هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ترشح سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل وما خلفه من جدل لم يضف شيئا للمشهد المعقّد جدا في ليبيا غير تذكية الخشية من أن هذه الانتخابات لن تكون مخرجا من الأزمة المستفحلة في هذه البلاد بقدر ما ستكون على الأرجح فصلا جديدا من فصولها.
وفي انتظار معرفة بقية الترشحات وما سيحصل بشأنها وما نتائج الطعون التي قد يتقدم بها أو ذاك، فإن كل ذلك لن يغيّر شيئا من التوجس المصاحب لهذه الانتخابات.
هذا التوجس عبّر عنه أكثر من طرف، ليبي وغير ليبي، نكتفي هنا بما قاله مبعوثان دوليان سابقان إلى ليبيا، فهذا طارق متري يقول إن "الكل يريد انتخابات في ليبيا أو يدعي ذلك، لكن التسويات حول تقاسم السلطة وإجراء الانتخابات لا تضمن بقوة ذاتها صيانة وحدة البلاد وسلامها، فهي لا تغني عن الإجماع على أهداف وطنية تعصى على المحاصصة والاتفاق على عقد اجتماعي جديد وبناء مؤسسات الدولة" فيما يقول غسان سلامة إنه "ليس من ضرر للديمقراطية أسوأ من رفض نتائج الانتخابات ومن محاولة نسفها بالعنف.
هذه أمثولة العراق وإثيوبيا اليوم، وقبلها دول عديدة تمرد الخاسرون فيها على حكم صندوق الاقتراع فتمزقت بلدانهم في حروب أهلية أو انزلقت لحكم الفرد. المباراة التي تنتهي بتدمير الملعب يخرج الكل منها مهزومين".
مردّ هذا التشاؤم ليس فقط استمرار الانقسام في المؤسسات السياسية والأمنية الليبية بين شرق وغرب، وإنما أيضا غياب الحد الأدنى من التوافق السياسي بين الأطراف الليبية المتصارعة تمهيدا للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكذلك غياب قاعدة دستورية تسند هذه الانتخابات قانونيا، فضلا عن عدد كبير من الأسئلة الصعبة التي ما زالت معلقة بخصوص هذه الانتخابات والتي عبرت عن بعضها مثلا حنان صلاح المختصة في الشؤون الليبية في منظمة "هيومن رايتس ووش" حين تساءلت: هل يمكن للسلطات الليبية ضمان انتخابات خالية من الإكراه، والتمييز، وتخويف الناخبين، والمرشحين، والأحزاب السياسية؟ وبما أن القواعد الانتخابية يمكنها أن تقصي بشكل تعسفي ناخبين ومرشحين محتملين، كيف يمكن للسلطات ضمان أن يكون التصويت شاملا؟
من أخطر ما يمكن أن يواجه ليبيا هو أن أي تشكيك في نزاهة الانتخابات أو رفض نتائجها قد يؤدي مرة أخرى إلى بروز حكومة في شرق البلاد وأخرى في غربها.
هل هناك خطة أمنية قوية لحماية مراكز التصويت؟ هل يمكن للقضاء التعامل بسرعة وإنصاف مع النزاعات المرتبطة بالانتخابات؟ هل يمكن لمنظمي الانتخابات ضمان وصول المراقبين المستقلين إلى أماكن التصويت، ولو في المناطق النائية؟ هل رتّبت "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات" لإجراء تدقيق خارجي مستقل في سجل الناخبين؟ وقد أجابت على كل ما سبق بالقول "يبدو ذلك موضع شك".
ومع خطر إجراء انتخابات رئاسية دون دستور لأن ذلك سيعني بالضرورة إرساء لحكم الفرد "الزعيم" بعد حكم مرير بهذا الشكل طوال 42 عاما مع العقيد القذافي، فإن ما يقلق أكثر هو التعاطي الدولي مع الأزمة الليبية لأنها تظهر ليس فقط انقساما حادا بين معسكرين يؤيد كل واحد منهما شقا ليبيا على حساب الآخر، في ظل قوات أجنبية ومرتزقة لم تغادر التراب الليبي بعد، وإنما أيضا نوع من القبول بالتعامل مع هذه الكيانات المتصارعة بين شرق البلاد وغربها فقط لأنها مجرد عناوين يمكن التحدث معها بغض النظر عن شرعيتها أو تمثيليتها، فيما يضمر البعض قناعة مخيفة هي أن ليبيا لا يمكن أن تحكم إلا بقبضة حديدية وزعامة رجل واحد.
حتى مؤتمر باريس، الذي عقد مؤخرا وحضرته الدول المعنية بشكل أو بآخر بما يجري في ليبيا، لم يستطع أن يفك عقدة إجراء الانتخابات أو تأجيلها واكتفى بتهديد المعرقلين لها، أشخاصا أو كيانات، بفرض عقوبات عليهم رغم أن عقوبات سابقة لم تثبت نجاعتها من بينها ما كان قرره مجلس النواب الأمريكي تحت اسم "قانون استقرار ليبيا".
ومن أخطر ما يمكن أن يواجه ليبيا أيضا هو أن أي تشكيك في نزاهة الانتخابات أو رفض نتائجها قد يؤدي مرة أخرى إلى بروز حكومة في شرق البلاد وأخرى في غربها بعد أن تم التخلص من هذه الازدواجية بعناء شديد عبر حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، كما يخشى عودة التهديد بإيقاف تصدير النفط الليبي من جديد. وإذا ما قررت القوات الأجنبية والمرتزقة دعم هذا الطرف أو ذاك بعد ظهور النتائج فقد تتعقد الأمور أكثر بل ويمكن أن ندخل في حرب أهلية طاحنة مع وجود مرشحين إشكاليين مثل القذافي وحفتر. وما الهجوم الذي جرى على بعض مقرات المفوضية العليا للانتخابات بعد إعلان ترشحيهما إلا نذر مثل هذا الاحتمال المخيف الذي تزيد من تأزيمه الخلفيات والحساسيات القبلية والمناطقية.
هل أن تأجيل الانتخابات يمكن أن يكون الحل؟ لا أحد يمكنه الجزم بذلك لكن الأكيد أن إجراءها في الظروف الحالية محفوف بالمخاطر إلى أبعد الحدود خاصة وأن الوقت ضيق للغاية لمعالجة الإشكالات القائمة أمام نزاهتها. وبين كل الفرضيات تبقى أيدي الليبيين على قلوبهم، وكذلك الدول المجاورة والمحبين لهم.