنا الله على العمل لها حق وواجب كبير في رقابنا جميعاً، فهي فوق الأشخاص والأهواء. والإخوة الكرام الذين يستدلون بحديث البخاري "ستكون فتن القاعد فيها خير القائم والقائم فيها خير من الساعي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه.." لتبرير سكوتهم؛ مخطئون، ولا بد من فهم الحديث بالشكل الصحيح والانتباه لأمرين؛ الأول أن النهي في الحديث عن القعود وعدم السعي جاء حينما تكون الفتنة في القتال واستباحة الدماء، وهذا كان فهم الصحابة وعملهم فلم يعتزل منهم أحد إلا عن حدوث القتال بالسيف بين المسلمين وإراقة الدماء، وبالتالي الإسقاط على واقعنا الآن خطأ كبير. والأمر الثاني أن التوجيه جاء لتربية القلب بألا يتطلع للفتنة ولا يسعى لها ولا يطلبها، ولا يحرص على حدوثها ووقوعها، وليس في الحديث ما يدعو إلى العزلة، بل على العكس إذا لم يعمل ويحرص كل أخ على حماية وصيانة الدعوة الآن فمتى يعمل؟ ومن هذا المنطلق أحب أن أذكر الجميع ببعض الحقائق:

1- من الأمل أن دعوة الإخوان المسلمون قامت من أجل تحقيق غايات وأهداف عظيمة منذ أسسها الإمام الشهيد حسن البنا - رحمه الله - وجعل لهذه الدعوة كيانا وتنظيما يقوم على تحقيق هذه الأهداف والغايات، وقد استلهم الإمام البنا كل أعمال هذا التنظيم من كتاب الله ومن سنة سيرة رسول الله ﷺ، وانطلقت الدعوة والتنظيم في ميادين العمل المختلفة وحققت الكثير من الإنجازات وقدمت الكثير من التضحيات، حتى أصبحت هذه الدعوة - بلا فخر - أمل المسلمين في كثير من الأقطار ليس في مصر فقط، وأصبح لدعوة الإخوان المسلمين مشروع نهضة حقيقيا لأمة الإسلام يمكن تطبيقه، وقد اتسع هذا المشروع باتساع مجالات العمل الإسلامي ليستوعب كل الطاقات من الإخوان ومن غير الإخوان من أبناء الأمة الغيورين والمخلصين وهم كُثُرْ.

2- ومن الأمل أنه مع بداية القرن الحادي والعشرين كان انتشار الصحوة الإسلامية إلى ميادين ومجالات مؤثرة في المجتمع، ثم حدوث ثورات الربيع العربي وما أعقبه من التفاف أبناء هذه الشعوب العربية والإسلامية حول مشروع النهضة، والتغيير الذي رفعته جماعة الإخوان المسلمين في معظم البلاد العربية وخاصة في مصر ومعها كل الغيورين والمخلصين من أبناء الأمة، وكان الصدام بين هذا المشروع، وبين المشروع الصهيو- أمريكي وأدواته في المنطقة؛ من أنظمة حكم فاسدة ومستبدة والتي يعمل من خلالها الأعداء على الهيمنة والسيطرة على الأمة وعلى قرارها ومستقبلها. وقد كان من تداعيات هذا الصدام هو انتباه هذا المشروع إلى حجم التأثير الذي وصل إليه تنظيم الإخوان المسلمون، وكان لا بد من العمل لهدم هذا التنظيم بأي وسيلة.

3- ومن الأمل أيضاً أن نؤكد على أن المحافظة على هذا التنظيم ضرورة اجتماعية وسياسية، فهذا التنطيم هو القاطرة إلى التغيير المنشود، وهو الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات السيطرة على هذه الأمة، فلا يوجد عاقل من أبناء هذه الدعوة مهما كان يقبل بالتفريط في هذا الأمر، وإنما المطلوب مع بقاء هذا التنظيم؛ تجديده، وتطويره، وتفعيله، وتوفير كل الدعم اللازم له من موارد مادية وبشرية وخبرات، وإزالة المعوقات المادة والبشرية من طريقه ليقوم بواجباته، فالله يخاطب أهل الإيمان بذلك "قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً".

4- ومن الأمل أنه بفضل الله قد اجتمعت كلمة غالبية أبناء الدعوة على القيادة الشرعية لجماعة الإخوان والمتمثلة في الأستاذ إبراهيم منير كنائب وقائم بعمل المرشد العام، أسأل الله أن يوفقه وإخوانه في الهيئة المعاونة على تحقيق الآمال في عودة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي خارجها فاعلة ومؤثرة؛ تحقق الأهداف المنشودة وتُخرِج الجماعة من مربع الصراع من أجل البقاء فقط الذي وصلت إليه بسبب الإدارة السابقة.

وأنا أقول الإدارة ولا أذكر الأفراد، فهم على المستوى الشخصي لهم كل الاحترام والتقدير، لكن تقييم الإدارة وما نتج عنها مطلوب.. أقول إن الإدارة السابقة تلبستها حالة من الجمود ورفض أي تجديد أو تطوير، ونبذ أي آراء أو أفكار للتطوير، بل وتشويه - عن غير قصد - صورة كل غيور من أبناء هذه الدعوة ممن يطالب بتطويرها، وتصدير صورة ذهنية سلبية عنه لجميع الصف بحجة المحافظة على الجماعة، فلا أهداف حققوا ولا صف أبقوا للأسف، بل نشروا - عن غير قصد - بين بعض أبنائها الشحناء والبغضاء والعداوة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

5- ومن الأمل أن أذكر الجميع بواجب الوقت الذي يوجب على كل فرد من أبناء دعوة الإخوان المسلمين أن يدرك أن عليه واجب الحفاظ على وحدة هذه الجماعة وعلى بقائها وعلى أهدافها التي عاهد الله عليها، والتي من أجلها ضحى الكثير من أبنائها رجالاً ونساءً، وما يزالون، وأن يبذل جهده لإخراج الدعوة من حالة الجمود والتكلس الذي أصابها من جراء سياسات خاطئة.

وإن الالتزام بالقيادة الشرعية للإخوان المسلمين ممثلة في الأستاذ إبراهيم منير، النائب والقائم بعمل المرشد العام للإخوان المسلمون - فك الله أسره وجميع إخوانه - هو الطريق لتحقيق ذلك. وعلينا أن ندرك أن الأستاذ إبراهيم وحده لن يفعل شيئا، لكن بجهود الإخوان جميعاً رجالاً ونساءً وشباباً نستطيع أن نفعل الكثير، فجماعة الإخوان في مصر لا ينقصها شيء من أجل أن تكون في المكان اللائق بها، ففيها من العقول والخبرات والمهارات الكثير الكثير، وفي كل التخصصات.

6- ومن الألم أنه لما تأتي إدارة جديدة تريد التطوير وتفتح الأبواب ليشارك الجميع، وتزيل المعوقات حتى تعود الجماعة لحيويتها وقوتها، يقف منها بعض الإخوة الكرام موقف المتربص والمعَوِّق على عكس ما كان يؤمل منهم، بل ويتهمونها زوراً وبهتانا بما هي منه بَراء، بل والأنكي من ذلك يعملون على خلع رأس هذه الإدارة ولا يعطونه حتى فرصة الدفاع عن نفسه أو يحيلونه للتحقيق على أقل تقدير، فيجتمعون حسب زعمهم ويقررون ويخلعون ويعلنون، فهل هذا هو خلق الإخوان؟ وهل هذا هو خلق الإسلام؟ وما زالوا للاسف يسعون في الصف إرجافاً دون توقف أو مراجعة، وبلا مراعاة لأبسط بديهيات فقه الأولويات والمآلات، وكل من يعرض رأياً مخالفاً لهم ينهشون سمعته وكرامته من خلال صفحات فيسبوك وقنوات تيليجرام. لكن حسبنا أن الله مطلع وشهيد، ونحتسب ما يقومون به من تشويه عند الله، ويهون كل شيء من أجل كلمة الحق وخاصة في هذه الأوقات الحساسة من عمر الدعوة والتي توجب علينا البيان والنصح، وهم في النهاية إخواننا نتمنى لهم الصواب والسداد. 

وفي النهاية، أوصي نفسي وإخواني بالتحلي بالصبر والمثابرة والثبات على الحق، وعلى العمل لهذه الدعوة ودوام الدعاء والتضرع إلى الله وحسن العبادة والذكر، فهو الحافظ والحامي والمعين. ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن هَمهُ الصدق وبُغيتهُ الحق وغَرضهُ الصواب، وأن يرزقنا يقيناً في الله وبالله، يملأ الصدر ويعمر القلب ويستولي على النفس، حتى يكفها إذا نزغت ويردها إذا تطلعت.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات (0)